البوا والأصلات من أسرة واحدة هي أسرة البوا:
وليست هناك طريقة سهلة التميز أحدهما من الآخر، وإن كان عالم الزواحف قادراً على ذلك من دراسته الجمجمة وبعض الصفات الأخرى. ولكن هذه المشكلة لا تواجه أهل الولايات المتحدة، إذ أن الأصلات كلها نعيش في الدنيا القديمة ما عدا واحدة فقط تعيش في المكسيك ووسط أمريكا.
والآن ما هو الشيء المشترك بين البوا والأصلات الذي جعل العلماء يضعونهما معا في أسرة واحدة؟ أغلب هذه الثعابين له مهاميز، وهي - كما سبق أن ذكرنا - بقايا ما كان يوماً ما أرجلا.
كما أنها كلها نقتل فريستها بالعصر وليس لأي واحد منها أنياب، وحراشفها جميعاً متشابهة، فهي صغيرة على الظهر والجوانب، أما على البطن فيوجد صف من الحراشف الكبيرة، ومن الطبيعي أن أغلب الثعابين الأخرى لها حراشف كبيرة على البطن أيضا، ولكن في أسرة البوا هذه تكون الحراشف أضيق كثيراً بالنسبة لحجر الثعبان.
والأصلة الشبكية The Reticulated Python هي ملكة الأصلات، ويعيش هذا الثعبان الهائل في الملايو والفليبين وشمال الصين وبورما. وهو ثعبان حسن الشكل بحراشف صفراء وبنية سوداء مرتبة في شكل زخرف معقد بذكرك بالأبسطة الشرقية.
وتحكي قصص غريبة عن مهارة هذه الثعابين الكبيرة في البلع، ومن المحتمل أن تكون قد سمعت أنهان ابتلاع ثور ولكن هذا غير صحيح، ولو أن الثعابين تستطيع أن تفتح فمها إلى درجة مدهشة إلا أن أكبر الثعابين لا يستطيع ابتلاع ثور.
ومع ذلك فإن الأصلة الشبكية ثعبان خطر، والناس محقون في الخوف منه لأن هناك بعض القصص الحقيقية عن تغلبه على الإنسان.
وبعض هذه الثعابين الخطرة ثقيل جدا، فقد يبلغ وزن الواحد منها مائة وعشرة كيلوجرامات. وهي تترك أثراً «جرة، واسعة من الممكن متابعته بسهولة عندما ترتحل. وقد تابع أحد العلماء الطبيعيين في بورنيو “جرة و قدر أنها الثعبان شبك كبير فوجد أن النباتات التي زحف فوقها مالت على الأرض وتفرطحت من ثقله وقد كسرت وانضغطت على الأرض قطعة من الخشب مشي فوقها الثعبان.
وعندما أتى بالقرب من مجرى المياه حك الطحالب من جذع الشجرة وترك أثراً في الشاطئ الرملي، كالذي تتركه زكيبة ثقيلة مليئة بالحبوب قد سحبت على الشاطئ، ولم ير الرجل الثعبان لأنه كان مختفياً في الماء، ولكن لا بد أن طوله كان يتجاوز عشرة أمتار، وهو أكبر طول مسجل عن هذا الثعبان.
وتأكل الأصلة الشبكية غالبا الدجاج والخنازير، وهي غذاؤها في حدائق الحيوان - دجاج ذبح حديثاً وخنازير - وبعد أن تنتهي من تناول وجبتها تزحف إلى حوض استحمامها حيث تبقي فيه أسبوعاً تهضم وجبتها الغذائية. وعندما تراها راقدة ومتخمة وساكنة لا يمكن أن تظن أن هذه الثعابين الثقيلة العظيمة حيوانات عصبية كما هو شأنها، ولكنها تتغير عندما تكون في الأسر، وعندما توضع في الأسر ترفض الأكل غالبا في أول الأمر، وقد تصوم ثمانية أو عشرة أشهر، وقد يؤدي بها الجوع إلى الموت إلا إذا أجبرت على تناول الطعام.
والأصلات التي تراها تعمل مع حواة الثعابين في “السيرك، أو في المعارض السياحية ليست أصلات شبكية، لأن هذه ليس في قدرتها تحمل السفر، ولا تحمل ما يتحمله الثعبان في السيرك، ولكنها عادة الأصلة الهندية التي ترى حاوية الثعابين تلفها حول ذراعيها ورقبتها وجسمها. ومع أن هذا الثعبان يكون شرساً عصبي المزاج في أول الأمر، إلا أنه سرعان ما يهدأ ويصبح ممثلا بارعاً.
