قبول الذات

القبول هو واحد من أهم الأشياء التي يمكنك تعلمها من أجل تغذية علاقاتك الحميمة مع ذاتك، ومن جذور وأساسيات الحب غير المشروط هو إدراك كل مايفعل شريكك أو يقول أو يشعر وكل ما يعبر عنه في جو خال من الاتهام، وممارسة هذا القبول مع ذاتك هو ما سوف يمكنك من توفير هذا المستوى من التسامح تجاه شريكك.

إذا قبلت نقائصك، عندئذ ستكون أكثر تسامحا تجاه نقائص الآخرين، وإذا تقبلت أخطاءك، ستكون أكثر تسامحا تجاه أخطاء الآخرين، وإذا تعلمت من دروسك، عندئذ ستعطي مساحة للآخرين ليتعلموا مثلك.

اقبل ذاتك أولاً

كان "بين" يعاني من مشكلة، حيث إنه لم يكن قادرا على الحفاظ على علاقاته مع الآخرين، فبمجرد دخوله في علاقة ما يبدأ في انتقاد أفعال شریکه فلا يعجبه أسلوبه في الحديث أو أخطاءه النحوية وتتعاظم هذه الأخطاء بداخله حتى يشعر بأنه لن يتمكن من الاستمرار في هذه العلاقة، لذا فالحفاظ على علاقته كان بالنسبة له تحديا كبيرا.

ودون اندهاش لم يكن "بين" مسامحة ومصافحة لأخطائه، لذا طلبت منه أن يمضي أسبوعا يدون فيه حكمه على كل ما یفعل، وفي نهاية ذلك الأسبوع، أرانی "بين" القائمة وأقر أنه صدم من نقده اللاذع لنفسه. لم يكن لديه فكرة بأنه يوبخ نفسه ويعنفها بهذه الدرجة من القسوة، فقد كان يغرق نفسه بالنقد اللاذع، وبالتالي لا يوجد ما يثير الدهشة إذا علمنا أنه غير متسامح تجاه الآخرين، وبالتدريب على تقبل عيوبه، تحول تلقائية لاتباع نفس الآلية مع الآخرين.

إلى أين يقودنا عدم قبول الذات

يمكن أن يؤدي ذلك إلى التوجه إلى تشويه علاقات الحب مع الآخرين؛ حيث إن سلبيتك في تقبل ذاتك سوف تدمی دون شك علاقتك مع شريكك فالسلبية كالسرطان ينتشر ويتوغل من شريك لآخر حتى يسمم العلاقة بأسرها.

عندما تزوجت بیتسی من نيك كانت تعرف أنه يعاني من مشكلة بسيطة في تقدير نفسه، فكثيرا ما كان يعبر عن عدم ارتياحه لقدراته ولكنها كانت مقتنعة بأن قوة حبها ستدع حدا لهذا الشعور، وبالفعل خمد هذا الشعور لدى نيك على مدار الثمان سنوات التي قضياها في زواجهما حتى بدأت حياة بيتسي المهنية في الرقي والتقدم فجأة حيث نشرت مقالة عن شركتها في أحد المجلات القومية، وتلقت أوامر طلبيات كثيرة من جميع أرجاء البلاد.

وعند هذه المرحلة، بدأ نيك في توجيه النقد دون مراعاة لعمل بيتسي مدعيا أن نجاحها كان مجرد حظ متهما إياها بأنها تظن أنها ذات أهمية كبيرة بين الناس، بهذا ظهر عدم تيقنه من قدراته وكان جلية بهجومه ضد شريكته وحظها السعيد الذي حالفها في عملها، على الرغم من أن بيتسي حاولت الحفاظ على زواجهما بالتحلي بالصبر وبالحديث معه وأخيرا بالعلاج ولكن استمرت السلبية والإهانات حتی انفصلا في نهاية المطاف بغية الحفاظ على صورتها أمام نفسها.

يمكن أن يتسبب النظر إلى الذات بنظرة تهاون وعدم تقديرها في إنهاء علاقات الحب تلقائيا ، فالشعور بالخزي وازدراء النفس من شانه أن يتغلغل داخل النفس حتى إن بعض الناس لايسمحون للآخرين بحبهم مهما كانت محاولاتهم، حتى إنهم لايتمكنون من إدراك الحب الحقيقى لأنهم لا يملكون إطارا مرجعيا يقيسون عليه تجاربهم، كما أنهم يرفضون الارتباط بشريك ما لعدم قدرتهم على تخيل إمكانية أن يفوزوا بحب من هو ذي أهمية ومقام، فجميعنا يعرف أناس يعانون من ازدراء النفس لدرجة أنه من يهتم بهم سيقع فريسة لهجومهم نظرا لهذا الاهتمام، ويشككون فيمن يحاول إبداء اهتمامه به، لأنه ليس بإمكانهم أنفسهم أن يجدوا ما يستحق الحب.

