يتعلق بهذا
تعريف بالثعابين:
من النادر حقا أن تجد الشخص الذي لا يقفز عندما يفاجأ برؤية ثعبان.
وهل هذا عجيب؟ فالثعابين من بين أغرب حيوانات الدنيا، ليست لها أطراف، وليس لها فراء أو ريش مألوف، وتتسم منذ آلاف السنين بسمعة سيئة. وفي الحقيقة أنها لا تستحق هذه السمعة السيئة كلها، وطبيعي أن بعض الثعابين شر يجب أن نتجنبه، ولكن أغلبها لا ضرر منه، هناك عدد عظيم منها نافع للإنسان.
والحقيقة التي تسيء إليها أنها تعيش أغلب أوقاتها حياة خفية غامضة. ولا كان الناس لا يعرفون حقيقة الثعابين فإننا نراهم يتوهمون عنها كثيراً من الأفكار المخطئة. وإني لأصطدم بهذه الأفكار كل يوم.
وقد سألتي زائرة مرة: كيف تستطيعون استئناس هذا الثعبان اللزج؟ فقلت لها: اللزج؟ مري بيدك فوق هذا الثعبان، فاستجمعت شجاعتها ولست الثعبان بحفر، وظهرت الدهشة على وجهها، إن ملمسه لطيف، وإنه ليشبه رداء من الجلد الناعم، إن الثعبان غير لزج مطلقا. وفي هذه اللحظة أخرج حيواني الأليف لسانه، فقفزت السيدة إلى الخلف في رعب صائحة: “إنه يحاول أن يلدغني.. قلت: وهذا كلام لا معنى له، إن الثعبان لا يلدغ بلسانه، وهو لا يقصد أن يصيبك بأي ضرر، ولكنه يحاول أن يكتشف الدنيا التي حوله.
وهذا اللسان المشقوق هو أداته التي يشعر بها. انظري كيف يدخله في نه ويخرجه ليلتقط به الروائح المختلفة، فهو يضع طرف لسانه في سقف فه حيث يوجد جيب صغير غني بالنهايات العصبية التي تؤدي وظيفة الشم حقيقة.
وليس للثعبان أنف بالمعنى المعروف كما تعلمين. ولكن له فتحتين أنفيتين هما هذا الثقبان الصغيران اللذان تشاهدينهما، وأحد أعلى كل جانب بين ة الفك والعين وهو يستعملهما للتنفس فقط. وكل احساسات الشم تصل مباشرة من اللسان إلى الفم،. واطمأنت زائرتي نوعا ثم قالت: أنت تقولين إنه لا يقصد في أي ضرر، ولكنه ينظر إلى كأنه بريد ذلك - من طريقة حملقته في،. فأجبتها: لا حيلة له في ذلك، إذ ليس الثعبان جفون. انظري. فوق عينيه قشور شفافة مثل النظارات. وعيناه مفتوحتان على الدوام، حتى عندما ينام تظل عيناه مفتوحتين.
وأخذت أتابع حدي معها قائلة: الثعبان مخلوق شاذ عجيب ليست له أذن خارجية، ولكنه ليس بالأصم، فهو يستطيع أن يشعر بالذبذبات الصوتية خلال الأرض.
ثم قلت لها: وليس للشعبان مخالب يمسك بها ولكنه يستطيع أن يقتنص فريسة أكبر منه حجما، وكان كل ما قلته جديداً لذي محدثي، مثلها مثل عدد كبير من الناس، فإنها لم تتصور الثعابين من قبل إلا أنها أشياء يجب الابتعاد عنها، ولكنها الآن وبعد حديثي معها، بدأت تشعر بشفقة نحوها قائلة لي: (سوف لا أتفز مرة ثانية عندما يصادفني ثعبان.. ولكني أشك في ذلك - فأنا أعرف أنه من الصعب التغلب على الكراهية والنفور- وما أظنها إلا قافزة إذا ما وقع بصرها على أي ثعبان بعد ذلك.
كانت لها أرجل في وقت ما:
ما هو هذا المخلوق الغامض العجيب الذي شغل بال الإنسان مدة طويلة؟ فهو يشبه في مظهره كثيراً دودة كبيرة تزحف، فهل هناك قرابة بين الدودة والثعبان؟ لا توجد أية قرابة بينهما: فما أكثر الفروق بين الثعبان والدودة.
