إن الدوي الذي أحدثه بركان كراكاتوا عند انفجار المرجل الضخم، كان صوته عالياً فوق المعتاد. وكما رأينا من قبل فإن البراكين المخروطية يكثر ضجيجها كلما ثارت.
أما البراكين ذات القباء فقلما يصحبها شيء من تلك المظاهر الصاخبة. فهي النوع الهادئ من البراكين. ومع ذلك فهي تبز في ثورانها البراكين المخروطية، إذ أنها أكثر منها جمالا، وأشد إمتاعاً، وأكثر تنوعاً.
وأفضل ما في ثوران البراكين ذات القباء أنه لا يشوب جمال العرض فيها كوارث الموت. فالواقع أن هذا النوع من البراكين أقل ضرراً من أي نوع آخر.
وتوجد براكين من ذوات القياء في أيسلندا وفي أفريقيا وفي أماكن أخرى من العالم، ولكن على من يريد أن يشاهدها في أروع صورها أن يذهب إلى هاواي. فجزر هاواي، كما تعلم، من الجزر التي شيدها البراكين. وليس من بين هذه الجزر سوى جزيرة هاواي، وهي أكبر تلك الجزر وأحدها، إذ لا تزال في سبيل النمو.
في هذه الجزيرة وحدها نجد البراكين نشطة، كما نجد بركان موناكى الحامد وهو أعلاها جميعاً. وقد قام هذا البركان بدوره في بناء هاواي. كما يواصل مونالوا هذا العمل في الوقت الحاضر.
وفي حين يؤدي مونالوا هذه الرسالة ويوسع من حدود شواطئ الجزيرة فإنه يعد من أجمل مشاهد العالم وأكثرها جاذبية للسائحين. ولا يستطيع من يشاهد مونالوا في أوج ثورانه إلا أن يحكم بأنه أروع مشهد على وجه البسيطة.
وغالباً ما يثور مونالوا مرة كل ثلاث سنوات أو نحو ذلك. وتكاد صواريخه وألعابه النارية تتشابه في كل مرة يثور فيها.. في بادئ الأمر تحدث هزات أرضية خفيفة، ثم لا تلبث الحمر أن ترتفع إلى السطح، ثم تأخذ فتحة البركان العريضة التي يبلغ محيطها خمسة أميال في الانشقاق. ثم تنبثق على طول الشق نافورات نارية من الحمم مرتفعة في الهواء إلى مسافة تتراوح بين 300 و500 قدم، محاكية إلى حد كبير النافورات المعتادة.
ولكن ارتفاع الرذاذ وما يتميز به من الألوان الزاهية والأضواء المتغيرة التي تكون صفراء عند ارتفاع الحمر في الهواء، وحمراء عند هبوطها - كل ذلك يضفي على المنظر روعة خاصة أثناء الليل..
وكذلك تعد حفرة كيلاو يا النارية الشهيرة من مباهج السائحين. ولا تبعد كيلاويا عن فوهة مونالوا بأكثر من ۲۲ ميلا. فهي تبدو كأنها فتحة منخفضة على سفحه. ولكن العلاقة بينهما ليست كالعلاقة بين باريكوتين وزابيكو. فكيلاو يا بركان مستقل بذاته. بل إنه أقدم من مونالوا بالرغم من أنه يبدو كأنه وليده.
ويطلق سكان هاواي على فوهة كيلاويا اسم هاليموما، ومعناها «بيت النار الدائمة». ولكن النار لا تشاهد بصورة مستمرة، ففي بعض الأحيان تكون الحمم على أعماق سحيقة داخل الفوهة. وقد بقيت على هذه الحالة طيلة عشرين سنة حتى امتلأت الفوهة مرة أخرى منذ عهد قريب.
ويستطيع الناس في الوقت الحاضر أن يشاهدوا داخل هذه الفوهة المرجل المتوهج ويروا بركة الحمر وهي تغلى، تغطي سطحها قشرة سوداء لامعة تخللها شبكة من الشقوق المتوهجة، وعند كل شق يغلى السائل ويموج، وحينما ينقلب جزء من القشرة تظهر الحمم الجديدة أكثر توهجاً.
وتنبثق النافورات هنا وهنالك. وعند الحافة حيث تنشي القشرة وتهوي إلى أسفل يتكون صف من النافورات النارية تحيط بحافة البركة، وتحمل الرياح الرذاذ وتبرده تبريداً فجائيا فيصير على هيئة خيوط من الزجاج، يجدها الناس على مسيرة أميال عديدة وقد تجمعت عند تفرع الأشجار أو على جرف من الحروف. وعندما يشاهد أهل هاواي هذه الخيوط يقولون: «هاك بعضاً من شعر بيل»، وبيل هي آلهة البراكين عندهم.
