البعثة الكندية للقطب الشمالي ۱۹۱۳ - ۱۹۱۸:
منذ ظهور الإنسان على وجه الأرض وهو يحاول زيادة معرفته بالعالم وما يحتويه من أشياء. وكان السبيل إلى المعرفة سهلا في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى ضللت الأفكار غير الصحيحة الإنسان وحادت به عن الطريق الصحيح. وكانت النتيجة أن كان تقدم الإنسان نحو المعرفة الكاملة بعالمه أشبه بتقدم الضفدع في خروجه من بئر - فكان يرجع خطوة إلى الوراء كلما خطا خطوتين إلى الأمام.
ولم يحدث أن حادت الأفكار غير الصحيحة بالإنسان عن الطريق السليم في أي ميدان من الميادين أبعد مما حدث به في محاولته لاعتصار آخر قطرة للمعرفة عن المناطق القطبية.
ولنلق بنظرة على القطب الشمالي الذي وصل إليه المستكشف الأمريكي الأدميرال روبرت! بيري في اليوم السادس من أبريل عام 1909. والقطب الشمالي، كما يعلم الجميع موقع، وليس شيئا كما أنه في الحقيقة ليس مكانا.
ما هو اسم يطلق على الطرف الشمالي للمحور الذي تدور حوله الأرض.
وحتى القدماء الذين عاشوا من آلاف السنين كانوا يعلمون أن القطب الشمالي - مهما كان كنهه - كان على الجليد. أما ما عرفناه، حديثا نسبيا فقط، فهو أن الجليد الكائن على قمة العالم ليس ثابتا، بل إنه كتلة طافية، اليوم هنا، وغداً في محيط يزيد عمقه على ثلاث كيلومترات.
ولو ظل الأدميرال بيرى جالسا على الجليد عند القطب الشمالي لاكتشف بعد فترة طويلة من الزمن أنه قد تحرك إلى مكان آخر، إذ أن الجليد يتحرك.
وربما تكون قد ازددنا معرفة عن القطب الشمالي منذ زمن الأدميرال، إلا أن استكشافه كان عمل رجل عظيم شجاع.
ولقد وصل إلى القطب لأنه تعلم كيف يسير على الجليد في أقصى الشمال، وهو عمل لم يتعلمه مستكشف من قبله بالقدر الكافي، وكان ذلك العمل وسيظل نصراً عظيما على الرغم من ضآلة القيمة العلمية لاكتشاف القطب.
لم يكن القطب الشمالي هو الشيء الوحيد الذي جذب الناس إلى المنطقة القطبية، بل كانت هناك ولا تزال أشياء أخرى، منها اثنان لهما أهمية خاصة:
أولهما كان البحث الذي أخذ كولومبس عبر المحيط الأطلنطي، وهو محاولة اكتشاف طريق بحري من الشرق إلى الغرب أو بمعنى آخر من الغرب إلى الشرق.
أما الأمر الثاني فكان الرغبة في العثور على أرض لم يسبق استكشافها. ومهما كانت الوسيلة التي استخدمها الناس للوصول إلى أقصى الشمال في استكشافهم للمنطقة القطبية الشمالية طوال قرون عديدة، فقد كان على كل مستكشف أن يصارع عدوًا رئيسيا واحدا - هو الجليد القاسى الأبدي.
فليس من المستغرب إذن أن اعتبر أغلب مستشفى القطب، الجليد الشيء الوحيد الذي يجب أن يقهر.
كان هذا الشعور أحد الأمور التي أثرت في نظرة الإنسان لاستكشاف القطب، أو لنقل: الاستكشاف المنطقة القطبية. فالجليد الأبدي يوحي الأغلب الناس بالقفر، كما توحي به الصحراء تماماً، ويوحي القفر بانعدام الحياة، وكانت فكرة الناس عن الكيفية التي يصلون بها إلى المنطقة القطبية مبنية أساسا على النكرة بأن الرحلة إلى تلك المنطقة تشبه إلى حد ما العوم تحت المياه الباردة المسافة بعيدة.
وإذا كنت بصدد العوم تحت الماء فإنك تأخذ شهيقتا طويلا وتمسك بالهواء في رئتيك، وسوف تتمكن من البقاء تحت سطح الماء بالقدر الذي يبقاه نفسك فقط، وقد ظن الناس أن المسافر إلى المنطقة القطبية يجب عليه أن يتزود بمقومات الحياة وأنه يمكنه أن يبقى على قيد الحياة في أقصى الشمال بالقدر الذي تبقاه مؤنت فقط.
والآن إذا أخذ أحدنا شهيقاً عميقا وغاص تحت الماء، ثم ارتطم بعائق أو حبس بين صخرتين فإن نفسه ينهار ويغرق، وكذلك إذا حبس أحدنا في الجليد القطبي. كما حدث لجميع المستكشفين الذين استخدموا السفن في وقت أو في آخر، فإن مؤنته تنتهي ويكون في ذلك نهاية حياتهم.
