الخطوة الأولى للتربيه شبه المثالية هي: لا تقل لهم إنهم مميزون للغاية
طور لطفلك عقلية ناجحة بالثناء على جهوده وليس على ذكائه أو مهاراته: عندما تتحدث الأم التي رزقت بطفل جديد، أو لا تزال تنتظر ميلاده، عن إنجاب الأطفال، تقفز إلى ذهنها كلمة واحدة: رائع. إنجاب الأطفال شيء إعجازي، ومن السهل للغاية أن تنجرف حينها في دوامة البهجة والسعادة المتزايدة.
فقد جلبت إلى الدنيا حياة جديدة، طفلاً صغيرًا وودودا لتربيه وتقضي معه أيامك. عندما تحدقين إلى الطفل الجديد الذي أنجبتيه، ترين جمالاً صغيرًا مثاليًا مفعمًا بإمكانات ضخمة. إنه كائن مثالي صغير! وأنت محقة في مشاعرك وافتراضاتك؛ فالأطفال يملكون أجمل ابتسامة وألطف وجه وأكثر الأساليب تميزًا، وأكبر قلب.
ويوجد بداخلهم طرق لا نهائية تحوي العديد من الاحتمالات المستقبلية، وسيكون عليهم أن يسيروا فيها - وفي كل مرة ينظرون إليك بعيون نابضة بالحياة، ترى ذلك، وهذا ما يفترض بالأمر أن يكون عليه من أجل البقاء على قيد الحياة.
فإذا لم نعشق أطفالنا، وإذا لم نعشق الأرض التي يمشون عليها، فمن الأرجح أن تقل أعداد الناس في العالم. من الذي سيتحمل المحن والمصائب التي يمر بها الطفل غير والديه؟ ومع هذا الشعور تأتي التضحية التي يعرفها الجميع، لكن لا يفكرون فيها بعمق وتجرد.
إنها النهاية المضحكة لكل المزحات التي يتبادلها الأشخاص قبل الزواج، لكن عندما تحدث لك ولزوجتك، تكون أبعد ما يكون عن المرح؛ فالأمر يسير كالآتي: لا مزيد بعد الآن من عطلات نهاية الأسبوع، أو السهر مع الأصدقاء، أو النوم وقتما نريد، أوتناول وجبة وقتما نريد، وأحيانًا يكون من الصعب حتى استخدام المرحاض دون إزعاج. ولا يلقى لكل ذلك بال في البداية؛ لأن الآباء والأمهات يستقبلون مسئولياتهم الجديدة على الرحب والسعة لأنهم رزقوا بأكثر الكائنات روعة على وجه هذا الكوكب!
إن طفلك فريد من نوعه وأكثر الأشخاص روعة في عالمك، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر؛ فهو يحتاج إلى أن يعرف كم هو محبوب، ويحتاج إلى الشعور بأن والديه هما أقوى مناصريه وأنهما سيفعلان ما بوسعهما لحمايته، ويحتاج إلى الشعور بأن والديه يحبانه حبًا غير مشروط.
لكن، من الضروري أن تجعل الأطفال يفهمون أنهم ليسوا أهم الأشخاص في العالم.
طفلك ليس مميزاً، إن سماع تلك الكلمات دائمًا ما يجلب مجموعة من المشاعر لا يكون أي منها مرضيًا؛ فمعظم الآباء والأمهات سيرفضون هذا الادعاء وسيهاجمون أي شخص يقول إن طفلهم ليس بالطفل المميز. وإليك الجزء الأصعب: ينبغي أن تفهم أن طفلك مهم فقط بالنسبة لك ولأحبائك، فالمشكلة تبدأ حين لا يدرك الوالد أن طفله ليس مهمًا للجميع ولا ينبغي أن يعامل على هذا النحو.
وبمجرد أن يدرك الوالدان أن طفلهما مميز فحسب بالنسبة لهما ولعدد قليل آخر ويبدأ إعداد طفلهما للعالم - العالم الذي لن يرى أولادهما إلا كبشر عاديين - يحدث تقدم في تنشئة الطفل ليصبح شخصًا بالغا ومنتجًا وناجحًا.
