كيف يتم إحصاء أعداد الحيوانات؟
الإنسان هو الحيوان الناطق الوحيد الذي بإمكانه استعمال الهاتف، وأعطاء عنوانه الدائم، أو تعبئة طلبات الإحصاء، كيف إذن تحصى بقية الحيوانات؟
وكيف باستطاعة أحدهم أن يعرف ما إذا كان ذئب الغابات أم نسر الكوندور هما حیوانان نادران أو مُهددان بالانقراض؟
وكيف نعرف كم طائر أبو الحناء يفقس كل فصل ربیع؟ ولا مجال للشك أن عملية إحصاء الحيوانات البرية هي من أصعب العمليات في دراسة الطبيعة.
وتختلف الوسائل التي يعتمدها العملاء للتعداد باختلاف فصائل الحيوان؛ فأحجام الحيوانات، وسلوكها، ومسكنها، تجعل بعض الوسائل أكثر عملية من أخري. فربما تكون أفضل وسيلة لعد البط، أو البجع، أو الفيلة، أو الظبية، أو الأبل، أو ذئب الغابات، هي الطيران بالهيليكوبتر أو بطائرة أدغال فوق هذه الحيوانات وإحصائها، وأخذ الصور لها كدليل إضافي.
إلا أن هذه الوسيلة لن تنفع من دون شك في عملية إحصاء الفئران، التي هي أصغر حجماً من أن نرصد بواسطة الطائرة، كما أن لون جلدها يجعل من الصعب تمييزها، بالإضافة إلى مكوثها لفترات طويلة في حجورها. وعلى هذا الأساس قد يكون من الأصلح لإحصاء عدد الفئران هو اصطيادها عن بكرة أبيها وعدها.
أما السحليات فهي تحتسب بوسيلة تعرف بـ "الإمسك وإعادة الإمسال"، ويعني آخر فإنه إذا أراد أحد علماء الزواحف إحصاء عددها في منطقة ما، فما عليه إلا الإمساك بحوالي 50 سحلية، ووضع علامة ما عليها بواسطة مادة دعائية غير مؤذية أو بواسطة لوحة معدنية، ثم إطلاق سراحها. وبعد بضعة أسابيع، تكون السحليات قد انتشرت في مجمع الزواحف عموماً، فيعمد العالم إلى الإمساك بـ 50 سحلية أخرى، والبحث بينها عن السحليات المعلمة بالدهان.
أما الخطوة التالية التي ينتهجها العالم فتكون بوضع بعض الفرضيات، منها مثلاً أن يفترض أن مجموعة السحليات الثانية والتي عليها علامة الأمان والتي من دونها في عينة تمثل مجموع السحليات (أو عالم مصفر).
ثم يفترض أنه بعد تمييزه مجموعة السحليات الأولى ثم إطلاقها، توزعت هذه الأخيرة عشوائياً بين بقية السحليات. إذن، عندما يقبض على مجموعة السحليات الثانية، يكتشف أن حوالي عشرة منها ـ أي ما يمثل 20 % مس تنتمي للمجموعة الأولى، فإن ذلك يدفعه إلى الإفتراضي بأن 20 % من مجموع عدد السحليات الكلي هو من المجموعة الأولى.
وبما أنه يعلم مسبقاً أنه قام بتمييز 50 سحلية بالدهان، وبما أنه تبين له أن 20 % من المجموعة الثانية كان مدهوناً، فإنه يستنتج من ذلك أن الـ 50 تمثل 20 % من كامل عدد السحليات. وبما أن 5×20%=100%، فإن 50×5 هو مجموع السحليات، أي 250 سحلية.
ويتم إحصاء تعداد السمك بالطريقة نفسها. ويقوم العلماء بإضافة مادة مخدرة إلى الماء ولا تؤذي السمك، إلا أنها تدفع به إلى السطح ليطفو ويتولى العلماء بعد ذلك جمع السمك، وعده، وتمييزه بالدهان أو بالملصقات، ومن ثم إعادة إحيائه، وإعادته إلى الماء، ومثلما حصل مع السحليات، يعمد العلماء إلى التقاط العدد نفسه من الجسم، وإحصاء المميز منه بعلامة الدهان، وأحتساب العدد الكامل للسمك.
ولكن ماذا عن الحيوانات التي يصعب الإمساك بها، كالطيور المغنية مثلا؟ ويلجأ علماء الطيور إلى نظام الشبكة في منطقة مشجرة من أجل الوصول إلى رقم تقريبي لعدد الطيور. ويقوم هؤلاء برسم خطوط متباعدة نسبياً ومتوازية في المنطقة ذات الاهتمام بالنسبة لهم.
