كيف كان يعرف الحمام الزاجل طريقه؟
لطالما انبهر العلماء أمام قدرة هذه الطيور الصغيرة الحجم، والخفيفة الوزن (وزنها لا يزيد عن 1 باوند)، والتي تُعرف بالحمام الزاجل، على الإستهداء إلى خط طيران دقيق جداً، ولمسافات طويلة، وعلى تتبع هذه الطريق في ظروف الجو الرديئة كما في الجيدة منها، ولربما كشف لنا الجواب حول كيفية اعتداء الحمام إلى مواطنه اللغز حول مسألة أخری بالغموض نفسه، وهي هجرة الطيور، فهناك مثلاً علامة استفهام موضوعة حول قطع طيور الغرَّيد الصغيرة مسافة ألفي ميل من دون أن تضيع طريقها.
وتزداد قناعة علماء الطيور اليوم من أن الحمام الزاجل يستخدم عدة وسائل ـ متطابقة أحياناً لتحديد خط طيرانه. فالحمام، مثله مثل بقية الطيور المهاجرة، تقرأ ـ علی ما يبدو ـ مواقع الشمس والنجوم لترسم طريقها. زيادة على ذلك، فمن الممكن أن جو دماغ الحمامة مادة مغنطيسية يمكنها من كشف أي اختلاف على مستوى حقل مغنطيس الأرض، وبالتالي تحدیدہ وجهة سيرها.
إلا أن هذا التوجه العام لا يكفي لتفسير قدرة الحمام الملاحية تفسيراً كاملاً. وعلى هذا فلا بد أن تكون هناك قدرة حسية أخرى لدى الحمام، وهنا يجدر الذكر ان الحمام لا يعتمد على بصره الحاد من أجل معرفة طريقه، وهو الأمر الذي كشفته اغلبية التجارب التي تعمدت تغطية أعين الحمام بلاصقات معبرة، فتبين أنه رغم ذلك أهتدي الحمام موضع التجربة إلى طريقه. ويذهب باحثون إيطاليون إلى أن الحمام يستخدم قدراته الشمية بجزء كبير للملاحة.
وأيضاً لدي عالم البيولوجيا ملی کریثر من جامعة كورنيل، حيث تجري اغلبية التجارب على الحمام الزاجل، نظريات أخرى مثيرة للفضول، فالحمام ـ على حد قول هذا العالم ـ يرى ويتحسس الضوء المستقطب، وبناء على قدرته لرصد وجهة سير هذا الضوء بالإضافة إلى التغييرات في وجهة سيره يتمكن الحمام من تحسين طريقه، وزيادة على ذلك فإن للحمام قدرة حسية للضوء ما فوق البنفسجي، مما يقدم جواباً آخر على التساؤل.
ثم أن بإمكان الحمام أن يرصد أي تغيير في علو طيرانه، حتى ولو كان هذا التغيير ضئيلاً ولا يتعدى العشرة أقدام. وهذا يعود إلى قدرة الحمام على كشف التغييرات الضئيلة جداً في الضغط الجوي (مثل الهبوط الزنبقي بمعدل 0.07 ملليمترات).
وهذه القدرة تمكن الحمام من الحفاظ على خط سير ثابت، وتمكنه أيضاً من معرفة الأحوال الطقسية أمامه، حتى ولو كانت بعيدة منه، وأخيراً نذكر قدرة الحمام على سماع الأصوات الخافتة جداً، والتي تصل إلى حدود 0.05 هيرتز وتصدر هذه الأصوات الخفيفة جداً، والتي ليس بمقدورنا نحن سماعها من دون أجهزة معينة، عن الارتفاعات الجبلية، والأمواج في البحار، وأصوات البرق والعواصف. ولربما تقدم الأمواج العالية، والتي تقطع مسافات طويلة قد تصل إلى مئات الأميال، نمطاً أخر لاستهداء الحمام الزاجل إلى موطنه.