إننا نعد البركان خامدة إذا لم تنبعث من فوهته سحابة قط. ولكن كلمة "قط"، هذه من الكلمات الخادعة. فعل تعني مائة سنة، أو خمسمائة، أو ألفاً؟ ذلك ما لا يستطيع أحد أن يحدده. وقد يحدث أن نضع أحد البراكين في عداد البراكين الخامدة، ثم نضطر إلى رفعه من قائمتها. وعلى ذلك فمن الحائز أننا نخطئ حينا نصف كثيراً من البراكين بأنها خامدة.
ولكن دعنا نتساءل عن تلك السحابة البيضاء التي تدلنا على أن البركان لا يزال حيا، بل ربما دلت على أنه يتأهب للانفجار. هل هي نوع من أنواع الغازات؟
فالحمم، كما علمنا، تحتوي على قدر كبير من الغازات مثل ثاني أوكسيد الكربون والكلور والفلور وكلوريد النشادر وثاني أوكسيد الكبريت. وبرغم أن البعض هذه الغازات رائحة - بل رائحة شديدة - فإننا لا نستطيع أن نراها. | وعلى ذلك فينبغي أن نخرج الغازات من حسابنا عند تفسير ظهور السحابة. فهل يمكن للسحابة أن تكون من البخار؟
حقيقة أن الماء يخرج من الأرض عند حدوث البركان كما تخرج الغازات. وبعض الماء يخرج على صورة بخار. وقد تتكون سحابة بيضاء فوق هذا البخار..
فكيف إذن تتكون السحابة السوداء التي تشبه الدخان؟
الواقع أنه ليس هناك دخان بالمعنى الصحيح. غير أن الصحف تحدثنا عن الدخان وعن اللهب اللذين ينبعثان من البركان عندما يثور. فكيف يمكن أن يكون هناك دخان ولهب وكيف يتكونان؟ وماذا عساه أن يحترق هنالك؟ إن عملية الاحتراق تتطلب وجود مادة تحترق مثل الخشب أو الفحم. ولكنه لا يوجد بين الصخور التي يقذف بها البركان شيء من هذا القبيل.
وما الدخان واللهب اللذان يظن الناس أنهم رأوهما فوق البركان إلا تراب الصخور والحمر الحارة الحمراء. ويسمى العلماء تراب الصخور رماداً، وهي تسمية غير موفقة لأنها تجعل الناس يظنون أن هنالك شيئاً يحترق.
: وبالرغم من أنه ليس هنالك شيء يحترق في البركان، فإن كل ما يخرج منه يكون في درجة مريعة من الحرارة. وأشد أهوال البراكين تنجم عن الغازات الحارة إلى أقصى درجات الحرارة والتي تنفجر عندما تدب الحياة في أحد البراكين الخامدة. وقد حدث ثوران مروع من هذا النوع عام ۱۹۰۱ في غانا الجديد عندما ثار مونت لامنجتون وقتل ألفي شخص. ولعل الكثير منا لم يسمع عن ثوران مونت لامنجتون. ويرجع ذلك إلى أن هنالك من الأحداث المثيرة هذا الأيام ما لا يدع مجالا في الصحف الأخبار البراكين الثائرة.
ويقع بركان لامنجتون على بعد ۸۰ ميلا إلى الشمال الشرق من ميناء مورسي وهو يطل على طريق استخدمه الجنود الأمريكيون عند عبوره الجزيرة في الحرب العالمية الثانية. وهو بركان قديم.
وكان الناس يعلمون أنه بركان، غير أنهم كانوا يظنونه خامداً عدم الضرر، والواقع أنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن شيئاً ما كان يجري بداخله. وعندما رآه الجنود الأمريكيون كان جبلا عالياً تغطيه الأشجار ولا يختلف في مظهره عن أي جيل آخر. ولم يخطر ببال أحد منهم أن هذا الجبل قد يكون في يوم من الأيام مصدر أذى أو إزعاج لأحد.