والأصلة الهندية متسلقة ماهرة للأشجار في موطنها الأصلي من الأدغال، فهي قد تتسلق الشجرة وتبقي عليها بلا حراك لمدة طويلة، وعندما يقترب منها قرد لا يشتبه في وجودها تنتفض انتفاضة مفاجئة فيجد القرد نفسه بعدها وقد الفه الثعبان.
وتأكل الأصلة الهندية القرود أو أي حيوان آخر تحصل عليه سواء أكان ثعلباً، أم قنفذة، أم فأراً، أم ضفدعة، أم عظاءة “سحلية”، أم غزالا. وهي تبتلع الغزال كله حتى القرون، ويقال إنها تأكل النمر الأرقط أيضا.
ولأفريقيا أصلاتها، وكذلك آسيا. وأكبرها هي أصلة الصخر التي تنمو حتى يبلغ طولها سبعة أمتار ونصف متر. وهذا هو الثعبان الذي تراه في كل أفلام السينما عن حيوانات أفريقيا. وترى المواطنين عادة وعلامات الحرف بادية عليهم.
وهم يخافونها لسبب وجيه، إذ أن هناك قصصا حقيقية عن أناس قتلتهم أصلة الصخر، وقد جاءت إحداها من منطقة لا يجيز دين الناس فيها قتل هذه الثعابين، فهي لذلك تنمو حتى تبلغ أحجامها حدوداً هائلة. وتحكي هذه القصة أن امرأة قد قتلت وهي تغسل ملابسها في أحد جداول المياه، وجدت مقتولة وهذا الثعبان يلفها. وثمة قصة أخرى عن ولد عصره الثعبان حتى مات.
وكل الأصلات تقريباً كبيرة، أما البوا ففيها كل الأحجام التي تتراوح بين البوا الصغيرة الحفارة إلى الأناكوندا الضخمة. والثعبان المشهور س ملك البوا King of the Boat - يعيش في الأدغال الاستوائية لجنوب أمريكا.
والأناكوندا في الحقيقة ثعبان ماء، ولهذا فإن اسمه الآخر هو بوا الماء Water Boa ولكنه متسلق جيد للأشجار أيضا، وغالباً ما يوجد على الأشجار مشرفاً على الماء ولونه الأخضر الداكن أو البني المبرقش يقع دائرية سوداء بخفيه جيداً، حتى إن كثيراً من الحيوانات التي لا تشتبه في وجوده وتأتي لتشرب تنتهي بأن تكون غذاء له. ويختى الأناكوندا أحياناً تحت جسر وينتظر فريسته هناك، وإذا روعه شيء انزلق إلى الماء وسبح تحته ثم يظهر على سطحه بعد مسافة. وهو في بيئته المناسبة عندما يكون في الماء.
ويمضي الأناكوندا في حدائق الحيوان عدة ساعات متصلة راقداً في بركته المائية. ولا يعرف معظم الناس أن الأناكوندا من البوا،، لأنهم يعتقدون أن كلمة بوا تدل على البوا العاصرة وحدها. وهذا الثعبان معروف جدا لأنه واحد من الثعابين التي يستخدمها الحواة عادة، وهي ترى في الحقيقة غالباً حول رقبة الحواة حتى أن كلمة بوا تستعمل في الإنجليزية كاسم للدثار الضيق الطويل من الحرير والريش، تلبسه السيدة وتلفه حول رقبتها.
وليس البوا العاصر طويلا جدا كالأناكوندا. فإن أطول ما عرف عن البوا العاصر هو خمسة أمتار وخمسة وخمسون سنتيمتراً. أما تلك التي تراها في حدائق الحيوان فهي لا تزيد على ثلاثة أمتار ونصف تقريباً. وهذه الثعابين معلمة بوضوح، فأنت تميزها بصف من السرج الكبيرة الملونة على ظهر بني.
ولون كثير من أنواع البوا جميل، وخاصة بوا الشجرة Tree Boas الموجود في أواسط وجنوب أمريكا. وأحد هذه هو بوا رآس الكلب Dog - headed Boa الذي نراه في حدائق الحيوان، فهو جميل ذو لون أخضر مصفر مع خطوط بيضاء مستعرضة، أما الآخر فهو بوا قوس قزح الذي يكون بني اللون محمرًا عندما لا تكون أشعة الشمس ساقطة عليه، ولكنه يأخذ وميض قوس قزح الجميل في ضوء الشمس.
