سانت بوف
بدأت بالطبيب الفرنسي الشهير ( سانت بوف ) أو ( سانت بيف ) كما يحلو للبعض تسميته ، لأنه يمثل أشهر سيرة إبداعية جمعت بين الطب والأدب ؟ !! فسانت بوف يمثل سيرة ذاتية مفعمة بالعمل الدؤوب والإهتمام المستمر ، ويمثل حياة ناجحة متفوقة في الأدب ، ويمثل شخصية انسانية عالمية تستحق الثناء والتقدير ، فلقد أحدث هذا الطبيب نقلة نوعية في التاريخ الأدبي الحديث جعله يمثل مكانة هامة تستحق البحث والدراسة ، فهو بلا شك مؤسس النقد الأدبي الحديث .
ظل النقد الأدبي منذ الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو وهو يطوي الزمن والسنين والقـرون دون أن يطـرأ عليـه أي تغـيـر نـوعي ، فظلـت القـوالـب الأرسطية تحكم هذا الفن الأدبي ما يقارب الألفـي عـام ، ولكن التطـور العلمي في القرن التاسع عشـر كـان قـد تسارعت خطواته بشكل قـوي وملحوظ ، وكان علماء النبات والحيوان قد صنفوا الكائنات الحية إلى ممالك وفصائل وطوائف وعشائر – حسب خصائصها وأشكالها وسلالاتها - حتى يسهل حصرها ودراستها وإجراء البحوث عليها ، فتأثر سانت بـوف بهذه الطريقة وطبقها على النقد الأدبي ، فصنف الأدباء والشعراء إلى فصائل وطوائـف وعشائر ، وذلك حسـب مدارسهم الشعرية وأعـراقهم الجنسية وتوجهاتهم الفكرية ، فأحدث بذلك ضجة واسعة في أوروبا جعلت الجامعات والصحافة الأوروبية تلتفت إلى هـذه التجربة الفريـدة الـتي كسرت القوالب النقدية الأرسطية وأبدعت أنماطاً جديدة من النقد الأدبي . تميزت كتابات سانت بوف بالدقة المتناهية التي لا تتهاون مع أبسط الأمور ، وتميزت حياته بالعمل الدؤوب وبالنشاط المستمر وبالعزيمة التي لا تكل ولا تمل ، فكان يحبس نفسه في مكتبه المشحون بالأوراق والكتب ولا يخرج للناس إلا بعد أن أعد مقاله الأسبوعي الشهير ( أحاديث الأثنين ) .
لقد اكتسب سانت بوف مكانة رفيعة في دنيا النقد والأدب قلما اكتسبها غيره من النقاد ، فهو الذي أحدث النقلة النوعية في تاريخ النقد ، وهو المؤسس الحقيقي للنقـد الحـديث ، فهو الذي فتح مجال النقد النفسي لفرويد ويونج ، وهو الذي فتح مجال النقد العرقي لهايبوليت تين ، وهو الذي فتح مجال التطور الأدبـي لـبرونتيير ، فهـو بحـق وحقيقـة أبـو النقـد الحديث .