ولكن في أواخر عام ۱۹۰۰ أدرك الناس فجأة أن جبل لامنجتون لم يكن خامداً كما حسبوه، فقد اهتزت الأرض بزلزال تلو زلزال، ثم شاهد الناس، وقد استولت عليهم الدهشة، عموداً رقيقاً من الدخان ينبعث من البركان وتساءلوا عما إذا كان ممكناً أنه يستعد للثوران؟ ولم يكن لدى الناس في هذه المنطقة خبرة عن البراكين التي تثور بعد خمول وتحيا بعد ممات.
ولم يستطيعوا أن يتصوروا أن جبلهم مونت لامنجتون الآمن كان يتأهب لإطلاق الصواريخ. ولكن عندما اشتدت الزلازل عنفاً وازداد تصاعد البخار أدرك بعض الناس أن البركان | كان جادا في ثورته، وقرر كثيرون منهم ألا يجربوا حظهم فهاجروا تاركير حقائبهم وأمتعتهم. ولكن غيرهم كثيرين بقوا هنالك، فما كان لديهم مكاد ما يذهبون إليه.
ومرت الأيام واستمرت الأرض تزمجر وتهتز. ولم تلبث الزلازل أن ازدادت عنفاً، لدرجة أننا لا نستطيع أن نتصور الآن كيف أن جميع السكان لم يأخذه حذرهم ويفروا. وأكثر من ذلك أن بعض الأوربيين الذين كان يفترض فيه أن يقدروا خطورة الأمر قد بقوا هنالك أيضاً..
وفي صباح ۲۱ من يناير كانت إحدى الطائرات تمر على مسافة بضعة أميال بعيداً عن البركان في طريقها إلى ميناء مورسي. وفجأة روع الركاب بمنظر سحابة من الدخان تنبعث من الجبل، وقد اتخذت شكل نبات عيش الغراب متجهة صوب السماء.
وفي الحال دار الطيار حول المكان محاولا أن يستطلع الأمر. غير أنه عندما صار على مسافة 15 ميلا من حافة الدخان اهتزت الطائرة وسط تيارات الهواء المضطربة، لدرجة أنه عدل عن رأيه. لقد فكر قائد الطائرة في حياة الركاب فاستدار ثانية وطار بعيداً عن هذه المنطقة.
كان ذلك هو الثوران الأول والرئيسي للبركان. فما كادت تنقضي دقائق معدودات حتى كانت مئات الأميال المربعة من الجبل تختفي تحت سحابة من الرماد البركاني.
وكان الجو في المنطقة كلها ملبدة بطبقة سميكة من الرماد، الدرجة أن طائرات الإنقاذ لم تستطع أن تهبط إلى الأرض في صباح اليوم التالى، فقد عجزت عن أن تهتدى إلى المطار بسبب السواد الحالك وتعذر الرؤية.
رغم أن هذا المطار كان يبعد عن جبل لامنجتون بنحو ۱۹ ميلاً. وقد محيت هيجاتورا التي تقع على بعد عشرة أميال من البركان من الوجود.
أما سانجارا التي تبعد عنها يميل فلم ينج من أهلها إلا أشخاص قلائل، غير أن نجاتهم قد تمت بمعجزة. فبينما كان الدخان الأسود المحترق يندفع إلى أسفل الجبل في طريقه إليهم، قامت زوبعة من الهواء مرتفعة نحو قمة الجبل واستمرت
مدة ثلاث دقائق، على حسب قولهم، فحالت بينهم وبين تلك السحابة السوداء وأعطتهم بذلك الفرصة لكي يتكدسوا في إحدى سيارات النقل التي انطلقت بهم في سرعة بعيداً عن الخطر.
فماذا كان السبب في موت ألفين من الأشخاص الذين صرعهم البركان؟
لم يأت أحد ممن نجوا بذكر الحمى. وكان من الواضح أن الحمر لم تكن السبب في هلاك هؤلاء الناس. لقد حدثت الكارثة بسبب الغازات الحارة الملتهبة وبسبب التراب الصخري. وكثير ممن فروا أصابهم الحروق بصورة مروعة.
