لقد فاتت على العالم الفلكي غاليليو، في القرن السابع عشر، إمكانية تحديد سرعة الضوء وقياسها. إذ كل ما أمكن لغاليليو أستنتاجه، بعد اجراء تجاربه بواسطة المشاعل الضوئية، هو أن الضوء يسير بسرعة كبيرة.

وربما كان الخطأ في الجهود التي بذلها هذا العالم لتحديد سرعة الضوء هو في أن القوة يسير بسرعة أكبر من أن تقاس من خلال المسافات الضيقة التي اعتمدها غاليليو، وتجدر الإشارة أنه أستلزم علماء الفلك دراسة الضوء الآتي من كوكب المشتري لحل هذا الغموض.

لاحظ علماء الفلك في القرن السابع عشر أن قمر المشتري يخرج بشكل متزايد من ظل هذا الكوكب بشكل أبطأ ما هو متوقع.

وكلما انتقلت الأرض في فلكها من النقطة أ إلى النقطة ب كلما بعدت عن ي وبالتالي احتاج الضوء الصادر عن هذا الأمر لوقت اطول لوصوله إلى الأرض. وبعملية حسابية لقياس الفرق بين الزمن المتوقع والزمن الحقيقي لخسوف ي ومن خلال معرفة حركة الكواكبه والمسافات بینها، تمكن علماء الفلك من تحديد سرعة الضوء.

ففي منتصف القرن السابع عشر، عكف علماء الفلك لدى مركز رصد باريس على دراسة فترات دورات قمر جوبيتر (المشتري) حول هذا الكوكب. ومن خلال مراقبة القمر "ي" أثناء أختفائه خلف المشتري، وخسوفه، وظهوره من الناحية الثانية، ثم مروره أمام ذلك الكوكب ليعود ويختفي مجدداً، تمكن العلماء بعملية حسابية أن يستنتجوا أنه يستلزم هذا القمر 1.75 يوماً (أي يوم واحد و48 ساعة لاتمام هذه الدورة الكاملة، وبالتالي فانهم تمكنوا من التنبؤ الدقيق بالوقت المحدد لخسوف "ي".

إلا أن مشكلة معقدة طرأت هنا. فقد تمت المراقبة المبدئية حين كانت الأرض واقعة بين كوكب المشتري والشمس، أي عندما كان كل من المشتري والشمس في موقعين متضادين، ولما اكملت الأرض مسارها حول الشمس مبتعدة عن المشتري، فإن خسوف ي تم بعد مضي عدة دقائق على الزمن المتوقع. ثم وعندما دارت الأرض إلى الجهة المقابلة للشمس، أي عندما أصبحت الشمس في الوسط بين الأرض والمشتري، تأخرت عملية الخسوف بحدود 16 دقيقة و3/2 من الدقيقة.

وفي العام 1675 تمكن عالم فلك دنماركي، أسمه أولي رومر، من مد يد العون إلى علماء الفلك الفرنسيين. وذلك عندما أدرك أن التأخير في عملية الخسوف لم يكن نتيجة أي تغيير متأصل في مواعيد المشتري أو القمر ي، وإنما كان سببه الزمن الذي استلزم أنعكاس ضوه ي وسفره نحو الأرض.

ويتمكن هذا العالم من تحديد هذا التأخير في عملية الخسوف بأنه يساوي 16 دقيقة و40 ثانية، أي ألف ثانية، كما استطاع قياس المسافة بين الأرض والشمس على أنها تساوي 93 مليون ميل (معتمداً من أجل ذلك على اكتشافات علماء الفلك الباريسيين والعلماء الذين يعيشون في مستعمرة سايان الفرنسية في غويانا عام 1672).

وطالما أن الأرض كانت على بعد 186 ميلاً (وهو ما يساوي قطر مدار الأرض حول الشمس عن "ي"، حيث تمت المراقبة الأولى، فإن رومر توصل إلى الاستنتاج الفوري بان الضوء يسافر بسرعة 386 ألف ميل بالثانية.