وعلى الرغم من نبوغ الإنسان في إيجاد سبل العمل المستحيلات، فإن المئات العديدة من الأرواح راحت في الشمال نتيجة تطبيق سياسية وخذ شهيقا عميقا واحبس نفسك وفي الاستكشاف. ولقد تسبب هذا الاتجاه في التفكير في وقوع مأساة من أعظم مآسي المنطقة القطبية. والعجيب أن ما نتج عن هذه المأساة هو التطور الحديث لاستكشاف المنطقة القطبية الشمالية.
في عام 1845 أقلعت السفينتان والجحيم المظلم، والرعب والتابعتان للبحرية الإنجليزية، من إنجلترا تحت أمر السير جون فرانكلين حاملتين ۱۲۹ رجلا.
وكان الغرض من هذه الرحلة استكشاف طريق من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهادي خلال الجليد وعبر الأراضي المجهولة شهالى كندا. وكان السير جون ضابطاً مرموقاً حكيماً وشجاعاً، ولو أنه لم يكن قوي البنية. وكانت سفينتاه ورجاله أقوياء ذوي خبرة وأخذ معه من المؤن ما ظن أنه يكنى لخمس سنوات.
وفي أواخر يولية عام ۱۸45 شوهدت السفينتان من سفينة لصيد الحيتان عند مدخل مضيق لانكستر الذي يقع على مسافة تبلغ حوالي ۱۲۸۰ كيلومتراً من شمال النهاية العلوية لخليج هدسون، و144 كيلومتراً تقريبا شرق بحر بوفورت.
ومنذ ذلك الحين لم ير رجل واحد من مائة وتسعة وعشرين رجلا حيا مرة أخرى على الإطلاق اللهم إلا إذا كان الإسكيمو قد رأوهم، ولم يعثر على أي من السفينتين، ولقد عثرت بعثة أخرى قامت فيما بعد على سجل يروي ما قامت به البعثة حتى أبريل عام ۱۸۹۸، ولكن ما حدث لأولئك الذين صمدوا حتى ذلك التاريخ لم يمكن معرفته إلا عن طريق الحدس والتخمين.
وتتابعت البعثات المنظمة للبحث عن فرانكلين لعدة سنوات بعد ذلك التاريخ ولكنها وجدت فقط آثارا مبعثرة لبعثته. وعلى أي حال فقد أضاف الباحثون إلى معرفتنا بالمنطقة القطبية الشمالية ومسالكها أكثر مما كان يتعلمه الناس في خمسين عاما لو لم يدفعوا للبحث عن البطل المفقود. وكانت نتيجة ذلك أن أسهم السير جون فرانكلين دون أن يعرف في سيطرة الإنسان على العال القطي.
إلا أن المستكشفين، وحتى أمهرهم وأكثرهم خيرة، كانوا بطيئين في الانتفاع من دروس المآسي والموت. وبقي الأمر كذلك حتى جاء قائد عظيم آخر وبعثة أخرى، بعد مضى 18 عاما، ليبين الطريقة التي يمكن أن تقهر بها المنطقة القطبية الشمالية وتقل مخاطرها. ومن الغريب أن البعثة الكندية للمنطقة القطبية ۱۹۱۳ - ۱۹۱۸ بقيادة ثيلجا لمور ستيفانسن التي وضعت نهاية السياسة «خذ شهيقا عميقا واحبسه، في السفر على الجليد، ولقد كانت هي أيضا آخر بعثة أرضية عظيمة نظمت إلى المنطقة الشمالية.
كان فيلجا لمورستيفانسن شابا من أصل أيسلندي ولد في كندا، وتعلم في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن عمره كان 34 عاما فقط في عام ۱۹۱۳ فإنه كان قد سبق له قضاء ستة أعوام في المنطقة القطبية الشمالية ضمن بعثتين مختلفتين.
وقد تدرب في تعليمه ليكون عالما في الأجناس البشرية - وعالم الأجناس البشرية هو الذي يهتم بالتاريخ الطبيعي للإنسان - ولقد قام في رحلتيه الأوليين بدراسة أهالي المنطقة القطبية فاكتشف فريقاً من الإسكيمو لا يعلمون شيئا تقريبا عن حضارة الجنس الأبيض، وكانوا في أغلب تصرفاتهم بدائيين كما لو كانوا من مخلوقات ما قبل التاريخ.
درس ستيفانسن الإسكيمو لا كعينات متحفية، ولكن كمخلوقات بشرية أمكنها أن تعيش في منطقة أصيب فيها الرجل الأبيض عادة بالفاجعة. فدرس طعامهم وطرقهم في الصيد وبناء المنازل وملابسهم وسبل ترحاله، وقرر أنه إذا كانت تلك الأمور قد مكنت الإسكيمو من الحياة في المنطقة القطبية الشمالية فإنها يمكن أن تعين الرجل الأبيض على الصمود والبقاء في المناطق القطبية.
وبإطالة مدة بقائه بين الإسكيمو ازداد ما أخذه عنهم وكانت النتيجة أنه سرعان ما اعتاد المعيشة في المنطقة القطبية الشمالية شتاء أو صيفا، وسواء أكان الطقس جميلا أم ردينا.
