بعد انفجار الكون، لم تكن الأرض سوى إحدى الشظايا التي تأتت عن الانفجار الهائل قبل 20 بليون سنة، والذي خرجت عنه طاقات حرارية هائلة بلغت حدود عدة تريليونات درجة، مسجلة بذلك بداية الكون. ومنذ الانفجار الكبير. 

ومن نقطة ارتكاز على سطح الأرض، تبدو النجوم وكأنها ثابتة لا تتحرك، وبالفعل فإن مراكز النجوم تبدو لنا وكأنها أكثر المظاهر الكونية ثبات على الإطلاق، ويصف قيصر نفسه في مسرحية شكسبير يوليوس قيصر على انه مثال رجل الدولة الحق والثابت الواقف:

ولأنني ثابت كثبات النجم القطبي

الذي بثباته الحقيقي وخاصة الهامدة

لا مثيل له في كل السماء الزرقاء

ولكان صدم قيصر لو علم أن النجم القطبي، الذي يتكلم عنه، يسير باتجاهنا على الفضاء بسرعة عشرة أميال بالثانية.

إلا أن العلماء يطمئنوننا بأن كوكبنا والنجم القطبي ليس على مسار تصادمي. وبشكل عام، فإن النجوم كافة تسير مبتعدة عن بعضها، وبخاصة تلك الموجودة في مجرتنا، وهذا ما يعنيه علماء الفلك حين يؤكدون لنا أننا جميعاً على مسار ابتعادي عن نقطة الانفجار الكبير ومفتاح اللغز هنا هو أن موجات الضوء التي تصلنا من النجوم البعيدة عنا نسبياً تمثل نقلة حمراء، ولفهم ذلك، علينا أولاً معرفة حقيقة هذه الموجات.

فعندما تسير عربة الإطفاء باتجاهك وهي تزعق بصفارتها، فإن ذروة طبقة الصوت بالنسبة لك تبدو في تزايد. وحالماً تمر العربة بقربك وتسير مبتعدة عنك، يبدو لك وكأن هذه الذروة هي في تناقص، والصوت، مثله مثل الضوء، هو عبارة عن حرارة تسافر على شكل موجات والصوت ايضاً يتألف من موجات ضاغطة في الهواء، تصطدم بطبلات أذاننا في تتابع مريع ويحدث شكل سفارة الإطفاء محطة من الموجات عن طريق الارتجاج والتذبذب، وإطلاق نبضات من الهواء الكثيفة الضغوط كل مرة يدفع فيها الصوت إلى الخارج، تتبعها مساحة من الهواء الأقل ضغطاً كل مرة يتم فيها الصوت إلى الداخل.

وبذلك تكون الموجة هي عبارة عن نمط من الضغط يتم ارساله عبر الهواء ليشكل دورة كاملة للصوت الخارج والداخل. ويسمى عدد النبضات بالثانية الواحدة بارتداد الصوت، بما معناه أنه كل تمکنت أذناً من التقاط عدد أكبر من الموجات بالثانية الواحدة، كلما ارتفع ارتداد الصوت الذي نسمعه.

وعلى هذا فإنه كلما اقتربت منا عربة الاطفاء "مرسلة" مئات الموجات الصوتية بالثانية، كلما لحقت إحدى الموجات بواحدة أخرى بسرعة أكبر، ثم تليها الأخرى التي تأتينا من مصدر أقرب. وهكذا تصطدم كل نبضة بآذاننا بوقت أقصر بين النبضة والأخرى، مما يعني أن أرتداد موجات الصوت يزداد، وأن الصوت يتعالى.

ولما تبدأ العربة بالابتعاد عنا، تتسع المسافة بين النبضة والأخرى، طالما ان الصفارة تطلق النبضة على مسافة متباعدة من الأخرى. وبهذا يتناقص عدد النبضات التي تلتقطها اذاننا بالثانية الواحدة، مما يعني أن ذروة الصوت آخذة بالتناقص.

ويعتبر الضوء شكلاً آخر من أشكال الموجات الحرارية، وله هو أيضاً موجات ارتدادية مختلفة. ويعكس الصوت الذي يستلزمه وسيط (كالهواء أو الماء) للتنقل، فإن الضوء يسافر في فراغ الفضاء.

