ظل القطب الجنوبي نفسه دواماً ، رمزاً للجسارة وقوة احتمال البشر. ولقد شهد صيف ۱۹۱۱ - ۱۹۱۲ رجلين يختلف كل منهما عن الآخر تمام الاختلاف - يتراكضان في سبيل إحراز قصب السبق إلى القطب الجنوبي وهما: روالد امندصن النرويجي، والسير روبرت فالكون سكوت الإنكليزي.
وكان سكوت قبطانا بالبحرية الملكية وقام برحلة قصيرة عام 1901 إلى المنطقة المتجمدة الجنوبية. أوقدت فيه تصميما على أن يصل إلى القطب الجنوبي قبل أي رائد آخر. وكذلك الحال مع امندصن الذي استكشف الممر الشمالي الغربي سنة ۱۹۰۳، فقد وطد العزم على أن يكون أول رجل تطأ قدماه القطب الشمالى.
ولا سمع امندصن بأن بيرى قد بلغ القطب الشمالى سنة 1909 أحس بمرارة الحيبة. ولما كان القطب الجنوبي لم يكن قد بلغه أحد بعد، لذلك اعتزم امندصن أن يسرع في شد الرحال إليه.
وكان يعلم تمام العلم بأن وسكوت، يستعد بالزاد والمؤن لنفس المحاولة. وأنه سيكون هناك سباق متكافيء للوصول إلى المجد بين رجلين يتسم كل منهما بالخسارة وحب المغامرة.
ولاحق سوء الحظ البعثة الإنجليزية منذ البداية. فلقد أخطأ الكابتن اسكوت، في اختيار خيول منشوريا لجر الزحافات فوق الثلوج. لأنها أثبتت أنها لا تصلح كلية لهذا العمل. فلقد غاص بعضها في الشقوق الثلجية وابتلعته، وتعرض البعض الآخر منها لقسوة البرد والجوع ونفقت.
وفي اليوم الرابع من يناير عاد فريق «سكوت، إلى المقر الرئيسى، وقد فترت همتهم تماما، ولكن قائدهم ومعه أربعة من رفاقه أبوا إلا أن يستمروا في زحفهم نحو القطب الجنوبي.
ولأنهم لم يروا علامة تدل على وجود رامندصن، فقد وثق «سكوت بأنه سيكون أول من يصل إلى القطب الجنوبي.
ولكن كانت هناك مفاجأة سيئة خبأها له القدر. في اليوم السابع عشر من يناير لمحت عيناه من بعيد خيمة يرفرف عليها العلم النرويجي في جو عاصف بارد، ومعنى ذلك أن روالد امند صن ورجاله قد وصلوا إلى هدفهم، وأثبتوا حقهم ثم عادوا من حيث أتوا.
وفي داخل الخيمة وجد سكوت بعض الزاد ورسالة من الرائد النرويجي طلب منه فيها أن يسلمها إلى ملاك النرويج في حالة ما إذا هلك امندصن وهو في طريق العودة، وكانت رسالة مختصرة: بولهايم - 15 من ديسمبر ۱۹۱۱: "عزيزي الكابتن سكوت. أكبر ظني أنك ستكون أول من يبلغ هذه الناحية بعدنا، فأرجو أن تتفضل بإبلاغ هذه الرسالة إلى الملك هاكون السابع، وإذا كان في استطاعتك استعمال أي شيء ترك في هذه الخيمة، فأرجو ألا تتردد في ذلك، وقد تكون الزحافة التي تركها خارج الخيمة ذات نفع لاث. ومع أطيب التحيات، أرجو لك سالم العودة. المخلص، روالد امندصن".
ويم سكوت وزملاؤه الأربعة شطر القاعدة الرئيسية بعد أن أصيبوا بخيبة أمل مريرة.
وبعد ثمانية شهور عند ما أهل فصل الصيف على بقاع المنطقة المتجمدة الجنوبية وجدت أجسادهم. وقصت مذكرات الرجل الإنجليزي تفصيل المأساة الأليمة، فكانت قصة بطولة منقطعة النظير في تاريخ الارتياد.
