الأبوة ليست رياضة تنافسية
منذ يومين كنت أتحدث مع إحدى الأمهات عن عادات تناول الطعام الخاصة بأطفالها وأطفالي، وقلت في مجمل حديثي إنه لو وجد أطفالي رقائق البطاطس والبسكويت متاحة أمامهم طوال الوقت لأكلوا (ولذلك لا نحتفظ بهما في المنزل)، فقالت: " آه، كم أنا محظوظة؛ فأطفالي يفضلون أن يأكلوا الخضراوات والفاكهة الطازجة". حسنا، نظراً للطريقة التي التهم بها أطفالها رقائق البسكويت التي أعطيتها لهم، فإني أشك في أن ما قالته لي صحيح، المهم هنا هو أن العبارة التي قيلت تعبر عن عملية التنافس الكلاسيكية التي نعرفها؛ فهدف العبارة هو إظهار أطفالي وإظهاري بصورة سيئة، وبالتالي الرفع من شانها وشأن أطفالها.
وأحد أهم الأحداث التي تشهد تلك المنافسة الأبوية هي استخدام النونية فأنا أعرف آباءً بدأوا يدربون أطفالهم-وعمرهم لا يتجاوز أشهراً معدودة -على استخدامها فقط لكي يتباهوا بذلك، وآخرون يتفاخرون بشأن مدى تقدم أبنائهم في إحدى الرياضات أو عزف الموسيقى أو الاختبارات.
وأسوأ أنواع الآباء المتفاخرين المتنافسين هؤلاء هم الذين لا يفعلون هذا علناً بل يصيغونه في عبارات مستترة. مثل عبارة "كم أنا محظوظة" فأطفالي يفضلون أن يأكلوا الخضراوات والفاكهة على رقائق البطاطس"، وبالطبع ليس من المفترض بك إرجاع تقوق أطفالها هذا للحظ، بل لها هي.
الآباء المتميزون المتبعون لقواعد التربية السليمة مثلنا لا يلعبون مثل تلك الألعاب التنافسية؛ فنحن واثقون من مهاراتنا - ولا نتوتر بشأن أي نقائص تكون فينا - وهكذا لا ننساق مع التيار؛ فالآباء المتنافسون يحظون بعدد قليل للغاية من الأصدقاء (ذوي الأطفال)، و الأدهى من ذلك هو أنهم يضعون أطفالهم دوماً تحت الضغوط؛ فيشعر الأطفال بانهم مجبرون على التصرف بصورة حسنة حتى يستطيع آباؤهم الاستمرار في التباهي بهم.
هؤلاء الأطفال المساكين يعتقدون أن الوسيلة الوحيدة للحصول على تقبل وحب آبائهم هي الاستمرار في التفوق على أقرانهم، وسرعان ما يكبرون ليصيروا مجانين بحمى المنافسة أيضاً. وهو ما يقضي على فرصة احتفاظهم بأي علاقات صداقة جيدة أو حتى أخوة. هناك العديد من الفرص التي يستطيع الأطفال من خلالها أن يتعلموا قيمة المنافسة الصحية؛ لذا فلا حاجة لإثقالهم بذلك النمط من المنافسة غير الصحية.
إن ما يجعل الآباء المتنافسين يتصرفون بهذه الصورة هو إحساسهم الداخلي بعدم الأمان والقلق وعدم الثقة في قدراتهم ومهاراتهم كآباء؛ ولهذا السبب فهم يقومون بإحباطك دوماً حتى يشعروا بأنهم في موضع تفوق؛ فلا تحزن، واشعر نحوهم بالشفقة لا أكثر؛ فهذا وحده كفيل بإثارة حنقهم.