يتعلق بهذا
لقد اعتدنا عجائب العلوم حتى إذا ما سمعنا الأول وهلة عن آلة تكشف عن الهزات الأرضية وتقيسها، فإننا نأخذها مأخذ التسليم.
ولكننا إذا أمعنا النظر فيها لوجدناها عجيبة حقا. فكيف يتسنى لشيء موضوع على سطح الأرض أن يكشف لنا عن سرعة الأرض ذاتها وعن اتجاه حركتها؟ إننا لا نستطيع أن نقدر الحركة مجردة عن كل شيء. فنحن لا نحكم بأن جسماً يتحرك إلا بالنسبة إلى شيء ثابت أو بالنسبة إلى شيء يتحرك بسرعة مختلفة.
فإنك تستطيع وأنت في قطار أن تحكم بأنه يتحرك لأنك ترى من النافذة أن المنازل والأشجار وأعمدة التلغراف تمر أمامك. أما إذا أغلقت عينيك فقي يخيل إليك أنك ثابت لا تتحرك. ويرجع ذلك إلى أنك والقطار تتحركان معاً. وكذلك فإن أية آلة موضوعة فوق الأرض لا بد أن تتحرك معها. فكيف يتسنى لها إذاً أن تحدد لنا اتجاه حركة الأرض نفسها وسرعتها؟ إذ ليس هنالك شيء تقارن به هذه الحركة.
ولذلك يبدو أنه لتسجيل اهتزاز الأرض، أو اهتزاز أي جسم مستقر عليها، لابد لنا أن نعلق الآلة المستخدمة لهذا الغرض بطريقة ما عالياً في السماء، وذلك حتى تثبت الآلة ذاتها عند حركة الأرض. وقد يبدو ذلك مضحكة ولكنه هو فعلا ما قام به العلماء. لقد علقوا آلة التسجيل في سلك.. ولعلك تقول: نعم. ولكن السلك لا يزال على الأرض فكيف يعين
هذا على تحقيق الغرض المطلوب؟ إنه يفعل ذلك بسبب ظاهرة خاصة تسمى القصور الذاتي. وهي ظاهرة غاية في البساطة، نلمس آثارها في حياتنا اليومية، إن هذه الظاهرة لا تعني سوى والكسل، ولعلك سمعت عن الصبي الذي كان على درجة كبيرة من الكسل ولكنه كان في الوقت ذاته عاملا ممتازاً. لأنه كان إذا ما بدأ عملا منعه كسله عن التوقف؟ ذلك هو القصور الذاتي. ونحن عندما نصحو من النوم، فإننا لا نحب أن نعود ثانية إلى الفراش، وإذا احتوانا الفراش فإننا لا نحب أن نغادره.
ولابد لكل من ركب سيارة أن يكون قد تأثر بالقصور الذاتي. فما إن تتحرك السيارة فجأة حتى يرتد الإنسان في مقعده إلى الخلف. لماذا؟ لأن جسمه لا يريد أن يبدأ في الحركة. إنه لا يستجيب فجأة لحركة السيارة فيبق متخلفاً.
وعندما تقف السيارة فجأة فإنه يندفع نحو الأمام، لأن جسمه لا يريد أن يتوقف، فهو لا يستجيب مباشرة لوقوف السيارة، بل يستمر في حركته.
ذلك هو الأساس الذي يمكننا من تسجيل حركات الأرض. فنحن نستفيد من ظاهرة القصور الذاتي في تسجيل السيزموغراف للهزات الأرضية.
وليست هذه الفكرة الجديدة. في عام ۱۳۲ بعد الميلاد اخترع رجل صيني اسمه شانج هنج - كان يعمل مديراً لمكتب التقويم والتاريخ – جهازاً الكشف الزلازل. ولم يكن هذا الجهاز شبيهاً بالسيزموغراف الذي نستخدمه حاليا، ولم يكن جهازاً دقيقاً..
ولكنه كان يقوم على أساس نفس الفكرة التى يقوم عليها الجهاز الحالي. كانت الآلة التي أستخدمها شانج هنج تتكون من إناء نحاسي برميلى الشكل له غطاء، ويبلغ قطره نحو ثلاث أقدام.
وكان على السطح الخارجي للإناء رؤوس ثمانية تنينات يفصلها بعضها عن بعض مسافات متساوية.