وعلى أي حال فلم يكتف ستيفانسن بما أمكنه أن يتعلمه من الإسكيمو وساعده عدم انزعاجه بمعتقداتهم وخرافاتهم البدائية على ابتكار أفكار قال الإسكيمو عن بعضها إنها تجلب له الموت والفناء. وباصطياده لسباع البحر والدببة من البحر الجليدي شمال ألاسكا لم يجد سببا لتصديق الإسكيمو عندما قالوا له إنه إذا ذهب بعيدة جدا عن الشاطئ فسوف لا يجد سباع البحر أو دببه.
وفي عام 1913 اقترح ستيفانسن تنظيم رحلة إلى المنطقة القطبية الشمالية تكون من أتم الرحلات العلمية تنظيما، ووضع الخطة بحيث تنقسم البعثة إلى قسمين، يذهب أحدهما إلى أقصى ما يمكن شمالا على الجليد أو خلاله للتحقق من وجود أرض يابسة هناك، وكان على القسم الآخر أن يقوم بعمل مساحة ورسم الخارطات ودراسة أحوال الأهالي، وحياة الحيوان والنباتات البحرية والبرية وكذلك دراسة الخامات المعدنية في المنطقة وأخذ الأرصاد الجوية وجمع أمعلومات أخرى مفيدة.
ولما كان الجزء من المنطقة القطبية الذي أراد أن يعمل فيه يقع أغلبه في كندا أو في شمالها فقد وضعت الحكومة الكندية البعثة تحت رعايتها، وبعد الانتهاء من الإعداد الذي بذلت فيه عناية فائقة، أبحر ستيفانسن من نوم بألاسكا في بولية عام ۱۹۱۳ على ظهر باخرة كبيرة صاحبتها سفينتان صغيرتان، وأقلت السفن الثلاث فريقا كبيراً من الرجال العلميين والبحارة، كما حملت معها أدق مجموعة من المعدات لم يسبق أن اكتملت مجموعة مثلها لاكتشاف المنطقة القطبية الشمالية.
ولقد رسمت الخطة للرحلة العظيمة بعناية عظيمة حيث كان هناك بديل لكل شيء، فإذا حالت الظروف دون تنفيذ إحدى خطوات البرنامج كانت هناك خطوة أخرى نتخذ بدلا منها في الحال.
ولقد وضحت مزايا تلك الخطة في وقت أسرع مما كان يتوقعه أعضاء البعثة، فيممت كل من الباخرتين الصغيرتين وألاسكا» و «ماري ساكس، وجهنهما نحو الشرق قريبة من شاطئ شمال ألاسكا ووصلتا إلى بقعة يمكن إقامة معسكر الشتاء فيها. ولم يكن للباخرة الكبرى «كارلوك، حظ الباخرتين الأخريين، فلقد حدث أن انغرست عميقا في الجليد في الأسبوع الثاني من أغسطس ولم تتحرك على الإطلاق بفعل آلانها، ولم يعرف وقتئذ بالطبع، أن الباخرة «كارلوك» قد انتهت، ولكن كان المسلم به هو أنه كان عليها أن تقضى الشتاء في الجليد.
كانت تلك الحادثة ضربة قاسية، ولكن احتمال حدوثها كان قد أخذ في الاعتبار. كانت ضربة لأن أعضاء البعثة كانوا يتوقعون أن يتقابلوا في المعسكر الشتوى حيث تجتمع الفرق العلمية وتوزع المعدات فيما بينها. لكن ما حدث ه أن بعض الناس الذين كان يجب أن يكونوا على البر، كانوا على ظهر الباخرة وكارلوك، في حين أن البعض الذين كانوا في المعسكر الشتوي فعلا انفصلوا عن معداتهم.
وكان من أهم الأمور الواجب مراعاتها هو توفير سبل الصحة والسعادة الأولئك الذين انعزلوا على ظهر الباخرة كارلوك. وكان ستيفانسن يعلم أن الوفير من اللحم الطازج يساعد على ذلك، وحيث إن الباخرة انغرست في الجليد بالقرب من منطقة كان القائد يعلم أنها أرض صيد طيبة، فاصطحب معه ثلاثة من أعضاء البعثة. واثنين من الإسكيمو، وثلاث زلاقات، وشق طريقه فو الجليد نحو الشاطئ. وفي نيته ألا يغيبوا أكثر من أسبوع أو أسبوعين، وكان أحد الذين صاحبوا ستيفانسن في هذه الرحلة مصورة فوتوغرافيا أصبح اسمه في بعد - السير هيربرت وبلكنز - من الأسماء المشهورة في تاريخ المنطقتين الشمالية والجنوبية وفي أثناء سير فريق الصيد في طريقه إلى الشاطئ هبت عاصفة مروعة واضطر رجال الفريق للتوقف حتى مرت، وعندما تمكنوا ثانية من النظر نحو البحر كانت الباخرة كارلوك قد اختفت، ولم يرها أحد من فريق الشاطئ مرة أخرى، هذا على الرغم من ورود أخبار عنها من عدة أماكن على ساحل ألاسكا. وكان سيتفانسن يعلم أنها ربما تظهر في الربيع لكنه كان يخشى ألا تظهر.