فليس للدودة عمود فقاري في حين أن الثعبان عموداً فقاريا بكل تأكيد. وفي الحقيقة بدلا من أن يكون للثعبان ست وعشرون عظمة صغيرة في عموده الفقاري – كما هو موجود في أجسامنا - فإن العدد يصل في بعض الثعابين إلى أربعمائة.
ويشبه هيكل الثعبان قطاراً طويلا مكونا من عربات بضلوع، أو ضلوع متحورة تتصل بكل الفقرات ما عدا الفقرتين الأماميتين. إن أقرب أقارب الثعابين ليست الديدان، ولكنها التماسيح النيلية Crocodiles والأمريكية Alligators والعظّاءات والسحالي) Lizards والترسة tle
وذلك المخلوق العجيب المسمى تيوتارا Tuatara الذي لا يعيش إلا في بعض الجزر القليلة الصغيرة بالقرب من نيوزيلاندا. وتكون كل هذه الحيوانات مع الثعابين فصيلة واحدة تسمى الزواحف. وهي فصيلة كبيرة ولكنها ليست في نفس الاتساع الذي كانت عليه منذ زمن بعيد.
وقد كانت الزواحف تملأ الدنيا منذ زمن بعيد، وكان هذا أيام انتشار الديناصور Dinosaur، ثم أخذت الزواحف العملاقة تدب على الأرض وتسبح في البحار وتخفق في الجو بأجنحتها الكبيرة الشبيهة بأجنحة الخفافيش.
وقد اختفت هذه المخلوقات كلها.
أما نسلها - وهي الزواحف التي نعرفها - فقد صغر حجمها، حتى إن أكبر التماسيح يبدو قزما بجانب تلك الهياكل الهائلة لبعض الديناصورات التي نراها في المتاحف، وزواحفنا الآن هي بقايا، لا أهمية لها بالنسبة لتلك المجموعة المخيفة التي كانت تهيم في وقت ما على سطح الأرض.
الثعابين حيوانات فقدت أطرافها. ولم يكن الثعبان دائما ذلك المخلوق المتواضع الذي يزحف على بطنه. وتستطيع أن ترى الدليل على ذلك بنفسك في بعض البوا Boas والأصلات الحديثة Pythons، فعلى كل جانب من الجهة البطنية أمام الذيل مباشرة تستطيع أن ترى تركيبين صغيرين من العظم مما كل ما بقي خارج جسم الثعبان ما كان أرجلا يوما ما.
ويبدو أن الثعابين عندما أصبحت أكثر تخصصا في عاداتها وجدت أنها ليست في حاجة شديدة إلى الأرجل. وهكذا أصبحت الأرجل أصغر فأصغر جيلا بعد جيل حتى اختفت في النهاية. وأصبحت الثعابين الآن ليس لها هذان المهمازان إلا في حالات قليلة.
وغير معروف بالضبط كم من الزمن مر على اختفاء الأرجل، ولكن لابد أن يكون ذلك قد حدث منذ زمن بعيد. وذلك لأنه منذ عشرات الملايين من السنين كانت الثعابين تشبه كثيراً ثعابين هذه الأيام. ونحن نعرف ذلك من هياكلها التي تركتها في الصخور التي تبلغ من العمر ملايين السنين.
وقد استخرجت هيا كل بوا وأصلات ضخمة متحجرة من صخور عمرها خمسون مليونا من السنين. وقد وجد واحد منها في الرماد البركاني الصلب في جنوب أمريكا، ولا بد أنه كان الحيوان هائل يبلغ من الطول تسعة أمتار على الأقل. وقد وجد واحد آخر في صخور من نفس العمر في القطر المصري وكان هذا المخلوق أطول، إذ يبلغ خمسة عشر متراً.
هذا صحيح، إذ أن الثعابين كانت قد فقدت أرجلها فعلا منذ مائة وخمسة وعشرين مليونا من السنين، وذلك لأنه قد عثر على حفرية واحدة في أوربا داخل صخور لها هذا العمر.
ولكن مهما يكن وقت حدوث ذلك فإن الثعابين تعيش ما يعيش كثير من الحيوانات، ولكن من غير أرجل، فهي تستطيع أن تزف وتسبح وتتسلق، كما أن بعضها يستطيع أن يتزلت خلال الهواء، ومهما يكن ظننا بها فإنه ليس عقابا لها أن تزحف على بطونها.