وتحدث كل من شاهدوا الانفجار عن السحابة السوداء التي كانت تموج بما يدور فيها من الشرر الأحمر الحار. وذكروا أنها انفجرت كقنبلة ذرية مرتفعة إلى مسافة سبعة أميال أو أكثر ثم اندفعت ساقطة نحوهم.
فإذا كان تقدير من نجوا لفترة الدقائق الثلاث التي هيأت لهم الفرصة للنجاة تقديراً دقيقاً، فإن سرعة سقوط هذه السحابة من التراب الصخري والغازات الحارة كانت أربعة أميال في الدقيقة..
وبرغم ما كان عليه ثوران مونت الامنجتون من روعة المنظر فلم يكن أمره عجيباً بين البراكين. فقد انفجرت من قبله في الماضي براكين كثيرة، وسوف ينفجر كثير من أمثاله في المستقبل. إنه ذلك النوع من الانفجار الذي يطلق عليه العلماء اسم الانفجار الإعصاري. ولقد كان انفجار بركان فيزوف عام ۷۹ قبل الميلاد من هذا النوع.
وكذلك كان انفجار مونت بيليه في الثامن من شهر مايو عام ۱۹۰۲. لقد كان انفجار هذا البركان من شر الانفجارات، بل لعله كان أكثر الانفجارات الإعصارية التي حدثت في جميع العصور شرا ومصدراً للخسارة.
ويبلغ ارتفاع مونت بيليه 4۰۰۰ قدم. وكان يشرف على سانت بيير التي كانت في وقت من الأوقات أكبر المدن في مارتنيك ومن أهم مدن جزر الهند الغربية. وكان بيليه بركاناً قديماً من أمثال لامنجتون وفيزوف.
وكان جميع الناس يعتقدون أنه خامد أو في حكم الحامد. حقيقة أنه كان قد انبعث من شق عند قمته قبل ذلك التاريخ بخمسين سنة قليل من البخار، ولكن أحداً لم يعر هذا الأمر اهتماماً، لقد بدا بيليه خامداً كل الحمود وكانت منحدراته مشققة بالجداول والوديان العميقة، وكانت الفوهة التي في قمته مملوءة بماء البحيرات الأزرق؟ ولم يخطر ببال أحد أن هذا الجبل القديم الوديع الجميل يمكن أن يسبب الموت والدمار.
ثم بدأ البركان ينشط في الأسبوع الأخير من شهر مايو عام ۱۹۰۲.
وقد تبين لنا اليوم أن علامات نشاطه كلها كانت تحذيرات كان ينبغي أن يأخذها اسكان سانت بيير مأخذ الجد. ولكنهم لم يفعلوا. غير أن قليلا منهم فقط تنبه وأدرك خطورة الأمر كلما انبعث عمود من الدخان بين آونة وأخرى من فتحة قرب فوهته، وكلما تساقط وابل خفيف من الرماد على المدينة، ولكن الباقين كانوا ينظرون إلى هذه القلة على أنهم قوم توترت أعصابهم واستبد هم القلق دون داع لذلك. ولكي تعمل السلطات على تهدئتهم أرسلت رجالا لفحص القمة فلم يجدوا تغييراً يذكر يستحق التسجيل.
وذكروا أن مستوى الماء في البحيرة قد تغير. أما الدخان فقد رجحوا أن يكون منبعثاً من مخروط محترق صغير في وسط البحيرة.
وقد اطمأن معظم السكان كل الاطمئنان وكان عددهم نحو ۲۰ ألفاً، وراحوا يستعدون للرابع من شهر مايو وهو اليوم الذي كانوا قد اعتزموا أن يقوموا فيه برحلة كبيرة، إلى أعلى الفوهة. ولم يستمر على خوفهم إلا أولئك الذين توترت أعصابهم، وهم الذين أخذوا ينادون بإخلاء المدينة ويكررون النداء.. ولكن الصحف أخمدت هذه الصيحة. وقد كب أحد المحررين يقول بأنه ينبغي ألا يخشى سكان سانت بيير من بركان بيليه أكثر مما يخشى سكان نابولي من بركان فيزوف، ثم قال إننا لا نستطيع أن نفهم هذا الذعر فأين يمكن للإنسان أن يكون في مكان أفضل من سانت بيير..