إن كوكب الأرض يعيش عليه مليارات الأشخاص ممن يندرجون تحت قائمة الفئة العادية، التي على الأرجح تشمل أطفالك - وهو أمر يصعب على الوالد استيعابه. فهناك بالطبع الكثير من الأطفال الذين لديهم مواهب استثنائية في بعض الجوانب، لكن هذا لا يجعلهم مطلقًا أهم من طفل غير متفوق بالمعايير المُجتمعية. وحتى في الحالات النادرة حين يكون الطفل عبقريًا، من المهم أن تجعله متواضعًا.
كل والد يرى طفله هبة عظيمة، لكن بقية العالم ليست لديهم النظرة ذاتها؛ وهذا يتعارض مع ما يراه معظم الآباء والأمهات كواقع. كيف يمكن للكائن الصغير الذي أنجبته ألا يكون مميزًا ومدهشًا ورائعًا ومثيرًا للإعجاب؟ لا يبدو هذا الأمر ممكنًا، والأمر المحير أكثر هو أنه يقال للوالدين إنه ينبغي عليهما أن يشعرا طفلهما بالأهمية، وإنه من المهم أن يغرقاه بالمديح ويبنيا ثقته بنفسه ويعززا من ذاته ليجعلا ذلك الطفل المميز يشعر بالتفرد والروعة.
بنظرة جادة ومتفحصة على أنفسنا، كم عدد البشر الذين يندرجون حقا تحت فئة المميزون؟ من مليارات البشر الذين عاشوا على وجه الأرض في المائة عام الماضية ربما تكون السيدة تريزا و مارتن لوثر كينج (نستطيع بالطبع إضافة المزيد) هما اللذين يندرجان حقًا تحت قائمة الأشخاص الاستثنائيين، أما البقية منا فيندرجون تحت فئة البشر العاديين. سيكون لدى البعض مزيد من الموهبة، أو مزيد من الذكاء، أو مزيداً من القوة البدنية، أو حتى مهارة نادرة، لكن إذا كنت تحب طفلك حقًا، فإنك ستثني عليه لكن دون أن تجعله يعتقد أنه فوق الجميع.
يذكرنا ديفيد ماكولوج، الابن في خطبته الشهيرة التي ألقاها في حفل تخرج طلاب المرحلة الثانوية بالآتي: حتى إذا كنت واحدًا في المليون على كوكب يعيش عليه ٦٠٨ مليار شخص فهذا يعني أن هناك قرابة ٧٠٠٠ شخص مثلك. وكونك واحدًا من سبعة آلاف شخص لا يجعلك شخصًا مميزًا. ومن الحكمة أن تفكر في تلك الكلمات، لكن الآباء والأمهات يجب أن يبدأوا في التفكير على هذا النحو إذا كانوا يريدون حقًا ما هو أفضل لأطفالهم.
إذن كيف نفعل ذلك، ولماذا نحتاج إليه؟
إن الآباء والأمهات الذين ينتمون إلى جيل إكس - الجيل الذي ولد بين عامي ١٩٥٦ و١٩٨٠ بعد جيل الطفرة السكانية - تعلموا أن الإكثار من الإطراء على الطفل مهم لتقدير الذات؛ لأنه إذا لم نثن عليه بالقدر الكافي، فسندمر شخصيته في المستقبل؛ فهناك نذير بأنه لن يكون قادرًا على أن يصبح شخصًا سعيدًا وواثقًا بنفسه وناجحًا ورائعًا؛ لذلك يجب أن نُغرقه بالحُب والإعجاب، ونحتضنه إلى أقصى حد.
يجب أن نرعى أطفالنا عن طريق إخبارهم كم هُم رائعون ومُهمون؛ فإن الإطراء عليهم عند كل مهمة ينجزونها يبني لديهم تقدير الذات.