ذلك كان موقفه كقائد البعثة بأكملها، سلب منه نصف رجاله ومؤونته وأكبرسفته، كان موقفا صعبا جدا.
وكان نصيب ستيفانسن في عمل البعثة هو استكشاف بحر بيوفورت الذي يقع بين رأس باري وألاسكا وجزر باري شمال كندا. وكانت مهمته هي البحث عن أرض جديدة في بحر بيوفورت ذاته وشمال أرخبيل باري.
والآن وقد استقر رأيه على أن فقد كارلوك لا يبرر قضاء الشتاء في خمول، عقد العزم على تنفيذ خططه. ولم يكن هناك داع للقلق على الرجال الذين عزلوا على سطح السفينة، إذ كانت لديهم سبل الوصول إلى الشاطئ فوق الجليد إذا كانت السفينة قد تحطمت، أضف إلى ذلك أنه كان لديهم الوفير من المون.
وتنفيذاً لهذا القرار قضى ستيفانسن خريف ۱۹۱۳ - ۱۹۱۶ شتاءه ف سفر على شاطئ بحر بيوفورت الألاسكى، ملتقطا معه في أثناء سفره رجال من الإسكيمو والكلاب والزلاقات والمؤن، ومواصلا رسم خطط العمل لكل من تسمى البعثة.
وذهب فريق العلماء الذين اتجهوا جنوبا إلى المعسكر الشتوي على زعم أنهم لا يمكنهم القيام بأي عمل خارجي حتى حلول الربيع. ولم ترق لهم رغبة ستيفانسن في مواصلة استكشافه لجليد بحر بوفورت، إذ كان يعتقد أغلبهم أنه لم يكن ليقدر على عمل أي شيء بدون سفينة. لكنه كان أعرف منهم، وكان على أهبة السفر عند حلول شهر مارس عام 1914.
ولو أن شخصاً وقف في ذلك الوقت على الشاطئ الشمالي لألاسكا ونظر نحو القطب لرأي قفاراً من الجليد لا انقطاع فيها تقريباً تحت سماء رمادية في لون الحديد اصلب مزركشة برقاع سوداء حيث كانت تنعكس المياه المكشوفة من السحاب.
إلا أن الجليد الذي كان يراه لا يشبه ثلج الانزلاق أو احتفالات الشتاء. إنما هو كيلومتر بعد كيلومتر من سلسلة جبلية مصغرة انبثقت منها كتل ثلجية عظيمة وصل ارتفاعها إلى ارتفاعات المنازل وملئت الانخفاضات التي بينها بقطع مبعثرة غطاها الجليد المنفوش.
ذلك هو العالم المفزع الذي أزمع دخوله ستيفانسن وصاحباه مزودين بزلاقة واحدة منه كلاب قبل هبوب عاصفة عاتية في ۲۲ من مارس عام 1914، وعلى الرغم من أنه كان لديهم مؤن تكفيهم لمدة تزيد على الشهر بقليل وأن ستيفانسن قرر أن يبقوا على الجليد عدة شهور إذا لزم الأمر. فلقد كان يعتقد أنه يمكن لفريق صغير من الرجال أن يعيش أي فترة زمنية مهما كان طولها في المنطقة القطبية لو زود الفريق بالملابس المناسبة والمعدات العلمية ومعدات الطهر والأسلحة النارية والذخيرة.
وهناك كان أعضاء القسم الجنوبي من البعثة الذين لم يوافقوا ستيفانسن على رأيه ولم يترددوا في التصريح بذلك، ولقد شعروا، بل عبروا عن شعورهم علنا، بأن قائدهم كان غير متزن قليلا. كما أنهم اعتقدوا أيضا أنه مقدم على نوع من الانتحار غير المجدي بطريقة مسرحية.
وكان ستيفانسن قد طلب قبل رحيله إرسال السفينة والنجم الشمالي، لمقابلته عند جزيرة بانكس، تلك الجزيرة الكبيرة التي تقع إلى جانب الشاطئ الشرق البحر بيوفورت، ولما لم يعد بعد بضعة شهور قرر معارضوه في القسم الجنوبي أنه من العبث إرسال السفينة، فما الداعي إلى الخاطرة بسفينة جيدة في الجليد إذا كان فريق الزلاقة قد لقي حتفه فعلا، ومن المؤكد أنه لن يعثر لهم على أثر مطلقا؟
إنها كانت عملية حسابية بسيطة. فلقد أخذ ستيفانسن معه من الطعام ما يكنى لمدة أربعين يوما، وها هو قد مر على رحيله مدة أطول من ذلك بكثير فكيف يمكن أن يكون حيا؟
لنلق بنظرة على الجليد ونر ماذا كان يحدث للمستكشف «غير المتزن» وفريقه، فعندما أقلع ستيفانسن من شاطئ ألاسكا صاحبته كلاب عديدة ورجال ذوو خبرة حملوا معهم المزيد من المؤن، وفي السابع من أبريل أرسل القائد تلك الفرق لتعود إلى الشاطئ على بعد 80 كيلومترا ومعها خطابات تحوي خططه. وجاء في الخطابات أيضا تعليمات "للنجم الشمالي"، بأن تحمل بالذخيرة والزلاقات والمعدات العلمية، وأن تبحر نحو الشمال على طول شاطئ جزيرة بانكس في أوائل الموسم ثم تبحث عنه بين الجزر الشمالية.