ويظهر أن كثيراً من الناس في مارتنيك كانوا ينظرون إلى الأمر نفس نظرة الاطمئنان، لأن قرابة ۱۰۰۰۰ من اللاجئين من أماكن أخرى من الجزيرة قد هربوا إلى المدينة بوصفها أكثر أماناً من بلدانهم.
وفي اليوم الخامس من شهر مايو أعطى البركان نذيراً جديداً، ولكنه كان في هذه المرة أشد عنفاً. فقد اندفع سيل من الطين والحمم، وانحدر نحو الوادي ودفن بعض معامل السكر هنالك، وقتل أربعة وعشرين شخصاً.
ومع كل ذلك فقد أصر الحاكم على أنه ليس هنالك خطر... وبذل أقصى ما في وسعه ليحول بين الناس وبين هجرة المدينة. وقد انتقل هو بنفسه ليقيم في سانت بيير لكي يثبت للناس ضآلة الخطر الذي يهددهم. ولكن كثيراً من الناس كانوا حينذاك قد أصابهم فزع شديد، وبرغم أن العلماء الذين عضدوا الحاكم كانوا يعلنون دائماً أن البركان كان طبيعيا إلى أقصى الحدود، فإن مئات من الناس تركوا المدينة.
وانقضى يوم آخر وبدا مونت بيليه أشد غضباً. وفي السابع من الشهر كانت سفينة إيطالية تأخذ حمولتها من السكر من ميناء سانت بيير وكان ربانها رجلا يقظاً ركز بصره، الذي اعتاد معرفة الجو، على البركان. ولا كان هذا الربان من إيطاليا، فقد كان يحسن تقدير عواقب انبعاث الدخان من البراكين.
ورغم أنه لم يأخذ أكثر من نصف حمولة سفينته، فإنه قرر الرحيل فوراً.
وأخذ صاحب السكر يجادله ويحاول إقناعه بإكمال حمولة السفينة ويذكر له أن مولت بيليه قد قذف بالدخان والرماد من قبل دون أن يحدث ضرر، وأنه سوف لا يحدث ضرر في تلك المرة أيضاً.. ولكن الربان هز رأسه قائلا: "إني لا أعرف شيئاً عن مونت بيليه، ولكني أعرف أنه لو حدث لفيزوف ما أشاهده اليوم فإني كنت أترك مدينة نابولي مباشرة. ولسوف أترك هذا المكان فوراً".
وحاول صاحب السكر أن يمنع الربان من الرحيل. وفي لحظات قليلة صعد رجال شرطة الميناء فوق ظهر السفينة ليمنعوا الربان من السفر.
قال لهم الربان في حزم: «سوف أرحل من هذا الميناء في أقل من ساعة، فإذا كنتم تريدون أن تذهبوا إلى الشاطئ فهذا هو الوقت المناسب، وإذا آثرتم البقاء معي فإني أؤكد لكم أني سآخذكم معي إلى فرنسا».. ونزل الرجال من فوق السفينة التي أخذت في الإبحار بعيداً.
وكان اليوم التالى، وهو الثامن من مايو، يوم الهلاك. فقد كانت سبع عشرة سفينة راسية بميناء سانت بيير، ولحقت بها في الصباح سفينة أخرى تسمى رورايما وقد تغطي سطحها باللون الرمادي من كثرة ما تساقط عليه من الرماد في عرض البحر، ومع ذلك رسا قائدها بسفينته في الميناء في هدوء وطمأنينة. ومن العسير أن نتصور الآن كيف أن هذا الربان وغيره ممن كانوا معه من الربابنة لم يقدروا ما كان يهددهم من الخطر في ذلك اليوم.
