يتعلق بهذا
تبدأ عملية هجرة سمك السلمون المذهلة مع وضع أنثاه البالغة البيض في قعر نهر عصبائی، بعد أن تكون قد أفسحته عشاً صغيراً لبيضها بواسطة ضربات من ذيلها، وتختار هذه الأسماك موقع بيضها في المياه الضحلة، عند مسقط شلالي، حيث تحمل المياه الساقطة بسرعة الأكسيجين المغذي للبيض.
والواقع أن نحو خمس فقط من بين خمسة آلاف بيضة زهرية اللون يبلغ حجمها حجم الخردلة تفقس، وهذه أيضاً تهدها الأسماك الكبيرة المفترسة والتلوث النهري، وبما أن السمكة الأم تموت مباشرة بعد وضعها للبيض، فإن فروخها تولد وفي داخلها اكياس مريضة صفراء تساعد على تغذينها لبضعة شهور .
وعندما تبلغ هذه ما بين السنة والثلاث سنوات من العمر، أي وهي صغيرة نسبياً، فإنها تقطع النهر بأتجاه البحر، وتسافر أحياناً ألاف الأميال لذلك، وعندما تصل مياه المحيط فانها تعيش هناك لمدة لا تقل عن السنة (عموماً من ثلاث إلى أربع سنوات) على الغذاء المؤلف من السمك الصغير.
وعلى سبيل المثال، فإن سمك السلمون الزهري اللون الذي تصدره أنهار كولومبيا البريطانية يسافر شمالاً، بموازاة الساحل الأميركي الشمالي، ومروراً بساحل آلاسكا الجنوبي، ثم يلتف جنوباً، ويقوم برحلة طويلة دائرية يبلغ مداها ألفي ميل، ليعود إلى مجرى النهر الأم.
ولا يكتفي السلمون الزهري بهذه الرحلة الدائرية، فإن سمك السلمون الأحمر قد يقوم بدورتين أو ثلاث من هذا النوع ويقطع حوالي عشرة الاف ميل قبل العودة إلى منشأه. ومع أن بعض أنواع السلمون يختلط بأسماك أخرى أثناء سفره عبر البحار، إلا أنه يعود دائماً عند نضوج خلاياه الجنسية إلى موطنه للإباضة.
ولكن كيف يستطيع سمك السلمون اتجاهه؟ بقول بعض علماء البيولوجيا أن هذا السمك يستدل ببعض الدلائل السماوية، وبالأخص موقع الشمس. ولكن بما أن الأيام التي تكون سماؤها مليئة بالغيوم كثيرة، بالأخص في مناخ شمال غرب المحيط الهاديء وخليج ألاسكا، فإن هذه النظرية تبدو غير محتملة، والآن هنالك من يعتقد أن لكل مجموعة مياه محتواها الكيماوي الخاص وبالتالي رائحتها الخاصة.
ومن هنا فإن سمك السلمون على الأرجح عندما يصل إلى منبع نهره الأم فإنه يشم طريقه إلى مكان ولادته، ولكن هذه النظرية لا تفسر قدرة السلمون على قطع مسافات طويلة، بالأخص وأن بعض التجارب أجريت عليه، نقل خلالها إلى مياه غريبة عنه تماما. وهذا يشعر الدكتور وليام ف. رويس من جامعة واشنطن أن قدرة سمك السلمون على الهجرة هي قدرة متوارثة وليست مكتسبة عبر الذاكرة.
ويشرح أن هذا السمك يميز بين الشحنات الكهربائية الصغيرة التي تولدها المحيطات، وخطط طريقه بالنسبة إلى حفل الأرض المغناطيسي. وبهذا المعنى فإن طريق العودة يكون مطبوعاً في جينات وكروموزوم السمك الذي يتوارثها عبر الأجيال.
ولكن، وبغض النظرعن كيفية اكتشاف سمك السلمون لطريق العودة، فإن رحلته في مياه الأنهر الصاعدة تشكل لغز أخر. إذ أن هذه الأسماك تسافر ليلاً ونهاراً، لترتاح في البحيرات الهادئة.
وأحياناً تضطر إلى ضرب الماء بذيلها القوي لكي تشق طريقها في المياه الصاعدة، وإلى أعلي الشلالات التي قد يبلغ علوها نحو عشرة أقدام أو أكثر، ومهما طالت المدة، ومهما بلغت صعوبة الرحلة، فإن هذا السمك لا يأكل شيئاً في الطريق، ويعتاش فقط على الأكسيجين الموجود في الماء، وتعتبر أطول الرحلات، تلك التي يقوم بها سمك السلمون (من فئة شينوك) عبر نهر ایرکون، حيث يسافر مسافة ألفي ميل لكي يضع بيضه في بحيرة انيممثلين.
ويبدأ من السمك رحلته بسرعة 10 ـ 20 ميلاً في اليوم، ثم يزيد سرعته إلى 50 ـ 60 میلاً. وبعد شهر من السفر المتعب، يصل هذا السمك إلى موطنه، وهناك تضع الأنثى بويضاتها والذكر منيه، ويموت الاثنان مباشرة بعد ذلك.
ومن المحزن أن أعداد السلمون آخذة بالتقلص لا بفعل البعد فقط وإنما بفعل التلوث وبناء السدود التي تحول دون عودته إلى مواطنه. والجدير بالذكر أنه في القرن الثامن عشر كانت أعداد السلمون كبيرة لدرجة أنه كان وقتها غذاء الطبقات الفقيرة في منطقة كونيكتيكت، إلا أنه في العام 1798 قامت شركة "ابرلوكس"، وشركة كنال بناء سد بعلو 16 قدماً عند شلالات "هادلي"، في ماساتشوستس، مما أدي بحلول العام 1810 إلى فقدان هذا الصنف من السمك، حتى أن الصيادين هناك صاروا يجهلون شكل سمكة السلمون، والأمر نفسه ينطبق على سد غراند كولي، على نهر كولومبيا في العام 1930. ويفرض القانون اضافة ما يشبه السلم أو الدرج على أي سد للحفاظ على هجرة أسماك السلمون.