اعرف قيمة الحدود في التربية:
ذات مرة كنت مع صديقة ورأيت ولدها ذا الأعوام الأربعة وهو يقفز متسلقاً السور المحيط بحديقة منزلهم الأمامية ويجرى فوقه. قد لا يبدو هذا أمرا سيئاً، بيد أنه على الجانب الآخر من السور كانت هناك منطقة لإيقاف السيارات ذات أرضية من الخرسانة المسلحة، وكان السور يعلو بمقدار خمس عشرة قدماً عنها.
لابد أنني أظهرت فزعي لأنها لاحظت هذا وقالت" "أعلم، لقد أخبرته ألا يفعل ذلك مراراً لكنه يتجاهلني. ما الذي أستطيع فعله؟”. حسناً، لقد كنت عاجزاً عن الكلام ولم أجبها. (بالإضافة إلى أنني لو أجبتها لتجاهلت حديثي).
وأنت تعلم مثلي كذلك إجابة سؤالها، "عليك بقول كلمة” لا” واثبتي عليها". كان هذا مثالا واضحاً لمدى احتياج الأطفال لحدود صارمة - وفي هذا المثال كانت الحدود ضرورية لسلامة هذا الطفل الصغير. وفي الواقع، فإن هذا الطفل مثال على ما يمكن أن يحدث إذا لم تحدد لطفلك حدوداً قاطعة. كان هذا الطفل معروفاً (على مستوى عائلته) باسم "الطفل الشرس" وذلك لجموحه الشديد، وكان دائماً ما يقاوم الحدود المفروضة عليه ويحاول كسرها، وهوما ينجح فيه باستمرار.
هذا الطفل الشرس كان يسيء التصرف بصورة شديدة، وكان له القليل من الأصدقاء، وبالتأكيد كان يظن أن والديه لا يحبانه أو يهتمان به مطلقاً٠ فعلى نأي حال، لو كانا يهتمان لأمره حقاً لما كانا تركاه ليركض على السور الذي يرتفع لخمس عشرة قدماً، أليس كذلك؟ هل كانا سيسمحان له بالتصرف كيفما شاء دون أن يولياه أدنى اهتمام) مهما كان ما يفعله؟
إن العالم مكان مخيف بالنسبة للطفل. كما أنه مخيف للكبار أيضا، وأفضل وسيلة لتأمين الطفل هي وضع مجموعة واضحة من القواعد والإرشادات حتى يعلموا أنهم يتحركون وسط حدود آمنة. وهم دائماً ما يختبرون تلك الحدود، خاصة وهم صغار، وهذا ليس راجعاً إلى أنهم يريدون تغييرها، ولكن لكي يتأكدوا من أن تلك الحدود لم تتغير، ووظيفتك هي أن تحرص على أن تكون هذه القواعد واضحة راسخة، وهكذا تقول "لا” في كل مرة يحاول طفلك فيها تسلق السور، وقد تذهب وتحمله بعيدا عنه بنفسك إذا لم يلتزم بما تقول حتى تنفذ القاعدة.
بهذه الطريقة سيكون لك طفل آمن واثق بنفسه وسعيد ويعلم موضعه من هذا العالم والكيفية التي يتعلم بها منه؛ وذلك لأنه لا يتغير على الدوام، كما أنه سيدرك يقيناً أنك تحبه.
وبالمناسبة، لابد لك ولشريك حياتك الالتزام بتلك القواعد (إذا لم تكن تربى الطفل وحدك بالطبع). فليس من المجدي أن يقوم أحد الوالدين بفرض قواعد بينما لا يهتم الآخر بذلك - فهذا سيتسبب في إرباك الطفل بصورة أكبر. لابد أن تتبادلا لعب دور الشرطي الصارم.
ولا يهم إذا اختلفتما حول الأشياء البسيطة (فربما يسمح الوالد لطفله بالجلوس على حجره أثناء قراءة قصص ما قبل النوم بينما تقرؤها الأم والطفل في فراشه متدثرا بغطائه).
لكن حين يتعلق الأمر بالقواعد المهمة، فلابد أن يتعاون كلاكما من أجل فرض الحدود والقواعد، هذا إن كنتما تريدان أطفالاً سعداء واثقين بأنفسهم.