بعدها تسير جماعة منظمة من الأشخاص بحسب هذه الخطوط المرسومة، وهم يحملون الأقلام والأوراق، ويقومون بعد كل طير يرونه أو يسمعونه زقزقته، ويظل كل شخص من هذه الجماعة على مرأى رفيقيه على يمينه ويساره، وبالتالي فهو لا يعد إلا الطيور التي توجد على مسافة معينة منه، وذلك كي لا يختلط البعد بين شخص وآخر. ويكرر هذا العمل عدة مرات، قبل أن تجمع النتائج ويحتسب الرقم الوسط لعدد الطيور من خلالها.
ونسأل مجدداً: ماذا عن الحيوانات الأخرى، مثل العوالق التي تعيش في المحيطات ولا ترى إلا عن طريق المجهر؟ والجواب هو أن عينة من مياه المحيطات يتم جمعها في داخل وعاء نافذ، تكون مهمته عزل الرواسب الصلبة، بما فيها العوالق. ثم توضع هذه الرواسب شيئاً فشيئاً تحت المجهر ويتم إحصاء هذه الحيوانات فيها. وتقاس العوالق بمقدار وحدة حجم مياه المحيط.
وكما نلاحظ، فإن وسائل عدة تستعمل لإحصاء تعداد الحيوانات على اختلاف مشاربها. أما للوصول إلى التعداد الكلي لفئة معينة من الطيور في منطقة كاملة أو بلد (أو كوكب)، فإن الوسيلة تكون باكتشاف المناطق السكنية المختلفة لنوع واحد من الحيوانات، ثم ضرب هذا الرقم بعدد الطيور الموجودة في منطقة واحدة تم إحصاؤها سابقاً، ومن المعروف أنه من طبيعة الأشياء أن تملأ الكائنات الحية منطقة ما بأكبر عدد ممكن من الأفراد قياساً على كمية الغذاء المتوافر والمساحة الموجودة.
ومن خلال معرفة مجموع الأراضي المشجرة، والجبال، والغابات والمدن، مقاسة بالاكرات، في الولايات المتحدة، فإن بإمكاننا الوصول إلى رقم تقديري لكل فئات الطيور. في هذا البلد، وهو ما يوازي ستة بلايين طير بري. وبالمقابل، فإن بعض الطيور البرمائية، مثل البجع، ليست سهلة الإحصاء بهذه الطريقة، فهي لا تعيش إلا في بعض مستنقعات تكساس حيث تبني حوالي 100 عش لها كل سنة.
وهناك أشكال أخرى من المخلوقات الحية بإمكانها أن تعيش بأرقام هائلة في منطقة سكنية واحدة. فهناك من الحشرات التي اعتادت من خلال عملياته تطورها على مدى السنين الطويلة أن تعيش في ظروف متعلمة لا يمكن تصورها، ويقدر عدد الحشرات في مناطق عدة بحدود بليون بليون حشرة، أو 10 بقوة 18 (1810) ـ إي الرقم 1 متبوعاً بثمانية عشر صفراً.
وهو ما يوازي تعداد السكان البشري ببليون مرة. فلو مثلنا مجموع الحشرات في العالم على شكل حفنة تراب، فإن مجموع الأدميين سيكون على شكل ذرة من هذا التراب.
وما يثير الدهشة أيضاً أنه لو نظرنا بشكل أدق إلى داخل أجسام هذه الحشرات، لاكتشفنا أن حوالي مئة ألف برزوية (وهي حيوانات ميكروسكوبية أحادية الخلية) تعيش في الجهاز الهضمي لكل حشرة، وتأكل كل ما ليس باستطاعة الحشرة هضمه.
وبالتالي فإن هناك حوالي 2310 من هذه البرزويات تعيش داخل الحشرات في العالم. وهذا الرقم هو أكبر من مجموع عدد النجوم في الكون.
وكما كتبه جوناثان سویفت، بعد اختراع جهاز الميكروسكوب الذي كشف للعالم لأول مرة وجود البرزویات، يقول:
على البرغوتة الكبيرة هناك برغوتة صغيرة، تقف على ظهرها وتعضها، وعلى البرغوتة الصغيرة هناك برغوتة أصغر؛ وهكذا يمضي العالم إلى ما لا نهاية !