يدخُل الآباء والأمهات في نوبة من الفرح حين يبني طفلهم البالغ من العمر ١٨ شهرًا برجًا من المكعبات، معتقدين أنه سيكون المهندس العظيم القادم، ثم يقولون لطفلهم العبقري: كم أن هذا البرج مدهش!، وكذلك يعلق والد الطفلة النابغة البالغة من العمر أربعة أعوام على كل كلمة تقولها قائلاً: أليست المتحدثة الأكثر براعة؟،
ثم نجد والد طالب الصف السادس "المتفوق" يطوف بملحق مكتوب عليه للجميع ابني طالب متفوق ، كما نجد أن المراهق الذي يلعب في فريق البيسبول الفائز في المدرسة يقال له باستمرار (أنت رياضي مدهش!)
يقال للآباء والأمهات إن شعور طفلهم بالأهمية سيساعده على بناء الثقة بالنفس التي يحتاج إليها في الحياة؛ لذلك من الطبيعي أن يفعل الآباء والأمهات كل ما بوسعهم كي يشعر طفلهم بهذا الشعور الضروري. وهناك موقف شائع يحدث مع الآباء والأمهات وهو أن يسمح الوالد لطفله بأن يقاطع باستمرار حديثه مع الشخص الآخر، وهنا سيتوقف الوالد عن الحديث مع الشخص الآخر ليجيب على كلمات الطفل الاستفسارية دون إدراك مدى وقاحة ذلك بالنسبة للشخص الآخر.
يحدث هذا الأمر لأن الآباء والأمهات يحرصون على أن يشعر الطفل بأنه على قدم المساواة مع الشخص الآخر. فلا بد ألا يشعر بأنه غير مهم بما يكفي للإجابة عن سؤاله بمجرد أن يرد في ذهنه، مهما كان ما يفعله الأب أو الأم - مثل التحدث في الهاتف أو التحدث مع شخص آخر.
أضف إلى ذلك حقيقة أن الآباء والأمهات يرتعبون من فكرة أن يصبح أطفالهم عاديين. فمن الذي يريد ذلك؟ فإن عززنا من شخصياتهم وأغرقناهم بالثناء فسيصبحون أطفالاً استثنائيين - ويبدو أن إخبار الطفل بمدى روعته وذكائه هو الطريقة المثلى لتحقيق ذلك.
إليك المفاجأة. لقد ثبت أن هذه ليست هي الطريقة الصحيحة لبناء الثقة بالنفس واحترام الذات الحقيقي، وأن الآباء والأمهات كانوا يسيرون في الاتجاه الخطأ على مدار الأجيال القليلة السابقة؛ فالعقد الماضي كان يعج بالدراسات المهتمة بمدى تأثير محاولات بناء تقدير الذات على الطفل من خلال الإطراء عليه، ولم تكن النتائج كما نتوقع. فقد اتضح أن الأمر على النقيض مما تعلمناه؛ فإن الاستمرار في الإطراء على طفلك ومساعدته على الشعور كما لو أنه الذي بلا نظير يعطيه شعورا غير مستحق بأهمية الذات، ومن ثم يواجه صعوبة في التواصل مع الآخرين - فتؤدي تلك النتائج إلى شعوره بانعدام الأمان والخوف.
حين تجعل طفلك يشعر كأن الشمس تدور حوله، لأنه أقرب كائن إلى الكمال، يؤدي ذلك إلى إصابته بالغرور. إن الإكثار من امتداح الطفل من أجل إتمام مراحل تطور الطفولة الطبيعية ليس مفيدًا.
لا أنكر أن حب الطفل وتقديم الدعم له ومخاطبته بكلمات مثل: أحبك إلى الأبد، أمر غاية في الضرورة ولا بد من القيام به بشكل منتظم. لكن لا ضير من أن تطلب من طفلك ذي الأعوام الأربعة أن ينتظر حتى تنتهي من حديثك مع الشخص الآخر قبل أن تلبي طلبه المهم للغاية وهو: أريد مصاصة الآن، هل يمكنني ذلك؟
إن فكرة عدم الاستجابة إلى الطفل في اللحظة ذاتها التي يطلب فيها شيئًا منافية للطبع الأبوي، رغم أن الطفل يتعلم الوقاحة من خلال قطع أحاديث الآخرين، ومن ثم فإن ما يحدث هو أننا نربي أطفالاً يُبالغون في الشعور بذواتهم ويطمحون إلى ما لا يستحقونه.