وبرأس كل تنين كرة في فيه، ويربض على قاعدة الجهاز ثمان ضفادع، وقد فغرت كل واحدة منها فها متسعاً تحت رأس التنين الذي يقابلها مباشرة كما لو كانت تتأهب لالتقاط الكرة إذا ما سقطت من فه.
وكلما حدث زلزال سقطت إحدى الكرات في في إحدى الضفادع. فقد كان يتدلى من غطاء الإناء خطار «بندول» على هيئة عمود. فإذا ما اهترت الأرض فإن الخطار "البندول"، المتأرجح داخل الإناء كان يقرع ظهر أحد التنينات مما يجعل الكرة تسقط من فمه. فيدل ذلك على أمرين: على أن زلزالا حدث، |وعلى الاتجاه الذي حدث فيه.
وليس جهاز رصد الزلازل (السيزموجراف) الذي نستخدمها اليوم على هذا القدر من جمال المنظر، ولكنه أكثر قدرة على التسجيل. وهو يقوم بعمله بطريقة نبسطها فيما يلي:
يتدلى سلك من قضيب ويعلق بنهاية السلك ثقل تتصل به إبرة تكاد تلامس أسطوانة ملفوفاً عليها ورق تدار آليا. وتستند الأسطوانة ذاتها على قاعدة من الخرسانة المسلحة ترتكز مباشرة على طبقة صخرية أسفلها. فعندما تهتز الأرض تتحرك معها القاعدة المسلحة، وكلما تحركت القاعدة جانبيا تحركت تبعاً لها أسطوانة الورق حركة أمامية خلفية تحت الإبرة المتصلة بالثقل الذي بقي ثابتاً بحكي قصوره الذاتي.
وينتج لدينا خط متعرج ترسمه الإبرة على ورق الأسطوانة. تلك هي الرسالة التي سطرها الزلزال، رسالة لاسلكية تنبعث من الأعماق.
. تلك هي الطريقة التي يسجل بها السيزموجراف، ولكنك إذا نظرت إليه أثناء قيامه بعملية التسجيل، خيل إليك أنه يعمل بطريقة عكسية. فقد تحسب أن الإبرة والثقل والسلك هي التي تحرك وأن أسطوانة الورق والقاعدة المسلحة ثابتتان.
لقد يخيل إليك ذلك لأنك سوف تكون أنت أيضاً متحركاً مع الأرض. وكذلك قد يخيل إليك، وأنت على ظهر سفينة وهي تغادر رصيف الميناء، أن الميناء هو الذي يتحرك، وأنك ثابت في مكانك.
والواقع أن السيزموغراف أكثر تعقيداً مما وصفناه به. فهنالك مثلا جهاز خاص لتضخيم الحركة، فإذا ما تحركت الأسطوانة بمقدار جزء ضئيل من البوصة، فإن الجهاز يكبر هذه الحركة ويظهرها كما لو كانت ثلاث أو أربع بوصات.
بل إن أجهزة الرصد الحديثة ليس بها إبرة تخط اهتزازات الأرض مطلقاً. بل تستخدم بدلا منها شعاعاً ضوئيا للتسجيل، ففيها ينعكس الضوء على طبقة من ورق التصوير الحساس من مرآة معلقة بدقة. ولابد أن يبقى هنا السيزموجراف في حجرة مظلمة.
ولا يستطيع عالم الزلازل المشرف على الجهاز بطبيعة الحال أن يعلم بوقوع زلزال في أحد الأماكن النائية إلا بعد أن يرفع ذلك الورق الحساس ويقوم بتحميضه.
وإننا نقول إن السيزموجراف يسجل حركات القشرة الأرضية. ولكن مان تعني الخطوط التي يسجلها الجهاز على ورق الأسطوانة بالضبط؟
عندما تقطع سلكاً زمبركينا إلى قطعتين، فإن عملية القطع تم في ومض عين، ولكن السلك يستمر برغم ذلك يئز ويتذبذب في حركة أمامية خلفية عدد ثوان أو لمدة دقيقة. وكذلك الحال فيما يتعلق بالزلزال. فالكسر الذي يسبب الزلزال يتم في لحظة.
ولكن الصخر المنكسر يستمر كالسلك الزمبركي المقطوع في تذبذبه فترة من الزمن قد تكون ثواني قليلة أو دقائق. والواقع أن الرعشة التي تسري في الأرض إنما هي رعشة مزدوجة. فهنالك رعشة تدفع الأرض أمامها وأخرى تلويها أو تهزها من جنب إلى جنب.
