في مقدمة طبعة عام ١٨٥٢ Extraordinary Popular Delusions أوضح "ماقاي" أن "كل المجتمعات تركز اهتمامها فجأة على موضوع واحد وتطارده بمنتهى الجنون". يبدو هذا الأمر مألوفاً، أليس كذلك؟ يبدو الكتاب وكأنه كُتِبَ البارحة.
يقول ‘’ ماكاى":” آتيها الناس، طالما قيل لكم أن تفكروا بأسلوب القطيع، وأنه عندما يبدأ الناس ببطء واحداً تلو الآخر في العودة إلى رشدهم، سوف يرى القطيع أنهم فقدوا صوابهم"، ويستطرد قائلاً:” الأوهام الشائعة بدأت مبكراً للغاية وانتشرت على نطاق واسع، واستمرت أمداً طويلاً؛ لدرجة أن خمسين مجلداً وليس مجلدين أو تضم هاتان الجملتان السبب الجوهري وراء تأليف تشارلز ماقاي لكتابه وأيضاً وراء تأليفي لهذا الكتاب، بالنسبة ل ” ماكاى” أولا تقول نظريته.
إن أوهام العامة تحمل الجميع في موجاتها وتسبب لهم كل أنواع المشاكل، مثل تدمير الأشخاص الذين أمضوا حياتهم في الادخار بحرص حتى ينتهي بهم المطاف بوضع كل هذه الأموال في المضاربة؛ تشويه سمعة شخص بريء؛ إهدار الوقت والمال في مشروع يصعب تحقيقه أو غير مجدٍ. إننا لا نفكر في الأمور الخاطئة لأننا وصلنا لاستنتاجات خاطئة (يعتقد الكاتب ومعظم الناس أنه من الممكن المسامحة فيها) لكن لأن الآخرين من حولنا يفكرون في الأمر الخاطئ أيضاً.
بيد أن الانسحاب من الجنون يعد عملية أكثر بطئا وأنا تبدأ بشخص وشخصين لديهما الشجاعة والقوة الفكرية لعدم الانسياق وراء القطيع دون سبب وجيه، وغالباً ما يحقق هؤلاء الأشخاص معظم الربح أو أقل خسارة نظراً لشجاعتهم. وتدريجاً سوف بيدا الآخرون في الاتباع. فهم يسيرون مثل الرواد ويتساءلون؛ "فيم كفت أفكر؟" وينأون بجانبهم عن القطيع.
وبعد فترة طويلة من الممكن أن يعيد الناس النظر في الأمر وينطلقوا في اتجاه جديد مثل سرب من الطيور. وبوما يتساءلون: "فيم كنا نفكر؟" لكنه سؤال عبثي. إنهم لم يكونوا يفكرون كأفراد في الماضي ولا الآن أيضاً، فكل ما فعلوه هو اتباع قطيع جديد. وأمثال هؤلاء هم من يلحقهم الدمار في أي أزمة مالية تصيب بالذعر. إذا كان هذا الأمر له أهمية من الناحية التاريخية لكان هذا موضوع الكتاب. لكن كما سنرى هناك آلاف من الأمثلة على السلوك نفسه الذي انتقده "ماكاى" بوجود العديد من الهواجس باختلاف الأزمنة والتي مازالت موجودة حتى يومنا الحاضر، فكلنا نعلم "فقاعة بحر الجنوب’’ لكن المعاصرين لماكاى انساقوا وراء جنون السكة الحديدية، ونحن وقعنا في شرك أزمة فقاعة دوت كوم، في حين نندم على اضطهاد الساحرات قديماً، لكن أجدادنا تحملوا سجن الشيوعيين، والآن كاد بعض العامة يلقون بعدد من الآسيويين الذاهبين في إجازة من إحدى الطائرات لأنهم كانوا يتحدثون بلغة أجنبية ومن ثم لا بد أن يكونوا إرهابيين.
في الواقع، لا نحتاج إلى خمسين كتاباً، فنحن نعيش الكتاب نفسه مراراً وتكراراً لكن مع أبطال مختلفين، فالأوهام مازالت شائعة كسابق عهدها.
إليك هذه الفكرة.
في محيط عملك، اختر شخصاً رسمياً يمثل محامي الشيطان أي المجادل المشكك في كل مشروع ودور هذا الشخص يتمثل في التشكيك في قراراتك وافتراضاتك حرصاً على ألا يعتري الجنون قطيعك.