ويمكن للشعور بأهمية الذات أن يظهر على الطفل في صور بسيطة وغير بسيطة، مثل الرغبة في أن يكون الأول في الصف لأنني مهم للغاية أو الشعور بأنني أستحق أكبر كعكة في الحفل. وسيتبنى الطفل نهج أنا الأفضل طوال الوقت بما أن هذا ما يقال له؛ فالقلعة التي يصنعها من الرمال هي الأفضل دائمًا، وهو الأسرع في الركض والأقوى في الركل. أنا أفضل كاتب رسائل لأنني ذكي للغاية - هكذا أخبرتني أمي. فلا عجب من أن يصبح هؤلاء الأطفال نرجسيين.
وحين تستمر هذه الدائرة يكون من الواضح معرفة سبب إيجاد الطفل صعوبة في التواصل مع أقرانه؛ حيث إن شعوره المتنامي بالعظمة لا يجعله محبوبًا، والطفل المُميّز ليس هو الطفل المحبوب بل إن الأطفال الآخرين يخجلون منه.
حين يقضي طفل الروضة ذو الأعوام الخمسة من عمره وهو يسمع أنه ذكي للغاية وأنه أفضل رسام و لاعب كرة قدم رائع، تخيل كيف سيكون شعوره حين يدرك أنه ليس أفضل من الجميع. يُقال للطفل إنه ذكي وماهر في بعض الأشياء، لذا لا بد أنه كذلك، لكن في داخله، في مكان ما في ثنايا ذهنه، يدرك أنه لا يختلف كثيرًا عن الأطفال الآخرين.
تولّد هذه الحقائق المتضاربة شعورًا بعدم الأمان والخوف والخزي، ومن ثم سيتجنب هذا الطفل التحديات خشية الإخفاق؛ فهو يجب أن يكون الأفضل لأنه دائمًا ما كانت والدته ووالده يخبرانه بذلك، وهذا يعني أنه يجب أن يكون قادرا على النجاح طوال الوقت. لكن هذا مستحيل في كل المواقف؛ لذا فإن الطفل الصغير الماهر سيختار التحديات التي يضمن النجاح فيها فحسب كي تستمر حقيقة أنا الأفضل، وسيتجنب أي شيء يمكن أن يمثل له عقبة، وسيخسر الكثير من الفرص التي تؤدي إلى تحقيق مزيد من النجاح.
يُمكن للخوف من الإخفاق أن يُصبح عبئا ثقيلاً على طفل يبلغ من العمر خمسة أعوام، فلا بد أنه سيقف عقبة في طريقه، فإذا لم يؤد على النحو الأمثل، فسيجبر على مواجهة خزي عدم الارتقاء إلى التفوق على منافسيه، وستستمر دائرة التجنب، وسيعتذر عن أي نشاط أو تحد لن يحقق فيه إنجارًا كبيرًا. يا له من عبء ثقيل على هذا الطفل الصغير! فقد وضع على الطريق الخطأ، والأمر متروك للأب والأم لتغيير هذا الاتجاه.
تشير الكثير من الأبحاث إلى أن ثقافة الإطراء المستمر خلال تربية الأولاد لا بد أن تتوقف أو يعاد التفكير بها فيما يتعلق بكيفية توزيع هذا الإطراء. حيث تدارس علماء النفس مدى احتياجنا إلى فعل ذلك من خلال أبحاث كانت لها بعض النتائج المدهشة والمثيرة للاهتمام.
وقد استحدثت كارول إس. دويك، الباحثة وعالمة النفس، المصطلحين الآتيين "العقلية الثابتة" و "العقلية المتطورة" ، ووضعت تعريفًا في بحثها لهذين النمطين المختلفين من الأطفال؛ فالأطفال ذوو "العقلية الثابتة" يشعرون بأن الذكاء شيء ثابت لا يمكن تغييره - إنه هبة من الله تستمر إلى الأبد دون تغيير عندما يختص بها أحد الأفراد. ويهتم أصحاب هذا التفكير بنظرة الناس لهم أكثر من اهتمامهم بالتعلم؛ فمن المهم لهم أن يشتهروا بذكأئهم.
