الحُب يبدأ بحبك لذاتك أولاً:
بمقدور الحب تقديم الكثير لك، فبإمكانه أن يجلب لك المرح ويساعدك على الارتقاء والرفعة بطرق لم يكن لك أن تتوقعها، ولكن هناك شيء واحد ليس بمقدور الحب تقديمه لك هو أن يشعرك باكتمالك وشخصيتك، فأنت الشخص الوحيد الذي يمكنه إشعار ذاتك بالاكتمال والنضج.
اعتقد العديد من الناس في الأسطورة التي تقول إن هناك من يعتبر "نصفنا الحلو". يفترض هذا النموذج أننا غير مكتملين وأننا بحاجة إلى شريك لنكتمل وهذا الشعور بعدم الاكتمال يقود إلى الشعور بالفراغ والحاجة والعوز ووخز الضمير، ونظرا لوجود هذه المشاعر، فدائما نبحث عن شريك يسد نقاط النقص بداخلنا.
وتكمن سخرية القدر في أن حاجتنا الملحة التي تجعلنا نبحث عن الحب هي نفس مایعوق انتعاشه، وينجذب الحب الحقيقي إلى من يرغبونه ويبعد عن أولئك الذين يحتاجونه. أن ترید تفيد معنى الكفاية والرغبة والحاجة أو العوز يفيد ان معنی عدم الكفاية والاتكال، فعبارة "أنا أحتاج" توجد تأثيرا سلبيا يجبرك على محاولة التعلق بشيء وانتزاعه والتمسك به واستهلاكه، وعبارة "أنا أريد" توجد نوعا من الانفتاح الذي يمكنك من استكشاف العلاقة التي ترغب فيها وتفكر فيها مع مقدرتك على تشكيلها، وفي حالة العمل على أساس أنك كائن مكتمل متكامل فقط، يمكنك العثور على الحب القائم على أن "تريد" لا أن "تحتاج".
ترعرعت فيكتوريا في حياة رغدة ولكنها خالية من العاطفة ، فقد كان والدها رجل أعمال ناجحا يقضي وقته في التنقل من اجتماع لآخر، بينما انشغلت والدتها بالأعمال الخيرية والاجتماعية، وكطفلة، کم حلمت بمن يهتم بها ويمنحها الحب الذي طالما انتظرته، وقضت ساعات طويلة وحيدة في حجرتها تحلم وتتخيل هذا الشخص الذي سوف يكتب أحلى الأشعار وأجملها عن حبها وحلمت أن تتزوج بذلك الشخص الذي سينقذها من وحدتها القاتلة، واعتقدت أنه بمجرد العثور على هذا الشخص، لن تشعر بهذا الفراغ وستصبح سعيدة.
وعندما بلغت، تعددت ارتباطاتها ولكنها لم تتمكن من العثور على ذلك الشخص الذي سيغرقها في الحب، وكانت هذه الارتباطات تستمر لفترات قصيرة، والحال كما هو دون تغير فلم يكن يكفيها الحب الذي كانوا يظهرونه لها، وحاولت فيكتوريا كثيرا من أجل سد الفجوة الموجودة بداخلها منذ الصغر وأصبحت كالبئر الذي لا يمتلئ.
إذا كنت تبذل جهدها في البحث عن شخص يمنحها الحب كما فعلت فيكتوريا، بدلا من محاولة أن تمنح الحب لذاتك، فستكون كالحاوية المثقوبة التي لن تمتلئ أبدا مهما حاولت ، حيث يتسرب منها الماء من مكان ما، ومهما كان الحب والاهتمام والعاطفة التي يوفرها لك الطرف الآخر، ستكون بحاجة إلى المزيد والمزيد - نظرا لأن الحب الذي تتلقاه من هذا الطرف لن يحل أبدا محل الحب الذي يجب عليك أن توجهه لذاتك.
التعليمات الخاصة بكيفية حب ذاتك:
إذا أردنا وضع قانون واحد ليعبر عن قوة الحب فسيكون هو: أسلوب إدراكك لذاتك وتعاملك معها هو بالضبط ما سوف يقدمه الآخرون لك.
إنك دون وعي توضح للناس وتخبرهم كل يوم عن كيفية معاملتهم لك دون أن تلفظ بكلمة، نظرا لأنك الراعي الأول لمصالحك، وسوف ينظر إليك الآخرون کدليل يوضح مدى الحب الذي تطلبه منهم.
إنك تعطيهم المفاتيح، وتملى علی الناس كيف يتحدثون إليك وكيف يتعاملون معك وكيف يفكرون فيك وما يتوقعونه منك، سواء أكنت على وعي بالقيام بذلك أم لا، فأنت المسؤول عن وضع نموذج للناس ليتعاملوا معك على أساسه.
إترك كل التوقعات السلبية
كانت "اريلا" سيدة أنيقة في أواخر الثلاثين من عمرها وجات لأنها - حسب وصفها لنفسها - "تصاب بلعنة" حال إقامتها علاقة، وعندما ذكرت لها أن لعلها هي التي تظهر مواقفها بهذا الشكل دون وعي منها، اعترضت تماما ولم تأخذ بما قلت، وأصرت أن ما تمر به كان نتيجة حظ تعس، لذا طلبت منها أن تقص قصتها علي.
وفي أثناء حديثها كانت تؤكد أن قدرها أن تعيش تعيسة دون أن تجد من يحبها حتى إنها أنهت قصتها قائلة: "أعتقد أني سأعيش وحيدة إلى الأبد".
