يتعلق بهذا
كيف تُعلّق الجسور المعلقة؟
رغم أن الجسور المعلقة الحديثة التي تراها اليوم تبهر العين لما تمثله من تقنية متقنة، إلا ان شكلها الهندسي في الواقع لم يتغير منذ القدم وحتى اليوم. وإذا كان هناك من اختلاف. فهو أن الجسور القديمة كانت تعتمد على حبال الكرمة لتثبيتها في الهواء. ويذكر التاريخ أنه فيه القرن الرابع بعد المسيح، كانت الجسور المعلقة في الهند، تعتمد على حبال الخيزران والحديد.
أما أول الجسور الحديثة، فكان ذلك الذي بناه المهندس الأميركي الألماني الأصل، جون أوغسط رو بلتستر، في منتصف القرن التاسع عشر. وتعتمد الجسور التي بناها هذا المهندس والتي ما زالت مشيدة حتى اليوم، على الأبراج التي تدعم الكابلات الضخمة، وعلى الموسير التي تثبت الطريق المدني من الكابلات، إضافة إلى الدعامات القاسية على جانبي الطريق، والتي شهد من اهتزاز الجسر.
ويعتبر أكبر نجاحات رویلن، سر الذي يعبر شلالات نياغارا، والذي تدعمه أربعة كابلات معلقة. إلا أن إنجازات تلك المهندس لم تكن لتقف عند ذلك الحد إذ أنه سرعان ما أخذ على عاتقه مهمة بناء جسر آخر، هو جسر بروكلين، الذي يصل لونغ يلاند بوسط مانهاتن التجاري، أي ما يعادل مسافة 1600 قدم عبر النهر الشرقي، وفي العام 1867 خطوات لروبلنغ فكرة ثورية تعتمد على استعمال الكابلات الفولاذية بدلاً من الكابلات الحديدية.
وعلى هذا الأساس فقد أضاف هذا المهندس ست دعامات إضافية على طول سطح الجسر من أجل تثبيته، ولم يغفل ررلنغ الناحية الجمالية للجسر، والتي تمثلت بالدعامات الجميلة وطريق المشاة. ورغم أن رویلنغ توفي في العام 1869 بحادثة مأساوية، إلا أن ابنه: واشنطن أغسطس روبليغ، تولى مهمة إكمال بناء الجسر، الذي أنجز في العام 1883.
وبغرض حفر أساسات الجسر وغرس أبراجه فيها، فقد استخدم رویشنغ خزانة من الهواء المضغوط تحت الماء، وهي وسيلة كانت ما تزال قيد الاختبار في أيامه. وتكون هذه الخزانة على شكل صندوق ضخم أو على شكل أسطوانة فخمة ويستخدم اسفلها للحفر، وأعلاها لتأمين الهواء المضغوط، ومنع الأترية وماء النهر من دخولها، وإضافة إلى ذلك، فإن تلك الخزانة تشمل غرفة محكمة الاغلاق ومضغوطة الهواء في الناحية السفلى منها، حيث يعمل البناؤون على حفر ارضية لنهر.
أما الوحل والركام الناتج عن عملية الحفر، فيتم رفعه إلى الجزء العلوي عبر منفذ محكم الاغلاق هو الأخر، ومن ثم انزال الأسمنت، وحتى اليوم، ما تزال هذه الخزانة المضغوطة الهواء قيد الاستعمال، إلا أنها صارت تصنع من الأسمنت المسلح؛ فيما كانت في الماضي تصنع من خشب الصنوبر المطلي من الداخل، والمغلف بالقصدير من الخارج. واضافة إلى ذلك، فإن أحداً في القرن التاسع لم يكن يدرك ضرورة معادلة ضغط الجو ببطء بعد انتهاء العمل في غرفة الحفر؛ ولذلك فإن مئات العمل، ومن بينهم رويلنغ نفسه، كانوا يعانون من الإجهاد الناتج عن الضغط. واليوم، هناك قانون خاص ينظم فترة العمل في غرفة الضغط وفترة معادلة الضغط الموازية.
هذا وقد تعرضت خزانتا الهواء المضغوط اللتان صممها روبلنغ لحوادث شتى أثناء فترة العمل تتوزع بين الفيضانات، والحرائق، والانفجارات، كلما غاصت الخزانتان في أرض النهر تدريجياً. ومع ذلك فإن البنائين، الذين كانوا يعملون بمعدل ثلاث نوبات وثماني ساعات للنوبة الواحدة، تمكنوا من إنجاز العمل في عامين.
