كيف يتم اكتشاف تزوير لوحة زيتية متقنة الصنع؟
في العام 1947، مثل هاتزفان ميغرين، وهو فنان ألماني ومزور من الطراز الأول، أمام المحكمة بتهمة بيع كنز وطني ـ هو عبارة عن لوحة للرسام المشهور فيرمير ـ إلي الزعيم النازي هرمان غورينغ. وقد ألقي ميغرين في السجن رغم اعتراضاته بأنه في الواقع خدع غورينغ.
إلا أنه رغم ذلك فقد تمیز شمله الفني الرائع بدقة شديدة، وإقناع شديد، لدرجة أن أحداً لم يصدقه. وقد أصر الجميع على أن تلك اللوحة التي أصبحت الآن في أيد نازية لم يكن ليرسمها أحد إلا فيرمير نفسه، وهكذا لم يكن أمام فان ميغرين سوى رسم لوحة أخرى لفيرمير للخلاص بجلده وأقناع السلطات المشككة بصدق ادعاءاته.
ولم يشتهر میغرین کمزور في عقده الثلاثنيات وأوائل الأربعينات إلا في الفترة التي تلت ذلك. وقد صار هذا الفنان المغمور، الذي لم يسلم له عمل فني خامي من إزدراءات النقاد، أشهر مزور في التاريخ. وقد وصلت أرباحه من هذا العمل إلى 1.680.000 دولار ورغم أن بعض الوسائل العلمية كانت موجودة في الثلاثينات من هذا القرن لكشف زيف اللوحات الفنية، إلا أن الحرب في الواقع هي التي اتت لفان ميغرين بعض الغطاء.
ومع ذلك فقد اشتملت اللوحة التي باعها إلى غورينغ على خطأ مميت لم يكتشفه الدكتور بول كورمانز من بلجيكا إلا أثناء محاكمة ميغرين. إذ كان أزرق الكوبالت (لون أزرق مخضر) الذي استعمل في رسم اللوحة لوناً غير معروفة في أيام فيومير.
وكان الفضل للوحات ميغرين المزورة، والتي استلزمت معرفة حميمة جداً بأسلوب فيرمير في أنها أعادت إلى الأذهان ما كان بإمكان فيرمير نفسه أن يفعله في بدايات مهنته.
وغير ذلك هناك أنواع عدة من التزوير للأعمال الفنية. فهناك من النسخة المباشرة، وهي عبارة عن نسخة مأخوذة عن الأصلية مباشرة. كما أن هناك العمل الفني، الذي يعتمد على عدة عناصر مأخوذة عن بعض الأعمال الأصلية للفنان، والتي توضع كلها في خدمة عمل فني جديد مقلد.
وهناك ثالثاً اللوحة الممسوحة، وهي عبارة عن لوحة أصلية يتم تزينيها أو إدخال بعض التعديلات عليها بحيث يتم اخفاء اسم الفنان الأصلي أو تغيير الصورة نفسها.
وتعتمد الوسائل المختلفة لكشف اللوحة المزورة على خبرات المؤرخين الفنيين والخبراء في علم المعادن وعلم استخراج المعادن، وعلم الكيمياء العضوية وغير العضوية، وعلم البلور يات من جهة، وعلى كشف الخشب والألياف التي تتألف منها اللوحة من جهة أخرى.
ومع أنه ليس هناك من طريق معينة متبعة لكشف عملية التزوير، إلا أن الخبير العارف جداً بالأعمال الفنية وتاريخها، وبعملية صنع الأيقونات، والتشكيل، والأسلوب، بإمكانه أن يلاحظ اللوحة المزورة بثوان معدودة.
وهناك قصة تروي أن أحد هواة جمع الأعمال الفنية استدعى أحد هؤلاء الخبراء للتدقيق في لوحة مزعومة بأنها تعود لـ (دونشيو) ونظر هذا الخبير إلى اللوحة للحظات ثم قال: (آه) من المستحيل أن تكون هذه اللوحة من أعمال دونشيو. لأنني كلما نظرت إلى أحد أعماله أنتشي! ومن المعروف أنه قبل إدراج أساليب الكشف العلمي للتزوير كان السعي وراء خبرة المؤرخ الفني (وهي تأخذ وقتاً للدراسة أطول من الوقت الذي استلزم خبير دونشيو لمعرفة زيف اللوحة) هو الإمتحان الأساسي لمصداقية العمل الفني، وأول ما يلاحظه هكذا خبراء هو أن ضربة الفرشاة في اللوحة المزيفة تكون محسوبة وسطحية، أما في اللوحة الأصلية فتكون مباشرة وآنية. كما أنهم قد يلاحظون في التزوير قطعة أثاث أو موضة ثياب لم تكن معروفة في زمان الفنان المزعوم.