ويخلق أحد رواد الفضاء ضوء النجوم متوسلاً لذلك موشور متصل بتیلیسکوب فضائي، ويعمل الموشور على نشر نقطة الضوء والبيضاء، المتأتية عن نجمة واحدة، والعاملة عدة موجات ارتدادية، إلى مجموعة من الاطياف الملونة، يكون فيها الضوء مرتباً بحسب الموجات الارتدادية من الشمال إلى اليمين.

وتتمركز الموجات الارتدادية العالية، والتي تميل إلى اللون الأزرق والبنفسجي، إلى شمال المجموعة، فيما يبهت اللون الأزرق ويتحول إلى الأخضر، والأصفر، والبرتقالي، وأخيراً الأمر كلياً انخفضت الموجات باتجاه اليمين.

وعندما يتم أحراق أي عنصر، إن في الفضاء أو على الأرض، فإنه يعطي موجة ارتدادية معينة، أو مجموعة موجات من الطاقة الضوئية. فإذا ما تعرض هذا الضوء لفعل موشور، فبالإمكان عندها ملاحظة "خاصية" هذا العنصر من خلال نمط الخطوط الناتجة عن عصبة الموجة الملونة الخارجة من الموشور، وعلى سبيل المثال، فإن النمط الخاص بعنصر الكالسيوم، الذي تراه يحترق على القشرة الخارجية الملتهبة لعدة نجوم، يكون على شكل خطين داكنين بالقرب من منطقة الموجات الارتدادية العالية، وخطوط زرقاء عند نهاية الطيف، ومن خلال مراقبة هذه الخاصية، يمكن لنا أن نتنبأ بمسار النجوم: فإذا ما كان أحدها يبتعد عنا مثلاً، فإن موجات الضوء التي تتلقاها منه تكون ضعيفة الارتداد أو التواتر، تماماً مثل صوت صفارة عربية الاطفاء المنخفض تدريجياً كلما سارت العربة مبتعدة عنا.

ومع إننا نظل نشاهد خط الكالسيوم على تنا الطيفية، إلا أن موقعها يختلف تدريجياً. فها يتنقلان باتجاه اليمين، أي باتجاه اللون، وباتجاه الطرف الضعيف التواتر من الموشور.

وكلها توسعت هذه النقلة باتجاه اللون احمر، كلما أبتعد عنا النجم أو المجرة. وهذه الطريقة التحليلية لضوء النجوم يتوصل الفلك إلى رسم خريطة حركات النجوم ومجراتها.

ويمكن استخلاص نتيجة أساسية من هذه الخريطة الكونية، وهي أن كل بقية النجوم والمجرات، ما عدا تلك القريبة منا نسبياً تبتعد عنا بمئات أو حتى الأف الأميال بالثانية الواحدة. وكلما كانت هذه النجوم بعيدة عنا كلما ازدادت سرعة ابتعادها.

ويشبه هذا النمط تطاير الشظايا الناتجة عن انفجار ما، ومن المحتمل جداً أن يستمر الكون بأتساعه إلى ما لا نهاية، طالما تستمر النجوم بالابتعاد عن بعضها، وبذلك لا يكون هناك أي حد لحجم الكون.

ومع ذلك، يظل هناك احتمال آخر، رغم أنه لا يرجع عموماً. ويفيد هذا الاستعال أنه بعد مرور حوالي 60 ـ 100 بليون سنة ستعمل قوة الجذب بتخفيف سرعة أتساع الكون، وبذلك ينعكس اتجاه النجوم، التي تمضي باتجاه بعضها، منذرة بانفجار كبير أخر عند الالتحام.

إلا أن هذا الاحتمال يبقى مستبعداً، على الأقل في الوقت الحالي، طالما أنه يستلزم الكون عشرة أضعاف كمية المادة الموجودة فيه حالياً، لتشكل قوة جذب كافية لإيقاف مسيرة الكون الإتساعية.

وعلى كل حال، فإن 100 بليون سنة بالنسبة لنا هي مسألة لا تشغل البال. فالحياة على الأرض عمرها أربعة بلايين سنة؛ وعمر الإنسان مليون سنة تقريباً.

كما أنه بعد ستة بلايين من الآن سوف تكبر شمسنا وتتضخم لتصبح أشبه بكرة عملاقة حمراء اللهب، وستحرق كل نظامنا الشمسي وتحوله إلى رماد، وحتى ذلك الحين، كون أحفادنا ـ هذا اللهم إذا بقي أحد منهم ـ قد انتقلوا للعيش في نظام شمسي آخر. !