وتسمى الموجة الأولى للرعشة بالموجة الطويلة. وهي تشبه في حركتها الحرك التي تنتقل من عربة إلى أخرى عندما تدفع القاطرة بالعربة الأولى إلى الأمام | وتنتقل الموجات الطولية خلال الصخور بسرعة كبيرة تبلغ نحو خمسة أميال في الثانية. ولا تستغرق الموجات الطولية لكي تتم دورتها حول الأرض وتعود إلى المكان الذي بدأت منه إلا حوالي عشرين دقيقة.
أما النوع الآخر من الموجات فإنه يبدأ في نفس الوقت، ولكنه يهز حبيبات الصخر هزات جانبية، إنه يشبه الموجة التي تنتقل في الحبل عندما يمسك بطرفي شخصان ويهز أحدهما طرفه ها جانبيا. ويسمى هذا النوع من الأموال بالأمواج العرضية، وهي تنتقل ببطء شديد إذا ما قورنت بالأمواج الطولية فالأمواج العرضية لا تزيد سرعتها على ثلاثة أميال في الثانية.
وعلى ذلك فإن هذين النوعين من الموجات لا يصلان إلى السيزموجراف في نفس الوقت، ولهذا الأمر أهميته البالغة بالنسبة لنا، فالفرق بين زمني الوصول يدلنا على بعد الزلزال عن مكان التسجيل.
وهذا هو بعينه ما يحدث في حالة البرق والرعد. فنحن نبصر البرق أولا ثم نسمع الرعد بعد ذلك. وهذا يرجع إلى أن الضوء ينتقل بسرعة أكبر من الصوت. ونستطيع أن نحدد بعد العاصفة بمعرفة الفرق بين زمن وصول كل من البرق والرعد إلينا.
فإذا كانت تفصلهما فترة زمنية وجيزة كانت العاصفة قريبة، أما إذا استغرق وصول الرعد فترة طويلة، فإن العاصفة تكون بعيدة. وكذلك الحال فيما يتعلق بالموجات الطولية والموجات العرضية. فإذا كانت الثانية تصل بعد الأولى بثانيتين، فإننا نعرف أن الزلزال كان قريباً جدا وعلى بعد 15 ميلا.
أما إذا كانت تفصلهما فترة ست ثوان، فإن الزلزال يكون على مسافة 45 ميلا.
وإذا فصلتهما فترة 400 ثانية أي عشر دقائق فإننا ندرك أن مركز الزلزال يقع على مسافة 4000ميل.. ومن الواضح أن تقدير المسافة وحده لا يقدم العلماء الزلازل كثيراً من المعلومات. فعرفة المسافة لا تعينهم على تحديد مكان الزلزال. إذ قد يكون الزلزال شالا، أو شرقاً، أو جنوباً، أو غرباً، أو في أية نقطة أخرى بين تلك الجهات.
ولهذا فلابد لعالم الزلازل أن يتصل بمرصدين آخرين لكي يعرف ما سجلته أجهزتهما.
فإذا عرف المسافة بين كل منهما وبين الزلزال فإنه يرسم دائرة حول كل مدينة بحيث يكون نصف قطرها ممثلا للمسافة بين المدينة والزلزال. وسوف تتقاطع هذه الدوائر الثلاث المرسومة في نقطة واحدة هي النقطة الدالة على مكان الزلزال.
ولا يثير الخبير ما قد يسجله جهازه من هزات أرضية قوية. وهو لا يسرع في الحصول على ما سجلته المراصد الأخرى لكي يحدد مكان الزلزال لينشر الخبر على عالم يترقب نتائجه، فهو يعلم أن الزلزال الذي يبدو مروعاً على الورق حدث على الأرجح في أحد الأماكن النائية تحت البحر ولن يسمع عنه أحد بعد ذلك، وأن الزلازل المدمرة نادرة الحدوث.
وعلى أي حال فإن العالم لا ينتظر نتائجه لأنه إذا كانت الخسارة قد حدثت فعلا فإن أخبارها سوف تكون على أسلاك البرق قبل أن يرسم عالم الزلازل دوائره ويقوم بتحديد مكان الزلازل. أما إذا لم تكن قد وقعت خسارة، فإن أحداً لن يهتم بأخبارها.