ثم اتجه فريق ستيفانسن الدائم نحو الشمال الشرق إلى المجهول، وكان الفريق يتألف من القائد نفسه، وستوركر ستوركرسون، وأول أندريسين وزلاقة تزن 90 كيلوجراماً محملة بمعدات وزنها 450 كيلوجراما يجرها ستة كلاب.
وفي أول يوم بلغ ما قطعوه مئات من الياردات فقط عندما وصلوا إلى شق في ثلج ظهرت منه المياه مكشوفة فاضطروا إلى التوقف، وفي اليوم الثاني قفل ذلك الشق، ولكن الرجال والكلاب تمكنوا من قطع ميل واحد فقط صادفوا بعده شقا ثانيا فاضطروا لإقامة معسكره وانتظروا فيه. وفي اليوم الثالث قطعوا ثلاث كيلومترات نحو الشمال، لكن سقوط الجليد والريح العالية التي ازدادت قسوة أجبرتهم على التوقف وإقامة معسكرهم.
وبينما كانت الرياح تزأر حول الخيمة الخفاقة كان المستكشفون الثلاثة مستلقين داخلها ينصتون لقرقعة الثلج المتشقق وارتطام الكتل الضخمة المتساقطة من الحروف مدفوعة بضغط الريح. وظلت تلك الحروف التي بلغ ارتفاعها في بعض الأحيان ۹ أو ۱۲ متراً ترتفع حول الخيمة. وكانت في بعض الأحيان قريبة جدا من الحيمة، بحيث لو أن كتلة كانت قد سقطت من قمتها المتحركة لسحقت الخيمة بمن فيها من كلاب ورجال وزلاقة بنفس السهولة التي تسحق بها ذبابة.
وفي ذلك الظلام الزائر مر بالخيمة دب قطبي على بعد خمسة أمتار منها وعلى بعد متر ونصف متر من الكلاب، كما دلت عليه آثاره التي وجدت في الصباح، ولقد كانت العاصفة مخيفة لدرجة أن الرجال لم يحسوا بمرور الحيوان الضخم وكذلك الكلاب. والظاهر أنه لم يدر بما فاته من أكلة شهية.
وبعد انتهاء العاصفة التصق الثلج بعضه بعض بالتجمد، ولقد جعل ذلك السير عليه أقل خطراً إلى حد ما، ولو أنه كان أشبه بمحاولة عبور الغابة بالانزلاق على قمم الأشجار.
وكان الرجال الثلاثة يسيرون غور البحر من تحتهم بانتظام في أثناء تقدمهم شمالا، فوجدوا أنه يزداد عمقا كلما تقدموا، حتى أصبح في النهاية أعمق من أن يقاس بجهاز سبر الأعماق الذي كان معهم والبالغ طول سلكه ۱۳۰ متراً.
فواصلوا سيرهم باذلين جهدهم لقطع أكبر مسافة ممكنة على الثلج قبل أن تتمكن شمس الربيع الدافئة الخطرة من جعل الثلج الذي تحت أقدامهم رخواً. ونظراً الحاجتهم إلى الإسراع لم يحاولو صيد الحيوان لطعامهم إلا عندما كانوا يستهلكون ما تحمله زلاقتهم من المؤن.
وبعد مضي شهر وهم على الثلج بينت أرصادهم أنهم كانوا على بعد ۳۲۰ كليومتراً في عرض البحر منحرفين قليلا إلى الشمال الشرقي من نقطة البداية، ولم تكن هناك أي علامة على وجود أرض يابسة. وكان المحيط يتزايد في العمق، وبدا الثلج الذي كانوا سائرين عليه منحرفا قليلا نحو الشرق.
وفي الخامس والعشرين من أبريل قرر ستيفانسن السير أثناء الليل والاستراحة في أثناء النهار، إذ لم تكن الليالى حالكة الظلمة، كما أن ظروف السير على الثلج كانت أحسن تحت الشمس الضعيفة. لكن سرعان ما أصبح واضحا أن الربيع كان أطول مما يسمح بمواصلة السفر الآمن على الثلج إلى ما شاء الله.
فالشقوق المائية التي كانت تتجمد في مارس بحيث يمكن عبورها بوساطة الزلاقة والكلاب رفضت في أواخر أبريل أن تلتئم إلا من قشرة ثلجية ضعيفة لا يؤمن *السير عليها.