أدوات تدعيم حب الذات

يعتبر تعلم كيفية حب الذات بالنسبة لمعظم الناس عملية تستلزم الاستمرار فيها مدى الحياة. فلا يحدث ذلك بين عشية وضحاها أو بلمسة سحرية بل تحتاج إلى التدريب اليومي والتدعيم وكانك تتعلم رياضة جديدة. أي أنك بحاجة إلى تعلم الحركات ثم التدرب عليها مرارا وتكرارا حتى تصبح طبيعية بالنسبة لك مثل التنفس، ومن مظاهر جمال الحياة أنها تتيح الفرصة للجميع للتدرب على حب الذات.

لست بحاجة إلى إتقان حب ذاتك بالكامل قبل أن تحب الآخرين، لكنك بحاجة إلى العمل بنشاط في هذا الطريق. هناك موارد لا حصر لها يمكنك العودة إليها كدلیل محفز لك.

إننا محظوظون لأن نعيش في عالم يشجعنا ويوفر لنا وقتا لتطوير الشخصية والوعي بالذات. وحيث إن هذا الكتاب يتناول موضوعا يختلف عن تطوير تقدير الذات، سوف أسرد لكم بعض الأساليب التي أفضلها لتعلم كيف تحب ذاتك، ثم تشجعك على الاستمرار في رحلة الحياة.

تبدو فكرة حب الذات فكرة مجردة وغير محددة لذا فلنبدا بالقيام بمهام ملموسة، فعلى سبيل المثال، قم كل ليلة بتدوین قائمة بشرط أن تسرد هذه القائمة إنجازاتك على مدار اليوم وأن تبدأ بالضمير "انا".

ويمكن أن تكون أمور بسيطة مثل التحدث إلى العامل بالمغسلة عندما أفسد معطفي المفضل، أو استكمال مشروع كنت قد أجلته أو عمل فنجان رائع من القهوة. حتى إن الإنجازات البسيطة المتواضعة يمكن أن تكون خطوة تجاه شعورك بقيمة ذاتك، والغرض من هذه القائمة هو جذب انتباهك الذهني لما هو إيجابي بغية إبعادك عن التركيز على الأمور السلبية لديك.

 وفي ورش العمل التي ننظمها نقول "تدوین عشرة محاسن في اليوم تذهب الضيق عنك" ولكي يصبح الأمر عادة يتطلب ذلك تكراره لمدة واحد وعشرين يوما، وعليه، فإذا قمت بذلك لمدة واحد وعشرين يوما على التوالي، لابد أن تلاحظ تحسنًا ملحوظا في مستوى الثقة بالنفس وإدراكها، ولن يعد عقلك يتصيد أخطاءك تلقائيا بل سيتحول في الحقيقة بدلا من ذلك إلى ما أصبت فعله.

كذلك ومن الأدوات الأخرى التي يمكن أن توجد نوعا من رعاية الذات تغذيتها، ويتطلب ذلك أن تهتم بعلاقتك مع نفسك كما تفعل بعلاقتك مع صديق عزيز أو حبيب إلى قلبك، والتغذية هي أن تتوجه بذلك من ذاتك إلى ذاتك لتقل لها أنك ذات أهمية، وأنك جديرة بقضاء الوقت والجهد والمال.

ضع قائمة بالأشياء التي تبعث داخلك بالطاقة وقد تكون هذه القائمة عبارة عن متع حسية أو نشاط مادي أو حتى ممارسات روحانية تجدد من طاقاتك، دوّن فقط الأشياء التي تجعلك تشعر بخصوصيتك مثل:

  • مراقبة غروب الشمس.
  • الاستحمام.
  • عمل تدليك.
  • قضاء يوم بالسرير دون أن تكون مريضة.
  • ركوب الدراجة.
  • تناول القهوة مع أحد الأصدقاء.
  • تناول وجبة لذيذة.
  • إشعال شمعة.
  • التفكير في شيء تحبه.
  • الاستماع إلى مقطوعة موسيقية مفضلة لديك.

اختر لكل يوم شيء واحد مما يبعث إلى قلبك السرور، وقم به حتى إذا كنت تلاطف نفسك، وسرعان ماستتعلم كيف تغذي نفسك وستصبح عملية اختيار أشياء من قائمتك مع القيام بها هي الشعاع الذي يضي، يومك.

ابدأ بنفسك، فأمامك الفرصة اليوم مع ذاتك، ولديك مايجعلك تحب ذاتك. ابدأ بأن تعلم نفسك والآخرين كيف يجب أن يتم التعامل معك وسرعان ماستسعى وتدرك معنى الحب الحقيقي الصادق غير المشروط، ومن هنا ستكون تجربة الوقوع في الحب مع ذاتك ومع الآخرين نعية رائعة.

لا تهم الأدوات التي سوف تستخدمها في بناء إحساسك بتقدير ذاتك، ما يهم هو أنك ستكرس وقتك وطاقتك لتتعلم أن تحب من سيقضي دون شك بقية عمره معك - هو أنت- ذاتك.