وقد استلزم بناء الجسر جهود 360 عاملاً، توزعت مهامهم بين إزالة الوحل، وتفجير العوائق الصلبة، ونزع الصخور الصوانية، كل ذلك عبر ضوء الفوانيس الغازية ولمبات الكالسيوم.
أما مهمة تعليق الكابلات فقد استلزمت 26 شهراً إضافياً. إذ ما أن انتهى العمل على بناء الأبراج البالغ طولها 271.5 قدماً، ثم نقل أول كابلات الوصل إلى الضفة الأخرى من النهر عن طريق القوارب المسطحة، ثم رفعها إلى مكانتها بين البرجين. وبعد ذلك جيء بحبل آخر ثم لفه حول الأول ليشكل جديلة واحدة.
وقد استخدمت لهذا الغرض دواليب موجهة معلقة بمراس. (وتكون هذه المراسي إما مصنوعة من مواد بناء، أو من الأسمنت، أو الصخر). أما الخطوة التالية فتمثل بأستقدام كابلات جديدة ووصلها بذراع خشبية عند أسفل الجسر تساعد على ترتيب الكابلات. أما الكابلات الفولاذية فقد وضعت عند طرف الجسر الأول في بروكلين ومن ثم تم ربط هذه الكابلات، وبحلقة متنقلة مربوطة إلى حبل متنقل. وعلى هذا فقد كانت كل رحلة ناقلة تسافرها هذه الحلقة من طرف الجسر إلى الطرف الأخر، تنقل كابلين في وقت واحد.
أما من ناحية الجسر الأخر، أي ناحية نيويورك، فقد كانت الكابلات تربط إلى أداة تشبه الحذاء، وتسمى كذلك في الواقع. بعد ذلك تعود الحلقة الناقلة فارغة إلى الطرف الأخر، قبل أن تقوم برحلة إضافية. وفي النهاية فقد أستوعب الجسر ما يقاربه إلى 286 كابلاً، ثم لفها على بعضها فيما يشبه الجدائل؛ فكانت تستوعب كل جديلة منها أربعة كابلات دفعة واحدة.
ورغم أن الطرق المستعملة اليوم تعتبر أسرع من الطريقة الموصوفة هنا وأكثر فعالية، إلا أنها لا تختلف تماماً عن تلك التي اتبعها رویلنغ. إذ أن أساسات أبراج الجسر والدعامات ما زالت تحفر تحت الماء عن طريق الخزائن المضغوطة الهواء، أو عن طريق السدود المحكمة وهي عبارة عن حوائط تعزل منطقة الحفر، بحسب طبيعة الأخدود المائي. وبعد ذلك يتم تشييد الأقسام العلوية من الأبراج، إضافة إلى الدعامات البالغ سماكتها حوالي الخمسة انشات، والمربوطة إلى أوتاد قابلة للشد والمط عند أسفل الأبراج.
أما الخطوة التالية فتمثل بإقامة منصات فولاذية مجهزة بالرافعات فيما بين البرجين. ثم يؤتي بكابلات ملفوفة على بعضها يبلغ طول الواحد منها نحو الثلاثين ميلاً، ويتم نقلها عبر بكرات ضخمة من طرف الجسر الأول إلى الطرف الآخر، ولكی يساعد العمال في هذه العملية، فإن ممراً ضيقاً ذي أضلاع خشبية يشيد مؤقتاً. وأخيراً، وبعد توصيل الكابلات بشكل نهائي، يتم طلاؤها بمادة غير قابلة للصدأ.
أما عملية بناء سطح الجسر، أو ممره، فهي تتم تدريجياً إنطلاقاً من طرفي النهر. وطالما أن هناك إحتمالات للخطأ فإن دعامات الجسر لا تضاف إلا عند انتهاء العمل. وطوال هذه الفترة فإن الجسر يكون عرضة لقوة الرياح.
ويصل طول جسر فرانزوـ ناروز، الذي يربط بين ستاتن أيلاند وبروكلين ـ نیویورك، إلى 4260 قدماً، وهي المسافة الأطول في العالم. فيما يمتد جسر غولدن غيت الرائع التصميم على طول 8981 قدماً، و420 قدماً بين البرجين.
أما الجسر الأكثر صلابة فهو جسر جورج واشنطن في نيويورك، وهو الذي صممه ب.هـ امان، في العام 1931، ويتألف كل من الكابلات الأصلية الأربعة التي ترفعه، والبالغة سماكتها بارداً واحداً، من 26.474 سلكاً حديدياً، مما يمنع الجسر قوة تبلغ 5080 باونداً بالقدم الواحدة، هذا وقد تمت إضافة خط سير آخر على الجسر في العام 1962، مما يعني أن الجسر يحوي اليوم نحو 14 خط سير.