وكان على ستيفانسن أن يحزم أمره في هذا المكان الذي يبعد ۳۲۰ كيلومتراً عن أي أرض حوله والذي لم تطأه قدم إنسان أو إسكيمو من قبل، فهل كان ينبغي له أن يعود من حيث أتي، علما بأن الثلج كان يزداد رداءة يوما بعد يوم؟
أم يتجه شرقا نحو جزيرة بانكس أو جزيرة برنس باتريك طبقا لخطته التي رسمها من قبل؟ وكان عليه في هذه الحالة الأخيرة أن يخوض في جزء من البحر لم تمخره سفينة من قبل، فهو بذلك مجهول حتما، ويصلح أن يكون مادة مناسبة للاستكشاف.
وكان قرار ستيفانسن هذا الذي لم يرتح إليه صاحباه، يعني قضاء سنة أسابيع أخرى على الأقل فوق الثلج. وكان الطعام الذي جلبوه معهم يكفيهم البضعة أيام فقط، هذا، علما بأنهم لم يروا إلا القليل من سباع البحر والدببة منذ مدة. ومع كل في السابع من مايو ظهر سبع بحر بعيداً جدا، وعلى ثلج رخو جدا، إلا أنه كان سبع بحر، وبدلا من إضاعة الوقت في محاولة ميئوس منها للحصول على سبع البحر جلس الرجال الثلاثة وأكلوا أكلة كبيرة من طعامهم الذي كان يختفي بسرعة، لعلهم أنهم كانوا مقدمين مرة أخرى على موطن السباع البحر ولم تعد لهم حاجة إلى تخزين الطعام ثانية.
ولم تسنح لهم فرصة الحصول على أول سبع بحر إلا بعد أكثر من أسبوع، لكنهم بحصولهم عليه توافر لهم الوقود من زيته والطعام من لحمه، وبعد ذلك الوقت لم يشعروا بالجوع مرة أخرى على الإطلاق. بل لقد اضطروا، في الحقيقة. إلى البقاء في المعسكر يوم ۲۱ من مايو دون مواصلة السفر، لأنهم كانوا قد أكلوا أكثر من اللازم في اليوم السابق!
والآن وقد أصبح الدفء يتزايد يوماً بعد يوم، كانت شقوق المياه المكشوفة تزداد اتساعا كما كانت تتزايد عدداً، وقد كانوا يعبرون تلك الشقوق بلف الزلاقة في قماش سميك غير منفذ للماء صانعين بذلك قاربا من الزلاقة. أمكن استخدامه في نقل الرجال والكلاب والمعدات على سطح الماء. وفي الثاني والعشرين من مايو، وكان قد مضى عليهم شهران وهم فوق الثلج، بدأت الكتل الثلجية تتحرك غربا بعيداً عن الأرض التي كان يقصدها المستكشفون، ولقد تمكنوا من السير شرقا لفترة من الزمن فأفلحوا بذلك، وبعد مجهود كبير من الاحتفاظ بموقعهم كأنهم ساكنون.
وفي الرابع والعشرين من مايو وقفوا تماما على جزيرة ثلجية كبيرة بلغ سمكها ۱۰ متراً ومساحتها حول 10 أو ۱۲ كيلومتراً مربعا، وكانت محاطة من جميع الجهات بمياه مكشوفة واسعة وهائجه بدرجة لم تمكنهم من عبورها على الزلاقة الملفوفة بالقماش السميك.
وكان ستيفانسن يعلم أنهم يمكنهم ركوب تلك الجزيرة الثلجية العائمة إلى ما شاء الله دون أن يخشوا تصدعها، ولكن ذلك يعني أنه كان عليهم أن يذهبوا إلى حيث ذهبت حتى تتجمد في بحر ثلج في الشتاء التالى. ومعنى ذلك أنه كان عليهم قضاء الصيف بل ربما الشتاء أيضا حيث كانوا. وكان عليهم أن يخزنوا في أثناء الصيف سباع البحر الكافية لتزويدهم بالطعام والوقود في زمن الشتاء المظلم حيث يستحيل الصيد.
وكان هناك الوفير من سباع البحر حولهم ولكنها كانت صعبة الصيد وكان هناك أيضا، كما هي العادة في وجود سباع البحر، مجموعة من الدبية القطبية غير المسالمة، دأبت على التسلل نحو الكلاب لاقتناصها. على أنه بحلول الثالث من شهر يونية كان الرجال قد قتلوا خمسة دببة.
وفي الخامس من يونية تمكن الرجال من عبور شق ماني نحو الشرق بعد أن انجرفت بهم الجزيرة 144 كيلومتراً بعيداً عن خط سيرهم، ونقلوا عبر الشق 45 كيلوجراماً من اللحم الأحمر والدهن إلى كتلة ثلجية أصغر. وتمكن الفريق من السفر المتصل في الاتجاه الجنوبي الشرقي ولو أنه كان بطيئا، وذلك بالسير في الاتجاه الشمالي الشرق!
