كيف تُمزج النكهات المصطنعة بحيث تتشابه مع النكهات الأصلية؟
بداية، يجب القول إنّ صياغة السؤال تخضع للمناقشة، إذ أنَّ للموز اليانع مثلاً، على سبيل المثال، أكثر من 150 عنصراً للنكهة؛ ولذلك، فمن غير المحتمل أن تتشابه نكهة الموز المقلدة مع الأصلية، وإضافة إلى ذلك، فإن المستهلك اعتاد على النكهات الرخيصة التي يتذوقها حالياً ومسابقاً لدرجة أنه نسي طعم الأصلية منها، لا بل صار بفضلها على النكهة الأم.
ويقول أحد خبراء النكهة الكيماوية لدى شركة فريتز، دودج وألكوت بهذا الخصوص أن شركته تحولت عن اعتماد النكهة الأصلية، وذلك لأنها ما عادت شعبية مثلما كانت في الماضي، .... ويشير موظف أخر لدي أحد مصانع النكهة إلى أنه لو فكر بتقليد نكهة (الخبز)، لاختار نكهة خبز (ندر) بدل الخبز المنزلي العادي!
وتنقسم عناصر النكهة الصناعية إلى قسمين، فهي إما تقليدية (أي مزيج بين العناصر الطبيعية والمصنعة) أو مصطنعة (اي كيماوية بحتة)، وفي كلا الحالتين، فإن عملية التصنيع تبدأ بعزم أحد خبراء الكيمياء على عزل عناصر النكهات الأساسية.
ولذلك الغرض، فهو يفصل بين عناصر الأغذية الطبيعية، ثم يكشف الروائح المميزة بأساليب معقدة جداً. فمثلاً، يمكن من خلال أسلوب التحليل الكروماتوغرافي وتحليل اللون کشف عناصر عصير الفريز، ويتم ذلك من خلال اعطاء هذا العصير الفرصة لكي تمتصه، مادة متشربة، بحيث تتوزع عناصره على طبقات مختلفة.
وحالما يتم عزل هذه العناصر، يصبح بالإمكان تحليل هذا العصير بواسطة مقياس الطيف، وتتم عبر هذا الجهاز مهمة لف المادة ضمن حقل مغناطيسية وتسليط سيل من الإلكترونات عليها. ويؤدي ذلك إلى تجزئة العنصر ضمن حقل المغناطيس، بحيث يتمكن الخبير الكيماوي من مراقبة نمط التجزؤ الخاص، وحالما ينجح الخبير باكتشاف المؤلف الكيماوي لذلك العنصر، ينتقل من ذلك إلى تجميع الأجزاء اصطناعياً.
إلا أن بعض العناصر يتألف من مركبات كيماوية أيسومرية أو متجازئة، أي من جزئیات متشابهة رغم اختلاف مواقع ذراتها. وقد تتجمع هذا الذرات على بعضها بأشكال مختلفة (ملتوية على سبيل المثال) إلا أن كل شكل من هذه الأشكال له إثره المميز على النكهة. (وقد يكون لأحدها نكهة دسمة مثلاً، فيها الأخرى نكهة حامضة، إلى آخره...)، ولهذا فإن من الضروري تفريق هذه الذرات عن بعضها، وهذا يتم عبر أداة نووية مغناطيسية موحدة للأصداء.
وبهذه الوسيلة يتم برم الجزئيات ضمن حقل مغناطيسي، قبل إبعادها عن بعضها، واستخدام التموجات الصوتية من أجل تعريف الطاقات الاهتزازية الصادرة عن هذه الجزئيات. وتنقل التموجات الصوتية من ثم هذه المعلومات المستعملة الي داخل مرسمة للذبذبات، التي تتولى رسم النمط المستحدث. وتنتقل المهمة للخبراء من أجل تحديد شكل الجزئيات الحقيقي.
وعن طريق هذه التقنية، وتقنيات أخرى، يتمكن الخبراء من تحليل النكهات الطبيعية لمختلف الأغذية، وقد يكون عدد العناصر التي تؤلف الغذاء قيد الدرس ضخماً جداً.
وعلى سبيل المثال، فقد كشفت المؤسسة الدولية للنكهات والروائحIFF"" أن الفريز يتكون من 125 عنصراً، وفي الوقت الذي تكون فيه بعض العناصر بديهية، تكون أخرى صعبة الاكتشاف لدرجة لا تصدق. وأضافة إلى ذلك يؤكد إخصائيو النكهة أنه عند اكتشاف المعادلة الكيماوية الدقيقة لغذاء ما قيد الدرس، تصبح عملية إيجاد النكهات الصناعية سهلة جداً.
ويصر شارلز هـ. غريم، وهو نائب رئيس المؤسسة الدولية، على أن عملية المطابقة للنكهات هي فن بحد ذاته. وكما هو الحال بالنسبة لدراسة الخمور والأطعمة الغالية الثمن، فإن عملية تثمين النكهات الصناعية تتم بواسطة الحواس، أي بالمقارنة الأولية والشمية، ويعمل أحد الذواقين على سبيل المثال إلى شم وذوق عصير فريز طبيعي ثم مقارنة نكهته بعشرين او ثلاثين وربما ستين عنصر تم مزجها بحسب أكتشافات اخصائيين البحث الكيماوي.
وهناك الآف المركبات الصناعية للنكهة، والتي يستخدمها الأخصائيون من اجل ترکیب الأطعمة المعقدة. ومن بين هذه المركبات نذكر الأملاح العضوية، والكحوليات، واللاكتوز (سكر اللبن)، والكيتون (مركب عضوي)، والفينول (حامض الكربوليك)، والالديهيد والاثير، والاسيتال (سائل عطر)، والهيدروكربونات الممزوجة بأصبغة نباتية، والزيوت الأساسية، ومستخرجات الزهور.
وقد أعدت دائرة الأغذية والأدوية في الولايات المتحدة نحو 800 مركب للنكهة الصناعية ومختصرها GRAS أو النكهات الأمنية عموماً. ويشير مفضلو هذه النكهات إلى أن لا إمكانية أكبر على الثبات وتحمل تغيرات الحرارة من النكهات الطبيعية. وتمتاز النكهات الاصطناعية بانها متوفرة دائماً، وبثمن رخيصة وثبات في اللون والتركيب، وهو ما يفضله أغلبية المستهلكين.
وبغض النظر حول ما إذا كانت النكهات والأغذية الصناعية هي البديل الأمثل للاصلية منها من ناحية المطعم (المكونات)، فإن تنوع هذه النكهات والأطعم في الأسواق الاستهلاكية مثير للدهشة. ولا يكفي مثلاً أن بإمكاننا شراء نوع من الطعام بنكهة لحم الدجاج، ولحم الدجاج بالفطر.
وبالنسبة للبندورة هنا النكهة الطازجة والهشة، وهناك النكهة اللينة، والمطبوخة، ويذهب أحد صناعي النكهة إلى القول بأن طعم فراخه أطعم من الفراخ نفسها .. وتشبه طعم طبيخ جدته تماماً واي فخر هذا لجدته!!...