اعلم أن الشجار أمر صحي (مادام في حدود المعقول)
إذا كان لديك أكثر من طفل، وما دمت لم ترزق بتوءم من البداية فلا يمكنك الادعاء بأنك لم تكن تعلم ما أنت مقبل عليه، فسيكون صوت الشجار المتواصل مألوفاً لديك. وند يتشاجر بعض الأطفال أكثر من البعض الآخر، لكن كلهم يتشاجرون. وجزء كبير من الإحباط الذي يصيبك من هذا الأمر هو معرفتك بأن تلك المشاجرات ليست لها أي معنى، أليس كذلك؟
فهل يهم حقاً من يملك لعبة الكمبيوتر تلك؟ أومن يملك الحذاء الأجمل؟ أو يخرج من الباب الأمامي قبل الآخر (ذعم٠ فدائناً ما يتشاجر أطفالي. حول هذا الأمر) حسناً! الإجابة هي لا، ليس من وجهة نظرك على أي حال.
إلا أنه من المفيد لصغارك آن يتعلموا كيف يتشاجرون. لماذا؟ لأنهم لن يمتنعوا عن المشاجرات، إلا إذا كانوا يعرفون كيف يتشاجرون من الأساس. ونحن نريد لهم أن يكبروا وهم قادرون على منع أنفسهم من الدخول في مشاجرات.
هل لاحظت كيف أن الأطفال الذين يعبرون ولا إخوة لهم (ربما كنت أنت واحدا منهم) يجدون صعوبات أكثر في التعامل مع مسائل الصراعات حينما يكبرون؟ ففي داخلهم تكون هناك نزعة إما إلى أن يكونوا عدوانيين للغاية أو على النقيض من ذلك. منسجمين للغاية، وعلى العكس من ذلك فإن معظم الأشخاص الذين يستطيعون التعامل بدبلوماسية مع مواقف الصراع كان لهم إخوة وهم صغار.
إن الوسيلة الوحيدة لتعلم أساليب حل وتسوية النزاعات بدبلوماسية _ إضافة إلى كافة المهارات الشبيهة التي يفتقدها الأطفال (وكثير من الكبار أيضاً) هي الدخول في مشاحنات؛ فتلك المشاجرات والمشاحنات تعلمك الوسيلة التي تستطيع. أولا تستطيع بها، حمل الناس على التعاون معك؛ فعبر السنين يتعلم الطفل أن أخاه يكون أقل تعاوناً إذا ما لطمه على وجهه. أو أن أخته لن تسمح له بدخول حجرتها ما لم يسمح لها هو بالمثل أولأ.
من الصعب أن يتوصل الأطفال لمعرفة هذه الأشياء من خلال التفاعل مع أصدقائهم؛ لأنه بتلك الوسيلة قد ينتهي المطاف بهم وهم بدون أصدقاء من الأساس. أما مع الإخوة فلا يستطيع الواحد منهم أن يقول: " إذا لم تلعب معي. فلن أكون أخاً لك بعد الآن " فهم مسامحون للغاية، حتى إن كان هذا نابعاً من أنه ليس لهم خيار آخر.
إن الشجار بين الإخوة يتعلق دوماً بصراع القوى؛ فمن طريقه يحددون من يعطى الأوامر (المكانة) أومن يملك تلك المسافة (السيطرة) أو مَن المسموح له باتخاذ قراراته بنفسه (الاستقلالية)، ولابد أن تمنع نفسك من التدخل في تلك الموضوعات الأساسية (حتى لو اضطررت إلى إرسال قوات حفظ سلام لتهدئة الأمور عندما تندلع المشاحنات بينهم أحياناً)؛ لأنك مهما فعلت فلن تغير من الصفات الموروثة الموجودة في أطفالك بمحاولتك حل الموقف بعدالة.
إنظر إلى البلقان والشرق الأوسط وفيتنام لن يجدي مطلقاً أن تتخذ القرارات نيابة عن الآخرين. وكم يمكن للأطفال المتصارعين أن يكونوا مثل الأمم المتحاربة في عنفهم حقاً.
لذا، ففي المرة القادمة التي يتشاجر فيها أبناؤك (لن يطول انتظارك لهذا) تقبل الأمر بصدر رحب، أنني أعلم أن طلبي هذا يبدو مبالغاً فيه٠ لكن على الأقل لا تتخيل أنك بعدم تدخلك قد أخطأت أو أنك يجب أن توقفهم عن الشجار لأنزم في حقيقة الأمر لا يتشاجرون بل هم يتعلمون مهارات مهمة تساعدهم في هذه الحياة.