ولا يجوز أن تمر على العمل الفذ الذي أتمه امندصن مروراً عابراً، فإن هذا الترويجي على العكس من سكوت قد اتخذ العدة لكل طارئ. فلقد أقام معالم من الثلج على طريق ذهابه إلى القطب ليهتدى بها في العودة، ومخازن للمؤن عند كل ستين ميلا، وبني النرويجيون عند القطب مدة أربعة أيام
وساعدهم جمال الطقس على العودة إلى قاعدتهم الرئيسية في مدى ثمان وثلاثين يوما. مع تمتع كل الرجال بحالة معنوية رائعة.
وبهذه الطريقة أسدل الستار على المشهد الأول الكبير لارتياد القطب الجنوبي.
وفي الأيام الحديثة. قام الأميرال ريتشارد بيرد بتسلم قياد عمليات الكشف عن خفايا المنطقة المتجمدة الجنوبية. ولقد أضافت رحلاته لهذه الأصقاع المتجمدة إلى معلوماتنا الجغرافية عنها أكثر مما حصلنا عليه من أي رحلة أخرى قام بها منواه.
ويعد بيرد من أعظم الرواد على مر الزمان.... ولقد ولد ريتشارد بيرد في مدينة «ونشستر» بولاية فرجينيا سنة ۱۸۸۸، وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره طاف حول العالم وحيداً في رحلة.
وقد أنبأت هذه المغامرة الفذة مقدماً بما سيكون عليه كل مستقبله.
وتخرج بيرد في الأكاديمية البحرية سنة ۱۹۱۲ وتدرب طياراً في الحرب العالمية الأولى سنة ۱۹۱۷. وبعد ثمان سنوات شغل وظيفة قائد جناح في بعثة ماكميلان البحرية إلى جرينلند، ثم كطيار رافق فلويد بنيت سنة ۱۹۲6. قام بأول طيران له إلى القطب الشمالي.
ولما لم يرتفع في واحدة من هذه إلى قمة المجد، فقد صار منفرداً في طائرته أمريكا، ذات السطح الواحد عبر المحيط الأطلنطي، مستغرقاً 43 ساعة. وكاد أن يختم هذا العمل المشرف بكارثة.
وهناك في الصحاري الجليدية بالمنطقة المتجمدة الجنوبية وجد الأميرال ببرد فرصته الكبرى لإظهار مواهبه.
فلقد قاد أربع بعثات كبرى داخل الأصقاع القطبية الجنوبية. طائراً عبر القطب الجنوبي نفسه ومحرقة البقاع المجهولة في الهضبة. ولقد أطلق على أكثر من ربع أراضى القارة الجنوبية اسم «مارى بيرد لاند» تكريماً لزوجته.
وكانت بعثة الأميرال بيرد الثالثة للمنطقة المتجمدة الجنوبية سنة ۱۹۳۹ - 1941، وكفلتها حكومة الولايات المتحدة، وقد أتمت جملة عمليات مسح هامة حينذاك، فقد رسمت خرائط الألف ميل من الخط الساحلي، يضاف إليها رقعة من السطح مساحتها مائة ألف، كما أعدت تقارير عن وجود طبقات من الفحم والنحاس وغيرها من المعادن.
أما بعثة بيرد الرابعة سنة ۱۹۹۷ والتي أطلق عليها عملية القفز العالى، فكان الاستعداد لها ضخما، بدت بجانبه كل البعثات السابقة أقزاماً، فقد كان قوامها ۱۲ سفينة من سفن الأسطول عليها أربعة آلاف من الضباط ورجال من باقي الرتب، يسند ظهوره أرق ما جهز به الأسطول من معدات في الحرب العالمية الثانية.
وكانت هذه أكبر بعثة استكشافية دخلت المنطقة القطبية الجنوبية حتى ذلك الوقت. وفي هذه الرحلة طار بيرد للمرة الثانية عبر القطب الجنوبي.