ولأنهم ينشغلون بالصورة التي هم عليها، أي اتسامهم بالذكاء، فإنهم يتجنبون التحديات التي قد لا ينجحون فيها حتى لا يبدوا أغبياء؛ فهم يريدون فحسب التحدي الذي يعزز من ذكائهم. ولأنهم أذكياء، فإن الأداء الجيد لا يحتاج إلى جهد، لذلك لا يحتاجون إلى المذاكرة أو الاجتهاد.
إن التحدي الذي يتطلب جهدًا سيتجنبونه بصورة فطرية لحماية ما يعتقدون أنه حقيقة - وهو أن الأذكياء لا يحتاجون لبذل الجهد كي يتعلموا. ونظرًا لأن تصورهم عن الذكاء لا يتضمن وجوب بذل الجهد من أجل تحقيق نتيجة جيدة، فإنهم سيتجنبون التحديات التي لا تأتي بسهولة.
يمثل "باري" إلى قدر بعيد، نموذج الطفل ذي العقلية الثابتة، فهو طالب في الصف العاشر يحصل على الدرجات النهائية في جميع المواد. حتى هذه النقطة كان "باري" يحظى بوقت مُمتع في المدرسة من الناحية الأكاديمية؛ فهو يتباهى بأنه لا يحتاج إلى الكتب بينما لا يزال يحصل على درجات رائعة،
وكان جميع مدرسيه يتفقون على أنه طالب جيد وفتى ذكي، ومن ثم أوصى مستشار المرحلة الثانوية بنقل باري إلى صفوف المتفوقين في جميع المواد. كان باري سعيدا بأن مستشاره لاحظ ذكاءه، لكنه كان قلقا أيضًا من ألا يكون أداؤه على ما يرام، فقرر أن يلتحق بصف واحد فقط في مادة العلوم لأنه دائمًا ما كان يقال له كم هو ماهر في العلوم.
وقد بدأ الصف الجديد بينما لا يزال باري غير قادر على الاستمرار في فكرة عدم القيام بأي عمل أو جهد. كان الأمر أصعب مما توقع، فرفض البقاء في الصف. وتركه دون حتى أن يؤدي الاختبار الأول.
إن طريقة تفكير باري التي تنحصر في أنه ذكي جعلته يخشى تحدي الصف المتقدم؛ فهو سيكون محرجًا للغاية إذا لم يؤد أداء جيدًا، لذلك ترك الصف بدلاً من أن يرتقي إلى تحدي التعلم.
إن نظرة أصحاب العقلية المتطورة - وهو المصطلح الذي استحدثته الطبيبة دويك - تختلف عن نظرة أصحاب العقلية الثابتة. يرى أصحاب العقلية المتطورة أن الذكاء انسيابي؛ حيث يعتقدون أن الذكاء والتعلم يمكن
لهما أن يتطورا من خلال بذل الجهد. فهم لا يهتمون بما إذا كان الناس يرونهم أذكياء أم لا بقدر اهتمامهم بالتعليم الفعلي وما يبذلونه من جهد بشأن ذلك - وهؤلاء لا يخشون كثيرا التحديات بل يميلون إلى تولي المهام الصعبة.
كيف يبدو الطفل ذو العقلية المتطورة؟
دعنا نعد إلى باري، طالب الصف العاشر المتفوق - عندما ينصحه المستشار بالانتقال إلى صفوف المتفوقين في كل المواد، سيوافق على الانتقال إلى كل الصفوف، بدلاً من الخوف من أنه قد لا يبلي حسنًا في المناهج الدراسية الأكثر صعوبة؛ فعقليته المتطورة لن تجعله قلقًا من ألا يحصل دائمًا على الدرجات النهائية ومن ثم لا يراه الآخرون ذكيًا. إن عقليته المتطورة رأت ذلك فرصة لتحسين تعلمه ومهاراته؛ فقد واجه التحدي بحيوية بالغة، متمنيًا أن يطور عضلات عقله لتصل لمستويات أعلى.
