قد تشعر بأن الحياة ستصير أفضل بكثير إذا ما كان أبناؤك هادئين على الدوام، دون مشاحنات، أو دموع، أو نوبات غضب؛ أجل، أنت محق؛ سيكون هذا أفضل، إلا أن ذلك لن يكون شيئاً صحباً لأطفالك؛ فمن المستحيل أن يظلوا كذلك على الدوام؛ لأنهم يملكون مشاعر قوية وهم بحاجة إلى التعبير عنها؛ فعندما يغضبون، يجب أن يسمح لهم بالتعبير عن غضبهم -ومهمتك هي أن تعلمهم كيفية التعبير عن مثل هذه المشاعر بصورة مقبولة وأن تؤكد لهم على ضرورة عدم كيت أي مشاعر أو إخفائها مهما كانت طبيعة تلك المشاعر.
إنني أعرف عائلات يتعرض فيها الأطفال للتوبيخ لمجرد إظهارهم لمشاعر الغضب مهما كانت الوسيلة التي عبروا بها. بالطبع يجب تعليم الأطفال كيف يظهرون غضبهم دون عدوانية أو إيذاء للآخرين أو تهديدهم، إلا أن هذا لا ينفي ضرورة السماح لهم بالشعور بالغضب والتعبير عنه. يمكن تبرير الشعور بالغضب، وعلى أطفالك أن يعرفوا أن بمقدورهم التعبير عن مشاعر الغضب المبرر التي لديهم دون أن يتعرضوا للتأنيب. إنهم بحاجة لسماع عبارة مثل: "إنني أستطيع أن أرى السبب وراء غضبك، لكن ليس من المسموح لك بأن تصرخ في وجه أختك".
إن الطفل إذا لم يستطع التعبير عن مشاعره فلن يستطيع التخلص منها -حتى البالغون يعانون من هذا الأمر. كل ما يستطيع الطفل عمله هو اختزان تلك المشاعر وكبتها؛ وهو ما قد يؤدى لمشكلات نفسية وبدنية عويصة. والأسوأ من ذلك هو أنه عندما يكبر طفلك، فسوف يصير بالغاً لا يستطيع البوح بما يشعر به، وهو ما يعد شيئاً مدمراً لكافة أنواع العلاقات، خاصة الحميمة منها.
إن الأشخاص الذين يكبرون دون المرور بخلافات قد لا يتفهمون أنه من الطبيعي أن يمر المرء بخلاف مع إنسان آخر ومع ذلك تسير الأمور بعدها بسلاسة؛ لهذا السبب هم يخافون أن يتجادلوا مع شركاء حياتهم إذا فعلوا شيئاً يغضبهم. وهذا يعني أنه لا يتم التنفيس عن المشكلات، وتبدأ مشاعر الاحتقان في التجمع، وهو ما نعرف أنه أمر غير صحي على الإطلاق.
إنني أعلم أننا مازلنا في القسم الخاص بالانضباط في هذا الكتاب (بالكاد)، لكن بما أننا نتحدث في موضوع التعبير عن المشاعر، فإنني أود أن أؤكد على أهمية وفائدة البكاء بالنسبة للطفل، وللبالغين أبضاً. ليس من المعتاد أن يعاقب الآباء أبنائهم على بكائهم. لكن سمعت الكثير من الآباء وهم يقولون لأبنائهم: "لاتكن طفلاً" أو دعك من هذا؛ فالأمر ليس بهذا السوء"، حسناً من الواضح أن الأمر بهذا السوء من وجهة نظرهم، وإلا لما بكوا، أليس كذلك؟
سرعان ما سيتعلم الطفل في المدرسة ألا يبكي في المواقف غير الملائمة لذلك؛ لذا لا داعي للقلق بشأن هذه النفطة. ولقد تعلمت من صديق عزيز منذ سنوات عديدة أن الاستجابة المناسبة التي عليك أن تبديها عندما ترى طفلاً يبكي، (أو شخصاً بالغاً) ليست أن تقول له: "مهلاً توقف عن البكاء"، بل: "هيا أخرج ما في صدرك".
اسأل أي أب لديه أكثر من طفل واحد (وأنت أحدهم على الأرجح)، وسيخبرك بأن لكل طفل منهم شخصيته المختلفة، فالأطفال قد يكون لهم الأب والأم، ويتربون في نفس البيئة، داخل نفس العائلة، ويذهبون إلى المدرسة، ويقضون نفس الإجازات، إلا أن لكل منهم شخصية مختلفة عن الآخر.
ولهذا تأثير على الطريقة التي تٌرَبِى بها أبناءك؛ فالهدف من تربيتك لهم هو أن تربي كلًا منهم بصورة تتناسب وشخصيته، وليس أن تصوغهم كلهم في قالب واحد تريد أن يكونوا عليه. حسناً قد تكون على علم بهذا فأنت واحد ممن يتبعون أساليب التربية السليمة على أي حال.