وفي الثاني والعشرين من نونية، وبعد مضي ثلاثة أشهر على تركهم ألاسكا؛ نظر ستيفانسن نحو الشرق وظن أنه رأى حدود أرض يابسة. وفي اليوم التالى ظهر الشاطئ بوضوح فقد كان بعده عنهم لا يزيد على 16 كيلومتراً! ولم يكن ذلك أرضا جديدة إنما كانت جزيرة النرويج وهي قطعة صغيرة من الأرض متفرعة من الشاطئ الغربي لجزيرة بانكس. وعلى الرغم من أن حدودها لم تكن بالشكل الذي ظهرت به على الخارطة فإنها كانت هي بالضبط ما كانوا يبحثون وكان يغطى ثلج جزيرة النرويج مساحات من البرك المائية والجليد اللين العميق على التبادل، وفيها خاض الرجال وعامت الكلاب وطفت الزلاقة.
وكانت رحلتهم مضنية إلا أن ذلك الثلج كان قريبا من الأرض، وبذلك كان ماموتا، فلم يكن لينجرف بالمستكشفين ويأخذهم إلى حيث لا يرغبون الذهاب.
وفي الخامس والعشرين من يونية خطا الرجال الثلاثة نحو الشاطئ، بعد أن قضوا 16 يوما في البحر سافروا خلالها ۱۱۲۰ كيلومتراً. (ليقطعوا مسافة فعلية تبلغ حوالي ۸۰۰ كيلومتر).
وهناك وجدوا الحشيش الأخضر والأزهار بوفرة كبيرة، والطيور والنحل الذباب وآثار رنة أمريكا الشمالية. وما إن وطئت قدما ستيفانسن الأرض اليابسة حتى قتل عدداً من الحيوانات وأقام معسكراً في مكان سقوطها. ولحم الرنة الأمريكية لذيذ الطعم للغاية، ولقد لاقى استبدال سبع البحر والدب به ترحيبا واستحسانا.
ولقد قضى الرجال الثلاثة صيف المنطقة القطبية الشمالية الجميل كله في صيد الرنة الأمريكية، وتجفيف لحمها للأيام المقبلة، ودبغ جلودها للملابس الشتوية. واستكشفوا جزيرة بانكس ومسحوا جزءاً كبيراً من شاطئها الغربي، وكانت أنظارهم متجهة باستمرار نحو الجنوب حيث كانوا يتوقعون مجي والنجم الشمالى، لملاقاتهم.
وانتهى شهر أغسطس - وهو أحسن موسم للملاحة في حذاء الشاطئ – دون أن تصل السفينة «النجم الشمالى، وبدأ يصبح عدم وصولها على الإطلاق أمراً مؤكداً. واعتقد ستيفانسن أن شيئا قد حدث لها، وهو على علم بحقيقة الأمور وقتئذ، فلم يخطر بباله ألبتة أنها لم ترسل لملاقاتهم على الإطلاق.
وفي أول سبتمبر بدا الرجال القلقون الثلاثة السير جنوبا على شاطئ جزير بانكس متجهين نحو نقطة تعرف برأس كيليت، حيث كان يوجد مأوى صالح للسفن إذ ظن ستيفانسن أنه إذا كانت السفينة قد صادفت بعض المتاعب فمن المحتمل أن تكون قد تركت لهم رسالة، أو أودعت لهم المؤن في مخبا في ذلك المكان.
ووصل المستكشفون إلى رأس كيليت في الحادي عشر من سبتمبر، وهناك ثبطت عزائمهم تماماً، لكن شعورهم تغير عندما رأوا أثر قدم، ولاحظوا ظهور سارية مركب أعلى الرأس المنخفض إذ كان في ذلك دلالة على احتمال تحسن الأمور. وعندما وقع نظر ستيفانسن على السفينة وجد أنها لم تكن هي التي أمر بإرسالها لمقابلته، إنما كانت وماري ساكس، إحدى السفينتين المخصصتين للقسم الجنوبي. وكانت قد سحبت من الماء وفرغت حمولتها. وأمكن رؤية رجال عديدين يقيمون منزلا بالقرب منها.
وقد ظن ستيفانسن وهو يقترب من السفينة أن الرجال رأوه لكنهم استمروا في عملهم غير ملتفتين إليه على ما يظهر. فواصل اقترابه وهو في حيرة، وفي النهاية رفع أحد الرجال بصره، وإذا بالآلة التي كان ممسكا بها تسقط منه وقد فغر فاه وجعل يحملق فيه غير مصدق ما يراه. وعندما تحقق من رآه صاح: استيفانسن حي. إنه هنا!،. والقول بأن دهشة الرجل أصابت ستيفانسن بالحيرة فيه تخفيف، ألم يقل ستيفانسن انه كان سيصل هناك حوالي ذلك الوقت. فما سبب رد الفعل الغريب إذن؟
والحقيقة هي أنه لما كان القسم الجنوبي قد دخل في روعه أن ستيفانسن مات فكان من المنطقي أن يتولى القيادة الرجل الذي يليه، وهو الدكتور أندرسن، وتضمن ذلك إلغاء أوامر ستيفانسن وتعليماته ومن بينها إرسال والنجم الشمالي، إلى جزيرة بانكس حاملة الرجال والمؤن والمعدات.