وترجع هذه القدرة على تكوين النافورات في براكين هاواي إلى أن حممها بالغة الرقة. ففيها كميات أكبر من الحديد وكميات أقل من السليكا عما يوجد في أنواع كثيرة أخرى من الحمم، مما يجعلها مائية القوام شديدة الميوعة. ولهذا السبب أيضاً فإن لهذه الحمر طريقتها الخاصة في الانحدار على السفح.
وفي غالب الأحيان لا تظهر حمم هاواي وهي تهبط إلى أسفل سفح الجبل بحيث يمكن مشاهدتها؛ إذ أنها لا تكاد تبدأ في الهبوط حتى تغوص في إحدى الفجوات وتختفي داخلها.
وقد يظن الإنسان أنها تدفقت إلى القاع وعادت إلى مكانها الأصلي. ولكنها تكون في واقع الأمر قد غاصت في أحد الأنفاق حيث يستمر تدفقها فيه لآلاف من الأقدام تحت سطح الأرض، ثم تظهر مرة أخرى على السطح وعندئذ يمكن الإنسان أن يتتبع حركتها إلى أن تتوقف.
ويغطى سطح مونالوا شبكة من الأنفاق، تزداد تعقيداً باستمرار، فهي ليست كهوفاً من النوع المعتاد كتلك التي تخترقها المياه الجوفية تحت سطح الأرض، بل هي كهوف شقتها طفوح الحمم الأخرى.
والطريقة التي تتكون بها هذه الكهوف هي كالآتي:
عندما تسيل الحمم، فإن سطحها يبرد، ويتصلب وتبطؤ حركته، ويكون قشرة خارجية. أما في الداخل فإن الكتلة تبقى حارة وسائلة. وعلى ذلك فإنها تستمر في الحركة. ويحدث ذلك حتى بعد أن ينضب المعين ويقف ثوران البركان. وعلى ذلك فعندما تتوقف البقية الباقية من الحمم الساخنة السائلة، فإنها | تخلف وراءها نفقاً فارغاً.
وغالباً ما تتحرك حم هاواي أميالا عديدة قبل أن تتوقف، وهي في بعض الأحيان تفيض على القرى.
وقد هددت طفوح الحمم مدينة هيلو، وهي أكبر المدن في الجزيرة مرتين. وفي عام ۱۸۸۱ تحرك طفح من الحمم مسافة 35 ميلا حتى أصبح على بعد نصف ميل من المدينة. وكان الطفح قريباً منها إلى حد جعل الأهالى يحسون بحرارته.
وعندما اشتد الذعر بالأهالي أرسلوا إلى أميرة إحدى الجزر المجاورة طالبين النجدة، وقد عرفت الأميرة، وكانت تدعى كاما هامينا، كيف تتصرف.
فقد ذهبت إلى جبهة الحمم وتفوهت ببعض الكلمات السحرية وقصت خصلة من شعرها وألقت بها على الحمر. ونجح السحر تماماً، أو ربما | كانت الحمم ستتوقف على أية حال. وعلى كل فقد نجت المدينة عندما توقفت الحمم على مسيرة أمتار قليلة منها.
وفي عام 1935 تحرك الطفح مرة أخرى صوب هيلو. وفي هذه المرة لم تكن هناك أميرة. واستعانت السلطات بالعلماء بدلا منها. ولم يستطع العلماء بطبيعة الحال أن يمنعوا الحمر من التقدم.
ولكنهم كانوا يعلمون أن ثوران مونالوا لا يستمر فترة طويلة. وخطر لهم أن يبحثوا عن حيلة تستغرق بها الحمم وقتاً أطول في قطع مسافة الخمسة وثلاثين ميلا إلى المدينة، وذلك حتى يقف البركان عن الثوران قبل أن تصل الحمر إلى المدينة.
وقرر العلماء أن يجربوا القنابل لنسف سقف النفق الذي تتحرك الحمم داخله وبذلك تضطر الحمم إلى الخروج في العراء والسير على صورة لسان جديد في مجرى جديد. وعندئذ يكون الطفح الأول قد توقف لأنه لا يجد ما يغذيه. فإذا توقف ثوران البركان بعد فترة وجيزة، فإن الحمر لا يكون لديها الوقت الكاف لبلوغ المدينة.
وعلى ذلك التي عدد من القنابل، والظاهر أن بعضها قد أصاب الهدف بدقة وإحكام، لأن النفق قد تهدم وخرجت منه الحمر في العراء، وكان عليها أن تبدأ رحلتها من جديد في مجرى جديد.
وقبل أن يهدد هذا المجرى الحديد المدينة كان مونالوا قد توقف عن الثوران. ولكن هل كانت الحمم ستتوقف قبل أن تصل إلى المدينة في حالة عدم إلقاء القنابل؟ ذلك ما لا نستطيع أبداً أن نعرفه.