كيف تُجلي المنظفات الدهن؟

تعمل مساحيق التنظيف وفق مبدأ معروف، وهو أن جزيئات الماء تشد. ازر بعضها. وتعتبر هذه المساحيق، مثلها مثل الصابون العادي، خافضاً للتوتر السطحي للسوائل. وتدفع الماء بجزيئات هذه المساحيق بين سطح القماش المتسخ وبين الألياف النسيجية، وذلك من أجل تحرير جزيئات المادة الوسخة، ومنعها من الالتصاق بالقماش مرة أخر. وبعكس الصابون العادي، فإن المساحيق التنظيمية تعمل في المياه المعدنية الثقيلة كما في المياه الخفيفة، إلا أن قدرتها الأساسية على التنظيف واحدة.

ويعتبر تماسك جزيئات الماء العامل الأساسي وراء قوة المساحيق، والسبب وراء هذا التماسك هو ثنائية قطب هذه الجزيئات، بمعنى أن كلا منها يتضمن شحنة سالبة وأخرى موجبة وتبدو جزيئة الماء (H2O) على شكل مثلث، تحمل ذرة أكسيجين في إحدى زواياها وذرتي هيدروجين في الزاويتين المتبقيين، ومحوط بذرة الأكسجين في قمة المثلث حقل كهربائي سالب فيما يحوط بذرتي الهيدروجين، عند قاعدتي المثلث، محقل كهربائي موجباً. وككل فإن جزيئة الماء تعتبر محايدة كهربائياً طالما أن عند شاراتها الموجبة والسالبة متساو. إلا أن بعد قسمي الجريئة، السالب والموجب، عن بعضها يؤثر على مسلك الماء.

وطالما أن الشارات المتماثلة تتدافع عن بعضها، والشارات المتعاكسة تتجانب، فإن هذه الخاصية بالذات تجعل جزيئات الماء متماسكة مع بعضها. وهذا في الواقع ما يجعل من الماء عنصراً منظفاً فعالاً بدون مساحيق التنظيف، وفعالاً جداً بوجوده.

ومن المعلوم أن عنصر الماء بحد ذاته لا يكفي دليل المواد الأخرى كلياً بل أنه يختر نفسه على شكل بقع مائية أو نقاط صغيرة غير كافية للانتشار على مساحة الياف القماش بكاملها. أما بوجود جزيئات مسحوق الغسيل، فإن ذلك يخفف من تماسك الماء عند مستوى السطح، مما يسمح له بالتغلغل داخل القماش بشكل أكبر، ويعزل الأوساخ عنه.

والذي يحصل أنه حالما تمتزج جزيئة المسحوق (صودیوم الكيلبنز ينسلفونات) بالماء، تسقط ذرة صودیوم، فيها يظل أحد الكترونات الصوديوم متعلقة بالجزيئة. ولهذا فإن الصوديوم يتحول إلى كاتيون، أو إلى أيون موجب الشحنة، لأنه فقد الكتروناً واحداً (سالب). وبما أن الجزء الأكبر المتبقي من الجزيئة يحتفظ بالالكترون الإضافي، فإنه يتحول إلى عنصر سالب الشحنة، أو انيون. وبالنتيجة فإن جزيئة الصوديوم الكيليز بنيسلفونات هي عبارة عن أنيون خافض للتوتر السطحي للسوائل، بمعنى أن هذا الأنيون هو الذي يقوم بعملية التنظيف.

ويتألف الأنيون من جزأين، "الرأس" و "الذنب"، وكلاهما يعمل لإزالة جزيئات الدهون عن القماش، ويعتبر الرأس، المؤلف من الكبريت والأكسيجين، عنصراً منجذباً للماء، لأن ترتيب شحناته الكهربائية يتكامل مع النمط المخالف الموجود في مجموعة جزيئات الماء.

وهذا ينطبق في الواقع على الطريقة التي تتماسك فيها جزيئات الماء. إلا أن «الذنب»، وهو عبارة عن سلسلة طويلة من الكربون وذرات الهيدروجين، لا يحمل أية علاقة انجذاب مع الماء، ولذلك فهو يسمى بـ "رهاب الماء".

وحالما تسقط أيونات الصوديوم، فإن باقي الأيونات تنتشر بسرعة عبر المحلول، نظراً إلى تقاربها مع الماء. وفي الوقت نفسه، فإن جزيئات الماء التي بللتها الأيونات ودعمتها، تحاول باستمرار التجمع مع بعضها والتماسك مجدداً؛ وذلك لأن ارتباطها ببعضها يعد أكبر من ارتباطها برؤوس الأنيونات. وحالما تعود جزيئات الماء إلى التماسك مجدداً مع بعضها، فإنها تدفع بالأيونات إلى الخارج، باتجاه سطح الماء، حيث الهواء، وكذلك إلى داخل الثياب الموضوعة في الغسالة.

وفي ذلك الوقت تكون رؤوس الأيونات المحبة للماء تحاول جاهلة العودة إلى الماء بفعل الانجذاب الكهربائي. وتكون ردة الفعل في الماء ينشر قطرات البلل على مساحة أكبر من القماش، لتغوص في الألبان، يؤدي هذا الضغط من قبل الأنيونات إلى إجبار الماء على الانتشار فوق مساحة أكبر من القماش، تماماً مثل ضغط البالون الهوائي فوق سطح طاولة بحيث يتلامس جزء أكبر من هذا البالون بفعل الضغط مع مساحة أكبر من سطح الطاولة.

لكن الماء يحاول جاهداً تجميع جزيئاته وإجبار الأنيونات على الاندفاع خارجه. والأهم من ذلك أن الماء يدفع بهذه الذرات ("الذنب" أولاً) بداخل الشقوق الواقعة بين الأوساخ وألياف القماش، وبنتيجة الضغط فإن الأنيونات تحرر الأوساخ وتحيط بها وتحملها إلى سطح الماء عندما لا يعود بامكان جزيئات الأوساخ التعلق مجدداً بالألياف بسبب وجود الأنيونات كالغطاء فوق كل الأسطح، ويسبب الشحنة السالبة التي تحملها، وهذه الطريقة تبقى الأوساخ معلقة عند سطح الماء حتى شطفه خارج الغسالة.

ويكمن الاختلاف الأساسي بين الصابون ومساحيق الغسيل، في أن المساحيق تحتوي على عناصر إضافية (غالباً ما تكون الفوسفات) تمتص كهربائياً المعادن كأيونات الكالسيوم من ماء الغسيل.

وبما أن أيونات الكالسيوم موجبة فإن بإمكانها التجاذب مع أنيونات المسحوق السالبة، مما يجعلها فعالة في التنظيف وبزيادة أنيونات الفوسفات إلى الماء، فإن بالإمكان إبعاد کاتیونات الكالسيوم، فيما تعمل جزيئات المسحوق على تنظيف الثياب.