إما التقنيات الحديثة للفحص فهي تشمل دراسة الخصائص الكيماوية والفيزيائية للمواد التي استعملت في ذلك العمل، وكذلك التغييرات التي حصلت له بمرور الوقت. والجدير بالذكر أن العديد من هذه الفحوصات لا تنفع إلا عند دراسة عمليات التزوير التي تتناول اعمال الفنانين الكبار القدامى لا الأعمال الحديثة.
وتستخدم أشعة ((X لتسجيل علاقة الكثافة بين المواد المستخدمة في العمل. إذ تكشف هذه الأشعة ما إذا كانت هناك لوحة ثانية تحت الأولي، أو ما إذا وجدت شقوق غير تلك الموجودة في عمق اللوحة، الأمر الذي يعمل على أن الطبقة السطحية من اللوحة مي أحدث من الطبقة الأعمق.
وقد يذهب بعض المزورين إلى حد محي بعض الدهان عن اللوحة من أجل إضافة توقيع مزور. وبهذه الطريقة من الكتابة على الطبقة السفلى للوحة لا على السطح يبدو للعين المجردة وكأن التوقيع المضافة هو جزء من اللوحة الأصلية. إلا أن الأشعة ما تحت الحمراء وأشعة X تساعد في هذا المجال لكشف أية آثار احتكاك بالقرب من أحرف التوقيع، ويصل الحد ببعض المزورين إلى درجة حفر بعض الثقوب التي يسببها الدود أحياناً في خشب اللوحة من أجل أضفاء طابع القدم عليها.
إلا أن آلة الراديو غراف (وهي آلة تظهر صوراً بواسطة أشعة مختلفة عن أشعة الضوء تفضح وسيلة التزوير تلك بإظهار أن الاتجاه الذي تكون عليه الحفر يختلف من ذلك الذي تشبه دودة خشب. وتساعد هذه الآلة حتى في كشف تاريخ صنع المسامير في إطار الصورة.
من جهة أخرى تساعد الأشعة ما فوق البنفسجية على كشف عملية إعادة رسم اللوحة وإعادة ترميمها، أو إضافة التوقيع عليها، نظراً لأن المواد على اختلافها تتشرب هذه الإشعاعات وتعكسها بطرق مختلفة.
ويكون عمل الخبراء بقراءة درجات التشريب المختلفة وتفسيرها، وكذلك الأمر بالنسبة لدرجة الأنعکاس، والاشعاع.
أما التصوير بالأشعة ما تحت الحمراء فتكون مهمته إظهار الطريقة التي أنجز بها الرسام اللوحة ومراحل تطورها، وأسلوبها المميز، وتساعد هذه المعلومات الخبير أو الناقد العارف بأسلوب الرسام على كشف اصليته، وبإمكان هذه التقنية أيضاً كشف التزوير الذي ينم على الأعمال الحديثة كذلك الأمر. كما يمكن لها أيضاً إظهار توقيع مطموس أو محمي.
وتتم عملية التعريف الكيماوي للمعادن، والألياف، والأصباغ، وغيرها من المواد التي تستعمل في رسم لوحة عن طريق آلة صنع الطيف والكيمياء المصغرة. وكذلك تستعمل المكبرات الضخمة للصورة من أجل دراسة أشكال الكريستال، وبنية الألياف، والعلاقة بين طبقات زيت الرسم.
ويلجأ بعض المزورين إلى حد احداث بعض الشقوق في قماشة الرسم بواسطة الإبرة، إلا أن المراقبة الدقيقة لهذه الشقوق تكشف أنها بعمق الدهان فقط، بينما الشقوق الأصلية تكون أعمق من ذلك.
وهناك طريقة أخرى يتبعها الرسامون المزورون رمي إدخال اللوحة داخل فرن بغرض تنشيفها ونيجيسها بما يقارب القرنين من الزمن في اليوم الواحد. وبإمكان الخبير أن يلاحظ هذه التشققات المصطنعة بواسطة المكبر، وكذلك التوقيعات المخبأة بين طبقات اللوحة المختلفة.
ولكن إذا قام مزور محترف على سبيل المثال بصنع لوحة فنية يستعمل فيها العناصر نفسها الموجودة في اللوحة الأصلية، والأسلوب نفسه، والبنية نفسها، والمشاكل الأخرى التي تنال اللوحة الأصلية بفعل الزمن، فإن الوسيلة الوحيدة لكشف التزوير تكون بالرجوع إلى المؤرخ الفني، من أجل اتخاذ قرار مبني على المعرفة، وعلى التقطن المدروس، أو على الالهام الخارجي للحظة.