النتيجة النهائية هي أن "باري" في هذا السيناريو سيواجه التحدي وسيؤدي أداء أفضل من "باري" الذي ترك صف العلوم للمتفوقين. سيكون دفتر علامات "باري" صاحب العقلية المتطورة، حتى لو انخفضت درجاته قليلاً، أفضل من دفتر علامات "باري" صاحب العقلية الثابتة الذي التحق بصف المتفوقين وتركه. فعندما ينظر الطلاب إلى دفتر علامات "باري" سيكون الإخفاق في استكمال صف المتفوقين أكثر قبحًا من الدرجات المنخفضة قليلاً في هذه الصفوف.
من خلال فهم تلك العقليات المختلفة نستطيع أن نشرح ما يحدث للأطفال الذين يفرط آباؤهم وأمهاتهم في الإطراء عليهم. فالأطفال الذين تتم الإشادة بذكائهم يميلون إلى العقلية الثابتة، بينما يميل الأطفال الذين تتم الإشادة بجهودهم إلى العقلية المتطورة.
إذن ماذا يعني هذا بالنسبة لطفلك في العالم الواقعي؟
بينما يتسلم المعلم أو الوالد جائزة عن ذكائه، يتعلم الطفل أن الذكاء هو الذي سيميزه فحسب. وفي حين أن الطفل قد يستحسن شعور أن ينظر له على أنه طفل ذكي ومؤد جيد، تشير الأبحاث إلى أن هذا الوضع قصير الأجل؛ فالأطفال الذين تتم الإشادة بذكائهم تصبح عقليتهم ثابتة ويعتقدون أن الذكاء والإنجاز الفكري لا يمكن أن يتغيرا. وعندما يواجه هؤلاء الأطفال مشكلة في المدرسة تتطلب مزيدا من الجهد، ولا يرتقون إلى الموقف من خلال العمل بجد، يقل أداؤهم، ومن ثم يفقدون ثقتهم بأنفسهم ويصبحون أكثر نزوعا للاستسلام. إن فكرة أن الثناء يعزز الثقة ثبت أن لها آثارًا عكسية؛ فالأطفال ينسحبون حتى من المهام البسيطة التي أظهروا فيها في السابق أداء جيدا قبل حتى أن يخوضوا التجربة؛ فثقتهم المهزوزة تدخلهم في دوامة. إن الإشادة بهم لها نتيجة عكسية تمامًا؛ فهي تؤدي إلى إصابتهم بالخوف بدلاً من أن تبني ثقتهم بمهاراتهم.
لكن الأطفال الذين يشاد بجهودهم وليس قدراتهم الفكرية أكثر نزوعًا إلى العقلية المتطورة. وهذه العقلية تحفز الرغبة في التعلم؛ إن التعزيز الإيجابي يكون بسبب عملية التعلم وليس بسبب قدرتهم الفطرية أو تحقيقهم نتائج ناجحة. فهؤلاء الأطفال أكثر نزوعا إلى مواجهة التحديات طوعا لأنهم يهتمون بالعمل المعني بمواجهة التحدي أكثر من اهتمامهم بالنظرة إليهم على أنهم أذكياء؛ أي أنهم يميلون إلى معالجة المشكلة أكثر من الهروب منها.
كيف نستطيع الأخذ بتلك المبادئ وتطبيقها؟
إذا بدأ الوالد في اتخاذ خطوات صغيرة، فسيدرك أن إحداث تلك التغييرات الصغيرة ليس صعبًا بل إن له أثرًا كبيرًا.
دعنا ننظر إلى بعض الأمثلة لأطفال من أعمار مختلفة: جيمي طفلة تبلغ من العمر ثلاثة أعوام. وذات يوم أحضرت إلى المنزل لوحة لعائلتها من المدرسة. كانت اللوحة رائعة للغاية؛ حيث رسمت والدتها بالتفاصيل الدقيقة من الذراعين حتى الساقين والعينين والأنف. كما أنها رسمتها بحجم أكبر. كان والدها يجاور والدتها في رسم تخطيطي يظهر ساقيه فحسب، وبجوار والدها كان يقف أشقاؤها في أحجام أصغر وأصغر وأقل تفصيلا. كانت الأم معجبة بفكرة اللوحة التي تعبر حقًا عن أن الصورة بألف كلمة. إن والدة جيمي هي أكبر شيء عاطفي في حياتها، وهذه الفتاة الصغيرة استطاعت أن ترسمها في حجم أكبر وبتفاصيل أكثر. يا له من أمر لا يصدق! فشعرت والدة جيمي بالفخر وصرخت قائلة: "يا إلهي يا جيمي، إنها أكثر الصور التي رأيتها روعة!" أنت رائعة للغاية وموهوبة.