وأراد الدكتور أندرسن الاحتفاظ وبالنجم الشمالي، فأرسل وساكس، بدلا منها، هذا على الرغم من أن ستيفانسن كان يشعر أن رفاصيها التوأمين كانا يحدان من صلاحيتها للعمل في الثلج. وقد صدق شعوره، إذ فقدت السفينة أحد رفاصيها في الثلج وتسربت إليها المياه لدرجة أنها كانت تفرغ ماءها لمدة أربعين دقيقة في كل ساعة، وكانت أقصى سرعتها ثلاث كيلومترات في الساعة فقط. وعلى ذلك فقد سحبها بحارتها إلى الشاطئ، ناسين أنه ليس لديهم الواح خشبية قوية لإزلاتها في الماء ثانية، وكان في ذلك نهاية السفينة فقرر بحارتها إقامة منزل ليكون مأوى شتويا لهم آملين أن يلتقطهم أعضاء القسم الجنوبي فيما بعد..
وحيث إن فريق الجنوب أعتقد أن ستيفانسن مات فلم يروا ضرورة لإرسال المعدات التي طلبها، وكان هيوبرت ويلكنز أحد مؤيدي ستيفانسن في البعثة على ظهر السفينة «ساكس، ولكن حتى هو لم يصدق أن القائد يمكنه الصمود فعقد العزم على البحث عن آثار ستيفانسن على الشاطئ، ولكن لم يكن يراوده أمل حقيقي في العثور على أي شيء.
وعلى الرغم من أن ماري ساكس، كانت محملة بكمية من المؤن فإنها لم تكن لتكى الفريق برجاله وكلابه طوال الشتاء بأكمله: وكانت هناك حاجة إلى اللحم والطازج، إلا أن الوقت كان بدأ يصبح متأخرا، فحول ستيفانسن اتجاهه وذهب للصيد لهم - ليطعم المغاث مغيثه!
وبعد قضاء الشتاء في رأس كيليت، في إعداد الطعام والمنبس للعمل في أثناء السنة، بدأ ستيفانسن رحلته إلى الشمال ثانية، ومرة أخرى استخدم طرقه في السفر ذاتها، تلك الطرق التي ظل قسم الجنوب يعتقد (واستمروا في اعتقادهم سنة أخرى) أنها أدت إلى وفاته، ولم يعد هو ورفاقه إلى البر حتى سبتمبر عام. ۱۹۱۷ وظلوا في الميدان طوال المدة من مارس 1914 حتى ذلك التاريخ يستهلكون ما كان لديهم من المؤن حتى ينفد ثم يعتمدون بعد ذلك على المنطقة في الطعام والوقود والمأوى ( في صورة بيوت جليدية ) والملبس.
ولقد اكتشفوا في الفترة ما بين خريف ۱۹۱۹ وخريف ۱۹۱۷ أراضي جديدة كثيرة، من بينها الجزائر المعروفة الآن بأسماء بوردن، بروك، لويد، وماكينزي كنج وميين، ورسموا خارطات للشواطئ وغيرها مما كان سبق رسمه خطأ. وتمكنوا كذلك من إثبات أن هناك أرضا حددت على المصورات والخارطات، لم يكن لها وجود في الحقيقة.
وعندما ذهب ستيفانسن شالا من رأس كيليت في ربيع ۱۹۱۰ عرف أن الباخرة «كارلوك، قد سحقتها الثلوج على بعد مئات الكيلومترات نحو الغرب، ولقد اعتقد أن بحارتها والعاملين عليها وصلوا سالمين إلى الشاطيء مستخدمين طرق السفر على الثلوج التي وضعها بنفسه، ولم يكن يعرف بمأساة ركاب السفينة وفقد بعضهم الذي كان من المحتمل تفاديه، إذ وجد هؤلاء الناس أنه من الصعب عليهم مسايرة الظروف التي كانت تبدو لستيفانسن كأنها جزء من عمله اليومي.
ولا يوجد في تاريخ السفر إلى المنطقة القطبية الشمالية سجل لعمل فذ يضاهي ما أحرزه ستيفانسن، ولو لم تأت البعثة الكندية للمنطقة القطبية الشمالية في ۱۹۱۳ – ۱۹۱۸، قبل أن تصبح الطائرة على أهبة أخذ مكانها في أعمال المنطقة القطبية مباشرة، لأحدثت طرق ستيفانسن ثورة في السفر إلى المنطقة القطبية.
فلقد فتحت تلك الطرق السبيل إلى عالم زاخر للمعرفة بالأراضي القطبية. ولا يبدو الرجال بمعوزين على الإطلاق إلى عمل ما كان يعتقد أسلافهم استحالة عمله، بمجرد ما ينقشع عن عقولهم ضباب الخرافات والعقائد التي لا أساس لها، وحتى لو أضافت الاستكشافات والمكتشفات قدراً ضئيلاً فقط في كل مرة لمعرفة الإنسان، فإنها لا تزال تبرهن، كما فعل ستيفانسن على أن المستحيل ليس خارجا عن متناول الإنسان.