وقد احتفظت بعدد من البوا، وكلها كانت ثعابين صغيرة، وكان أحدها بوا الأرض الكوبي Cuban Ground Boa، وقد ظل عندي عدة أعوام وليس في تصرفاته شيء مما تتصوره عنه، فقد كان وديعة جدا حتى إن الأطفال كانوا يحبون إمساكه، وهو لا يأتي بحركات مفاجئة، وكان يجلس هادئاً في يدك، ويجب أن يختفي تحت قطع من قشر الشجر أوفي مخدعه داخل نشارة الخشب، وكان يخرج أثناء الليل ليتغذى بالفئران الصغيرة التي أقدمها له.
وثمة بوا آخر قد حصلت عليه بطريق المصادفة. وكان بوا باهامان Bahaman Boa قد جاء إلى نيويورك في قارب موز، وقد وجده الرجال الذين كانوا يفرغون شحنة الموز، ومن حسن الحظ أنهم كانوا رجالا محبين للاستقصاء، فبدلا من أن يقتلوا الثعبان - كما يفعل أغلب الناس - أحضروه إلى متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي لتسميته.
وكنت أنا واحدة من موظفي المتحف في ذلك الوقت، وقد سر الرجال عندما سمعوا أنه ليس ثعباناً ساما وقدموه هدية للمتحف وأحتفظت به حيا أشهراً. وكنت أغذيه فئراناً صغيرة، وكان يأكل في الليل، ولكنه كان يأكل بالنهار عندما كنت أغطي القفص فيصبح مظلماً.
وكل البوا تقريباً حيوانات استوائية. ولكن يوجد منها نوعان في أمريكا أيضا. وكلاهما يعيش في الغرب. أحدهما هو بوا المطاط Rubber Boa وقد اشتق هذا الاسم من لونه البني الأصفر أو من جلده الرمادي ذي الحراشف الذي يظهر كالمطاط. وهو ثعبان حفار صغير ينمو حتى خمسة وأربعين سنتيمتراً ويعيش في الغابات والجبال وفي بعض ولايات جبال روكي غرباً حتى
كاليفورنيا فقد وجد على ارتفاع ثلاثة آلاف متر. وهذا الثعبان اختي الصغير " سرعان ما يلتف على نفسه مكوناً كرة إذا ما روع. أما البوا الأمريكي الآخر فهو البوا الوردي Rosy Boa، وهو يعيش في جنوب كاليفورنيا وجنوب غرب الأريزونا والمكسيك، وهو أيضا يحب إخفاء نفسه.
وتستطيع تمييز هذا الثعبان الصغير بثلاثة خطوط متعرجة حمراء أو حمراء بنية تغطي الجسم كله من الأنف حتى الذيل على أرضية رمادية مزرقة، وهذا مع الحواشف البراقة اللامعة يجعل الثعبان الوردى يظهر وكأنه مصنوع من المعدن. وهو وكثير من البوا في العالم تحمل صغاراً ونضع الكثير منها في الوقت الواحد.
وقد ولد الكثير من صغار البوا في حدائق الحيوان. فقد ولدت الأناكوندا أربعة وثلاثين صغيراً في وقت واحد ووضعت أخرى سبعة وثلاثين، أما البوا العاصرة فقد ولدت أربعة وستين ثعباناً. ولكن هناك من التقارير أنها تعطي أعداداً أكثر من ذلك، فإن الأناكوندا التي يبلغ طولها خمسة أمتار وسبعين سنتيمترا وسمكها تسعين سنتيمتراً أعطت اثنين وسبعين صغيراً لا يزيد طول كل منها على تسعين سنتيمتراً.
وللأصلات صغار كثيرة أيضا إلا أنها تخرج من البيض، لأن الأصلة لا تحمل صغاراً. وهي تبيض من خمسين إلى مائة بيضة في المرة الواحدة.
وتبدي الأصلة الأم اهتماماً ببيضها أكثر مما تبديه أغلب أمهات الثعابين.
فهي تلتف حول بيضها وتبقي هكذا لمدة ستة أو ثمانية أسابيع حتى يفقس البيض، ولكن ما إن تخرج الصغار من البيض حتى يتلاشى كل الاهتمام، ولا تهتم الأم بعد ذلك إطلاقاً بصغارها.