وطرحت عليها بعض الأسئلة عن نفسها، وهنا بدات تظهر بعض الحقائق الأساسية على السطح، فقد كانت أريلا تعمل في متجر ملابس ولم تكن تشعر بالمتعة في عملها وتراه مثيرا للملل ولكنها استمرت في هذا العمل نظرا لاعتقادها بانها لن تجد وظيفة أفضل، وقالت إنها ظلت لوقت طويل تتوق لفتح مدرسة ولكنها لم تخط خطوات جادة في هذا الاتجاه، وكانت تنتقل من عمل لآخر دون أن تعطي نفسها الوقت لتعتني بنفسها، وكانت تتناول الأطعة المعلبة وكميات كبيرة من القهوة، ونادرا ما كانت تشترك في أي نشاط بدنی. باختصار لم تكن تهتم بذاتها.
واندهشت أريلا عندما قلت لها إن طريقة تعاملها مع نفسها بإهمال وعدم احترام ودون مراعاة قد انعكست على أسلوب التعامل معها، ولم تكن هناك حاجة إلى الحديث عن رأيها في ذاتها، فقد كان ذلك جليا من سلوكها وتصرفاتها، وكان الناس يتعاملون معها عن طريق الرسالة التي تبثها لهم من خلال تعاملها مع نفسها.
دائرة الإعتقاد والنتيجة في الحب:
شعرت بان أريلا بدأت في تقبل هذا المفهوم؛ لذا واصلت حدیثی وأوضحت لها أن لمعتقداتنا الداخلية تأثيرين. الأول، هو أنها توجه سلوكنا، والثاني انها توجد توقع بداخلنا بشان مانستحق من تعامل، وينعكس سلوكنا أمام الآخرين ويشكل النموذج الذي سيتعاملون به معنا، وينتقل توقعنا اللاواعي لمستوى كبير، ويستجيب الآخرون إلى هذا النموذج وإلى هذه التوقعات التي ننقلها لهم، وتاتي النتيجة لتؤكد صحة اعتقادنا.
وفي حالة أريلا، كانت دورة التفكير کما یلی، لدى أريلا اعتقاد غیر واعی عن نفسها (لست مهمة) حدد ذلك الاعتقاد سلوكها (لست بحاجة إلى التعامل مع نفسی کشخصية فريدة) وتوقعها للتعامل الذي تستحقه من الآخرين كان (لن يتعامل مع أي شخص كشخصية فريدة مميزة). وأوضح سلوكها للناس كيف يتعاملون معها (إنني أتعامل مع نفسی کشخصية لا أهمية لها لذا يتعين عليكم التعامل معي بنفس الطريقة) ونقلت توقعها (أنا لا أستحق ولا أتوقع أن تتعاملوا معی کشخصية هامة وفريدة). ونتيجة لذلك، لم يتعامل أحد معها باحترام أو تقدير أو أهمية وتأكد لديها اعتقادها الأول.
ومع اكتشاف أريلا لحقيقة أمرها، كان من المستحيل إخفاء أو مراوغة قوانين الطاقة والجاذبية فاعتقادك عن ذاتك ينعكس إلى العالم الخارجي ويتضح في علاقاتك، ويقال أنه عندما يتم مقابلة الناس لاختيارهم لوظيفة ما، ينجذب المدراء عن غير وعي إلى من يشابهونهم، وبنفس الطريقة ينجذب الشخص إلى شريك حياته الذي يعامله بنفس الطريقة التي يعامل بها نفسه.
وكانت هذه المعلومة هي المفتاح الذي وضع حدا لاعتقاد أريلا عن نفسها وإهمالها وازدرائها لذاتها، وأتيحت لها الفرصة لترى أنها بحاجة إلى أن تبدأ بنفسها وأن تنمي لديها شعور بالحب والاحترام تجاه ذاتها قبل أن تتوقع الحب والاحترام من الآخرين.
وبالطبع ليس هذا بالمفهوم الذي يسهل استيعابه، حيث إنه يعني تحمل مسؤولية مايحدث لك ولن تجذبه إلى حياتك. ولحسن الطالع، يمكن تحطيم نموذج الاعتقاد والسلوك والتوقع والنتيجة بمجرد إدراكك له وبمجرد تغيير معتقداتك عن ذاتك.
إذا اعتقدت بأنك لست جدير بالحب، ستجذب شريكا يتعامل معك على هذا الأساس، وإذا تعاملت مع ذاتك على أنك لست مهما، فهناك احتمال أن شريكك سيتعامل معك بنفس الطريقة، وإذا كنت بخيلا مع ذاتك من حيث الوقت والمال والاهتمام فعلى الأرجح ستجذب شريك يعوزه الكرم تجاهك، وإذا كنت قاس في حكمك على ذاتك فسوف يقسو عليك شريكك.
من ناحية أخرى، إذا كنت تطلب الاحترام والعطف الاهتمام والنزاهة في علاقتك مع ذاتك، فإنك تضع أساسا لتلقي نفس الشيء من الآخرين. إذا صفحت عن ذاتك، فسوف يعرف الآخرون أنه من غير المقبول أن يوبخك أحد على أخطائك، وإذا احترمت احتياجاتك، سيحترمها شريكك، وإذا أنصت لرسائلك الداخلية واحترمتها، سوف تلقي الاحترام من شريكك. سوف تنعكس اعتقاداتك وتوقعاتك الداخلية خارجك وسوف يتعامل معك الناس بنفس الطريقة.