من الصعب انتقاد رد فعل الأم؛ فيبدو أننا جميعا مبرمجون على أن نكون أنانيين ونرى ما نريد رؤيته، وأننا نريد رسم ابتسامة على وجه طفلنا وقتما نستطيع. لكن الأم تجعل جيمي تتبنى العقلية الثابتة. إن قصر نظر والدتها دفعها لأن تقول شيئًا مبالغا فيه لتشعر طفلتها بأنها مميزة، وربما يكون ذلك مجرد إشادة ضمن إشادات كثيرة توجهها لها.
بدلاً من استخدام الثناء الإجمالي العام، من الأجدى أن نستخدم كلمات تشيد بالجهد الذي بذلته في اللوحة التي جلبتها إلى المنزل. لقد بذلتِ يا جيمي الكثير من الجهد خلال رسمك لهذه اللوحة.
أو ربما يعجبني اختيارك للألوان التي استخدمتها في اللوحة، وقدرتك على رسم ماما بتفاصيل دقيقة.
فتلك الكلمات تستهدف مباشرة العمل الذي تم القيام به لرسم اللوحة بدلاً من أن يقال لها أنت موهوبة للغاية ورائعة. إن التعزيز مهم من أجل المتغيرات التي يجب أن تتكرر، مثل العمل بجد في أحد المشاريع أو التفكير في النتيجة النهائية للوحة من خلال اختيار الأقلام الملونة. إن الإشادة بجيمي من أجل العمل والجهد الذي بذلته تعزز تبنيها للعقلية المتطورة، التي من الأرجح أنها ستحقق لها النجاح حين تكبر.
يمكن الإشادة بطالب الصف الخامس الذي يتعلم العزف على البيانو من خلال القول الآتي: أحب سماع عزفك؛ أنت "موزارت الصغير"، وهو ما سيعزز العقلية الثابتة. أو هنا القول: أنت اجتهدت كثيرا اليوم؛ هذا رائع، وهو ما سيعزز العقلية المتطورة.
قد يقال للفتى الذي نحت تمثالاً في صف الفن: أنت مايكل أنجلو الجديد، بدلاً من أن تتم الإشادة بالوقت الذي قضاه بعد المدرسة لإنهاء التمثال.
فعندما تكون النتيجة مخالفة لما يريدها الطالب، على سبيل المثال أن يحصل على درجة منخفضة في مقال استغرق ساعات لكتابته، ينبغي على الوالد أن يستمر في التركيز على تشجيعه من أجل الوقت والجهد الذي بذله في المقال. كل شيء في الحياة يحتاج إلى جهد، لكن ليس كل شيء ينجح. وإذا أشدنا بكل إنجاز، سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا، قائلين: أنت الأعظم! فنحن نتجاهل كيفية إنجاز هذا العمل، وهو الجزء الأهم الذي يستحق التعزيز.
في العالم الواقعي، قد لا يكون من السهل أن نتذكر الإشادة بالجهد المبذول، لأن الآباء والأمهات يحرصون على تعزيز الذات لدى أطفالهم بصورة يومية. وقد يكون من الصعب التخلي عن هذه العادة.
فليس من السهل أن يتخلى الآباء والأمهات عن خوفهم من عدم تعزيز أطفالهم بصورة مستمرة. وربما يقرر بعض الآباء والأمهات أنهم أدرى بالأمر، ومن ثم يتركون مشاعر القلق تتحكم فيهم. إن الخوف عبء كبير من الممكن أن يعوق تطور الأنا لدى الطفل.