جورج كليمنصو
هو الطبيب الذي قاد فرنسا إلى النصر ، إنه جورج كليمنصو ، رئيس مجلس الوزراء الفرنسي وقائد فرنسا في الحرب العالمية الأولى ، لقد درس الطب وتخـرج مـن كلية الطب كطبيـب يـحـق لـه ممارسة الطـب ولكـن كليمنصو فضل اقتحام السياسة وعوالمها الملتوية ، وقد استطاع أن يظفر الفوز في الحـرب بعـد أن واجه العسكريين في بلاده وزاحمهم في صناعة القرار العسكري وقال كلمته الشهيرة : إن الحرب عمليـة جـادة لدرجة لا تسمح بتركها للعسكريين فقط .
لقـد كـان كليمنصو عاشقاً لوطنه حتى النخاع ، فلما رأى بلده فرنسا ی تعصـف في خضـم الأزمات الأوروبية ، لم يـري مهنتـه الـطـب أي وسيلة للمساهمة في انتزاع فرنسا من أزماتها ومشاكلها ، ورأى في السياسة هـذا السبيل ، فهجـر مهنته الأصلية واقتحم عالم السياسـة المليء بالغموض والإلتواء ، واستطاع هذا الإنسان الفذ أن يرأس الوزارة الفرنسية لمرتين بالإنتخاب وأن يشغل وزارة الدفاع مرة وأخرى يشغل بها وزارة الداخلية كما عين مرة كعضو في مجلس الشيوخ الفرنسي ، وقد خدم بلاده في كل هذه المناصب التي شغلها بأسلوب إداري فذ وبذكاء خارق ، وبرغم شراسته التي عرف بها إلا أنه انتزع الإعجاب والإحترام من الجميع !! .
لقبه الفرنسيون بـ ( النمر الفرنسي ) وبـ ( صانع النصر ) وقد احتفلوا به في حياته وبعد مماته ، فأطلقوا اسمه على حاملة الطائرات الحربية ، وقال امتدحه ونستون تشرشل - وهو الرجل الذي عرف عنه اعتداده المفرط بذاته – ولم يستطع أن يخفـي مـدى إعجابه بهذا الطبيب السياسي الذي حقق النصر لفرنسا .
أما سومرست فراي فقد كتب عن كليمنصو كواحد من عظماء التاريخ الألف الذين مروا على هذه الأرض ، ووصفه بأنه : ( ذو سيرة مدهشة بدأ مراسلاً للأخبار ثم دخل السياسة الفرنسية ، ورغم شراسته فإن الناس أعجبوا بشجاعته فانتخبوا حكومته لمرة ثانية . . . ) ، فلقد تحول حبه إلى فرنسا إلى طاقة فعالة ومعطاءه بصورة غير عادية جعلت هذا الرجل وهـو متقدم في السن يبذل في العطاء السخي وكأنه ي ريعان الشباب حتـى قـال عنه الكاتب الإنجليزي الدوس هكسلي : لقد جسدت الوطنية الفكرة التي وهبت كليمنصو المسن طاقته التي لا ترحم ولا تقهر .
لقد كان كليمنصو رجلاً انسانياً يعرف حقوق الشعوب وانتماءاتهم فلم ، يقبـل فـكـرة الإستعمار الفرنسي أو الأوروبي عموماً للبلدان الضعيفة ولذلك لم يكن مرتاحاً لاستمرار احتلال فرنسا للجزائر ، ولكنـه بعـد نهاية الحرب العالمية الثانية وإصرار بريطانيا على الإنتداب حرص على أن يكون لفرنسا نصيبها في الإنتداب الإستعماري ليس إيماناً به ولكن لئلا تستفرد بريطانيا وحدها في الإنتداب على حساب فرنسا .
ويكفي كليمنصو شهرة ومكانة أنه كان أحد الأربعة الزعماء الذين أداروا الحرب العالمية الأولى وقرروا أوضاع العالم ومصائر الشعوب والأمم بعد انتهاء الحرب وهـم : الرئيس الأمريكي ويلسون ، ورئيس الحكومة الفرنسية جورج كليمنصو ، ورئيس الحكومة البريطانية لويد جورج ، ورئيس الحكومة الإيطاليـة أورلاندو ، وبعـد أن قـاد كليمنصـو بـلاده الفرنسية إلى النصر لم يتبجح بالإنتصار ويختال بذاته في الإعلام والصحافة بل بقي متواضعاً ، وقد عبر عن فرحه بالنصر عبر كتابه ( عظمة النصر و بؤسه ) معترفاً بما أسفرت عنه الحرب من شقاء وبؤس مؤكداً بأن النصر لا يأتي مقروناً إلا بالبؤس .