لقد اعتبروا جميعاً الدخان والأصوات القاصفة المستمرة، كما لو كانت جزءاً من استعراض وفي الصباح الباكر كانت المدينة المنكوبة ساكنة وكأنها سحرت سحراً، فلم يكن يلوح أن هنالك أحداً على قيد الحياة سوى بحارة الميناء الذين تجمعوا مع العمال الذين يقومون بتحميل السفن.
وفي حوالي الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة حدث انفجار مروع.
وانطلقت عالياً في الهواء سحابة سوداء ضخمة. حارة محرقة يشع من داخله وميض أحمر قاتم، ثم نزلت على سفح الجبل، وفي طرفة عين كانت قد أطبقت على سانت بيير.
ووقف البحارة في سفنهم وقد شل الفزع حركهم يرقبون الدخان وهو يهوي نحوهم. وكان المهندس الثاني إيفتر على ظهر الباخرة رورايما يرقب مونت بيلي عند وقوع الانفجار.
لقد رأى السحابة تتجه نحو السماء ثم تنحدر على سفح الجبل، وعندما أخذ الرماد الأسود المتوهج في الاتجاه نحو الميناء كأنه إعصار قدر مدى خطورة الموقف، لقد سمع الربان وهو ينادي في فزع أن ارفعوا المرساة، وشاهد البحارة يجرون نحو الحبال ولكنه أدرك أن الفرصة كانت قد اولت. وأسرع المهندس إلى غرفة الآلات ينشد النجاة. وبعد ثوان قليلة أصاب الانفجار الباخرة وكاد يقلبها رأساً على عقب، وانفصلت غرفة المراقبة كما انفصلت سواري ومداخن السفينة وكأنها قد برت عنها بضربة سيف.
ثم تبعثرت على سطحها. ولم تكن هنالك نار في السحابة ولكن حرارة الدخان كانت بالغة الشدة بحيث هشمت ما على السفينة من الألواح الزجاجية. وما من شيء حي مسته السحابة إلا أدركه الفناء.
وعندما مرت العاصفة وتحسس المهندس طريقه في الظلام الذي أحاط بكل شيء لم يكن على قيد الحياة من بين رجال السفينة البالغ عددهم ثمانية وستين رجلا سوى خمسة وعشرين.
وقد احترق حتى الموت، جميع من كانوا على ظهر السفينة. وحاول الناجون أن يخمدوا النيران التي أمسكت بالحشبات والوسائد. ولم تصب النار السفينة الخشبية وما كانت تحمله فوق ظهرها من أخشاب.
لقد مرت الغازات الساخنة والرماد بسرعة كبيرة فلم تحرق إلا الأشياء سريعة الاشتعال. وسرعان ما انتشرت النيران ودمرت ست عشرة سفينة من بين الثمان عشرة التي كانت راسية بالميناء.
وأتت النيران على كل ما يقع عليه البصر على الشاطئ، ولكن هذه الحرائق العظمى لم تتسبب عن سحابة الغازات والرماد، بل نجمت عن انفجار آلاف من براميل الحمر التي كانت مخزنة بالمدينة.
لقد كان منظراً مفزعاً ذلك الذي وقعت عليه أعين من بقوا على قيد الحياة عندما نظروا صوب الشاطئ. لم يكن هنالك إنسان يتحرك، ولا صوت يسمع، بل انتشرت جثث الموتى على أرصفة الميناء التي كانت منذ لحظات قليلة تموج بالعمال، وكانت المدينة نفسها ترقد رقاد الموني، لا يتحرك بها سوى ألسنة اللهب التي كانت تزداد لحظة بعد أخرى، وسوى ذلك الدخان الذي كان لا يزال يندفع من مونت بيليه. وما على أحد حتى ذلك الحين أن أحد لم يسلم من الحرق أو الاختناق من الانفجار الأول في سانت بيير سوى سجين واحد في أعماق سجن المدينة.