ليس من السهل تصغير حجم تمثال الحرية في نيويورك لكي يصبح في متناول السائح القادم من منطقة سيدار رابيدز في أيوا؛ كما أنه ليس من السهل صنع آلاف النسخ عن تمثال إبراهام لنكولن، تحمل الملامح الحكيمة والداكنة نفسها.
وتحتاج مثل هذه العملية إلى فريق متخصص من النحاتين ينقلون عن النسخة الأصلية من التمثال، أو صور عنه، ومستخدمين لذلك الغرض آلة عبقرية تبدو كما لو أنها من اختراع روب غولدبيرغ.
ولقد عمدت شركة إيفلين ميل، التي حصلت على امتياز بيع تماثيل مصغرة عن تمثال الحرية، إلى جمع أكبر عدد ممكن من التصاوير عن التمثال، بعضها مأخوذ على الأرض، والبعض الآخر من الجو بالهيليكوبتر. ثم قامت الشركة بتسليم الصور إلى نحات ناسخ متخصص في تحويل الأشكال المصورة إلى تماثيل مثلثة الأبعاد. ويتولى هذا النحات، متوسلاً غريزته وعينه المدربة، بصنع تمثال من البلاستيك والطين أو الشمع.
ويختار من النحات الحجم الذي يحلو له للتمثال؛ أما عملية تكبير التمثال أو تصغيره فتلك مسألة أخرى، وعلى هذا الأساس، فأن جل ما يهتم به النحات عند تلك المرحلة هو إتقان الشكل بتفاصيله كاملة.
ولكن هذا الإتقان لا يعني بالضرورة أن يلتزم النحات بالمقاييس ذاتها للتمثال الأصلي. بل أن كل شيء يعتمد على رغبة الزبون. ويقول جون سيلفرز من شركة ايفلين ميل، أنه ولو نظرنا بإمعان في التمثال الأم لوجدنا أنه ضخم قليلاً عند المصادر ومن الخلف. وقد طلبنا من النحات أن يخفف من هذه العيوب قليلاً، وأن يجمل منظر التمثال.
وعندما ينتهي النحات الناسخ من صنع التمثال المقلد، يسلمه بدوره إلى مصنع التذويب حيث يتم صنع النسخ عنه، ويعطي العاملون في هذا المصنع التمثال المقلد الشكل والحجم الذي يوصي به الزبون، وذلك عن طريق أداة غريبة الشكل اسمها (المنساخ الثلاثي الأبعاد).
وتتشكل هذه الأداة من عارضة أفقية متحركة مزودة بمؤشرين دوارين. ويتصل المؤشران ببعضها عن طريق عارضة ثانية تؤمن حركتها بترادف. وبالتالي فإنه كلما رسم أحد المؤشرين زوايا التمثال، قام المؤشر الأخر بحفر تمثال الطين بالزوايا نفسها.
ويعتلي هذا الجهاز عامودياً منصة متحركة تسمح له باللف والدوران، وتمر عارضة المؤشرين بنقطة ارتكاز يليها من الجهة الثانية ثقل مضاد، بحيث يتولى المؤشر الأبعد عن نقطة الارتكاز مهمة المسح الكبری والمؤشر الآخر مهمة المسح الصغرى.
وبهذه الطريقة يتولي نحاتو المصنع صنع نسخة مصغرة للتمثال عن طريق رسم زوايا التمثال الأصلي بواسطة مؤشر البعد فيها بعمل مؤشر القرب على تشكيل تمثال الطين المقلد. ويتصل هذا الجهاز بجهاز سلسلة مسننة لتحديد السرعة الغرض منه تأمین دوران الجهاز وقت السرعة نفسها.
وقد نحت ديف كاي، وهو صانع النسخة المقلدة من تمثال الحرية، تمثاله بعلو 4 أقدام. فيها قام نحاتو المصنع بصنع نسخهم عن التمثال وفق القياسات التي يحددها الإمتياز، وهي: (6 إنشات، 4 إنشاً وقدمين).
ولنسخ هذا التمثال الذي بلغ طوله قدمين عن الأصل الذي بلغ طوله 4 اقدام، فقد استلزم العمال وضع التمثال الأكبر من المؤشر الأبعد، ثم التمثال الأصغر عند المؤشر الأقرب، وعلى نصف المسافة من نقطة الارتكاز (طالما أن التمثال الأصغر هو بنصف حجم الأكبر).
وعندما تنتهي هذه العملية، يؤتي بالنحات الأول لكي يضع اللمسات الأخيرة على التمثال المنسوخ قبل البدء بصنع التماثيل النحاسية.