ويستثنى من ذلك علماء الزلازل أنفسهم؛ إذ لعالم الزلازل أن يطمئن إلى أن زملاءه سيولون نتائجه الاهتمام الكافي لأنهم يعتقدون أنه في الإمكان الاستفادة امن صور التسجيلات الزلزالية بصورة أكثر من مجرد تحديد قوة الزلزال وعمقه او بعده. فلقد هيأ لنا السيزموجراف، في الواقع، السبيل للحصول على أصدق صورة عن باطن الأرض.
ولعلك تذكر أننا حينما كنا نناقش طريقة تكوين البراكين، ذكرنا أن بعض الهزات الأرضية تنتقل خلال ال۱.۸۰۰ ميل الأولى من الأرض، كما لو كانت الأرض صلبة.
وما كنا لنعلم ذلك دون الموجات العرضية لأنها لا تنتقل خلال السوائل. وقد وجد أنها تقطع نحو نصف المسافة تقريباً إلى مركز الأرض ثم تتلاشى بعد ذلك، وهكذا يبدو أننا لا نستطيع إلا أن نفترض أن الصخور تفقد صلابها على عمق ۱٫۸۰۰ ميل. ولعلها تتحول إلى سائل زجاجي لا تمر خلاله الموجات العرضية للزلازل.
إن السيزموجراف هو بمثابة الآذان والعيون لكل من يريد أن يعرف ماذا يجري داخل الأرض. وفي بعض الأحيان يكون اهتمامنا بهذه الأمور مجرد اهتمام علمي بحت، وفي أحيان أخرى يكون هنالك دافع عملي خلف هذه المعرفة، كالكشف عن البترول الذي أصبح الكشف عنه أهم استعمال تطبيقي للسيزموجراف.
ولكن هل يستطيع السيزموجراف حقيقة أن يبين المصائد الحاوية على البترول في الصخور؟ كلا إنه لا يستطيع ذلك. ولكنه يستطيع أن يقدم لنا ما يلي ذلك في الأهمية. فهو يستطيع أن يبين لنا مواقع المصائد عامة.
وقد وجد الباحثون عن البترول أنه يرتفع ويتجمع في الأماكن المرتفعة مثل القباب الموجودة بين طبقات الصخور. ويستطيع السيزموجراف أن يبين لنا عمق هذه القباب، فيساعدنا بذلك على اختيار أنسب الأماكن للتنقيب عنه..
ويستطيع السيزموجراف أن يدلنا على ذلك لأن بعض الموجات الزلزالية ينعكس أو يرتد إلى السطح ثانية عندما ترتطم ببعض الطبقات.
لذلك يلجأ المنقبون عن البترول إلى عمل زلزال صناعي، فهم يحفرون حفرة ويفجرون في داخلها شحنة من الديناميت. فتنتقل موجات ذلك الزلزال الصناعي في جميع الاتجاهات، كما تنتقل الأمواج في لجة الماء عندما يلتقي فيها بحجر. وتنتقل بعض هذه الموجات إلى أسفل داخل الأرض، ثم تعود فتنعكس جزئيا بسبب ارتطامهابإحدى الطبقات الصخرية في باطن الأرض.
ويسجل السيزموجراف في أول الأمر رعشة الأمواج التي تصل إليه مباشرة على امتداد سطح الأرض. وبعد بضع ثوان تصله رعشة ثانية. وما تلك إلا صدى للموجات التي سارت إلى أسفل خلال القشرة ثم ارتطمت بطبقة عاكسة فارتدت مرة أخرى.
وتعتبر رحلة الموجة التي اتجهت إلى أسفل ثم انعكست أطول بكثير من الطريق الذي تسلكه الموجة السطحية. وعلى ذلك فمن الطبيعي أن يتأخر وصولها.
ولكن أهم ما في الموضوع هو مدى تأخر هذه الموجات. إن الفرق بين زمن وصول هذين النوعين من الموجات، يكشف لنا عن عمق الطبقة الصخرية العاكسة داخل الأرض.
وتستخدم أجهزة تسجيل الزلازل لهذا الغرض على وجه خاص في الولايات المطلة على الخليج الكاربي بالولايات المتحدة حيث الطبقات الصخرية مدفونة على أعماق سحيقة لا تسمح بظهورها على سطح الأرض.
فالأرض هنالك تكون سهولا منبسطة يغطيها غطاء سميك من الطين والرمال. ويكشف لنال السيزموجراف عما في باطن الأرض وييسر عمل خرائط للقباب الصخرية كما لو كانت ظاهرة فوق الأرضولولا السيزموجراف لضاع كثير من الجهل والمال في الحفر بحثاً عن مصائد البترول.