كيف تُبني ناطحات السحاب بشكل عامودي تماماً؟
في المرة القادمة، عندما تكون بقرب ناطحة سحاب، قف على قاعدة البناء وانظر إلى الأعلى نحو زاوية معينة. قد تستغرب حينها رؤية هذا البناء وكأنه ليس عامودياً تماماً، أو كأنه يتم في بعض الأماكن منه. وقد يكون من المكلف سر زمنياً ومادياً ـ لمهندس البناء وعماله الصعود به وفق منحي عامودي تام؛ ثم أنه ليس ضرورياً جداً، فمواد البناء القوية التي تستعمل في ناطحات السحاب هذه تملك بعض المرونة.
ولذلك فأن ناطحات السحاب، وسط یوم عاصف قد تتمايل بعض الأنشات من دون التفسخ أو التضرر. وقد يكون الخطأ البشري في حسابات البناء هو السبب في عدم الدقة هذه، إلا أن مثل هذا الخطأ لا يؤدي إلى عواقب وخيمة. ورغم ذلك فإن محاذير شده تُأخذ بعين الاعتبار عند البناء لجعل ناطحة السحاب عمودية ما أمكن.
ويتألف أبسط الأبنية من أربعة دعائم، أو أعمدة، واحد في كل زاوية، وترتفع هذه الدعائم فوق قواعد مسطحة مثبتة بالأسمنت السمين تحتها. وتكون الخطوة الأولى للتأكد من ارتفاع المبني بشكل عامودي، بقياس علو القواعد الأربعة للتأكد من تساويها، ويشيد عمال البناء الدعائم وفق وصلة أرتفاع، تبلغ مستوى طابقين؛ ومعنى ذلك أن الدعائم تمتد لعلو الطابق الثاني من البناء، وفيها يتم تثبيت الدعائم بواسطة كابلات معدنية تسمى "حبال التثبيت"، يقوم العمال بمد الدعائم الأفقية أو العوارض، التي يرتفع عليها الطابقين الأول والثاني وفي هذه اللحظة بالذات، يبدأ البناؤون بالتدقيق ما إذا كان البناء عامودياً أم لا. ويتم ذلك من خلاله وقوف عاملي بناء فوق العارضة الثانية، بحيث يحمل أحدهما عصا القياس، والآخر أداة القيام.
وتشتمل عصا القياس، زيادة على ترقيمها بمقاييس تصل إلى 100/1 من القدم على هدف معدني متحرك بالإمكان تثبيته عند أي مستوی مرغوب به، ويقوم عامل القيام بالنظر من خلال المنظار المكبر باتجاه حامل عصا القياس، الذي يتنقل بدوره بين زوايا البناء الأربع. وبهذه الطريقة يتأكد فريق البناء من تماثل علو الدعائم في جميع زوايا المبني.
أما الخطوة التالية فهي بديهية وأساسية، قد لا تخطر على بال أحد في هذا الزمن المتطور تقنياً. وهذه الخطوة تتمثل في إدلاء فريق البناء بفادن (وهو عبارة عن ثقل مربوط بحبل) من الطابق الثاني للبناء باتجاه الأرض. وطالما أن الجاذبية الأرضية تسحب خيط الفادن وفق خط مستقيم، فليس على فريق البناء إلا قياس المسافة بين المبني والخيط من الأعلى والأسفل. وهناك وسيلة بديلة عن ذلك تتمثل في استعمال ما يسمی بـ "اداة تلسكوب العبور"، وتعتبر هذه الأداة أساسية في أية عملية مسحية، طالما أنه يمكن استعمالها لقياس الزوايا الأفقية بالدقة المطلوبة وكذلك الزوايا العامودية بمقدار خطأ يتراوح بين ـ 10 و + 10 ثوان في القوس الواحد؛ وأيضاً يمكن لهذه الأداة قيام الاختلاف في الارتفاعات والمسافات، ويقف عامل القياس على الأرض على مسافة معينة من البناء، ثم توجه الأداة نحو نقطة معينة، تنقل ثلاثة إنشاً خارج الدعامة عند مستوى القاعدة، وثلاثة إنشاً عند الطابق الثاني.
فإذا ما كانت هاتان النقطتان متساويتين فإن ذلك يعني أن البناء عامودي؛ أما في الحالة المعاكسة فإن مهندسي البناء سيضطرون إلى تصحيح مسافات الكابلات المعدنية الثقيلة التي تدعم العوارض، وما أن الأحزمة التي تربط أطراف المبنى ليست مشدودة عند هذا الحد، فبالإمكان تعديلها حسب الطلب لتأتي بالنتيجة المرجوة، وطبعاً، فإن على عمال البناء أن يكرروا هذه العملية كلما ارتفع البناء طابقين إضافيين.
وعلى الرغم من أن جاذبية الأرض تساعد على بناء ناطحات السحاب عامودياً، إلا أن تكوير شكل الأرض يأتي بنتائج مدهشة في هذا المجال والواقع أن هذا العامل لا يؤثر إلا في الأبنية الشديدة العلو أو العرض، ولذلك أهمله مهندسو البناء، لظنهم أن تصميم الأبنية الصغيرة يمكن تطبيقه على الأبنية الكبيرة، ولكن، فلتتصور بعض الخطوط الوهمية الممتدة حتى مركز الأرض ومصدرها دعائم بناء شاهق العلو، أو بناء يشغل مساحة كبيرة، بحيث تشكل هذه الدعائم زاوية 90 درجة مع خط وهمي ملامس للأرض عند نقطة الاتصال. وفي كل الأحوال فإن هذه الخطوط المتوجهة نحو مركز الأرض لابد وأن تلتقي عند هذه النقطة ويعني ذلك أنه على الرغم من استقامة هذه الخطوط فإنها ليست متوازية أبدًا .