لا يكاد يمر وقت من الأوقات دون أن يحدث ثوران بركاني في مكان من الأماكن. ذلك ما نقرأ عنه دائماً في الصحف، فالثوران البركاني يحدث اليوم هنا وغداً هنالك.
ولكن الشيء الذي نستطيع أن نطمئن إليه هو أن هذا الثوران البركاني ليس قريباً من الولايات المتحدة، فهي من البلاد التي لا تكثر بها البراكين التي قد تنشط.
ويرجع آخر عهدها بالثوران البركاني إلى عام ۱۹۱۰، عندما ثار أحد الجبال في كاليفورنيا، وكان ذلك هو جبل لاسن الذي يعتبر البركان النشط الوحيد لديهم.
فلماذا خصتهم الطبيعة بكل هذا الفضل؟
يبدو أن الأمر لم يكن على هذه ا الحالة فيما مضى. فالصخور البركانية تحيط بهم من كل مكان. ومن السهل أن نميزها عن غيرها. ذلك أن الصخور التي اندفعت من جوف الأرض على هيئة حمم تختلف اختلافاً واضحاً عن غيرها من الصخور. وكثير من براكينهم قد محيت فوهاتها، وبعضها لم يعد يحمل وجه شبه كبير للبراكين، ومع ذلك فإننا نستطيع أن نتعرفها بنفس السهولة.
فعند سفح بركان قديم جدا، حيث نحت أحد الوديان في عدة طبقات من الصخور، يمكن رؤية طفوح بركانية عديدة يعلو بعضها بعضاً، وقد انحدرت جميعاً بعيداً عن القمة لتروي لنا | قصة تكوينها: وإذا ما تلفتنا كذلك حولنا فإننا نجد أن كثيراً من الصخور البركانية توجد في أماكن تبعد أميالا عديدة عن أي براكين أخرى حديثة. وقد يبدو ذلك عجيباً ولكننا نشاهد هذه الظاهرة في كثير من البلدان الأخرى. في كل من فرنسا وألمانيا مثلا توجد مساحات بركانية شاسعة لا يجاورها أي براكين حديثة.
فما سبب ذلك؟ إننا نستنتج من ذلك شيئاً واحداً، وهو أن مراكز النشاط البركاني تنتقل من مكان إلى آخر في القشرة الأرضية. فهذه المراكز اليوم غيرها منذ بضعة ملايين من السنين: فإذا كان الأمر كذلك، فأين تقع مراكز النشاط البركاني اليوم، إننا إذا حددنا على خريطة مواقع البراكين النشطة في العالم، والتي يبلغ عددها نحو ۵۰۰ بركان، ثم تأملناها، فسوف نلمح في الحال توزيعاً عجيباً لهذه البراكين.
إن أكثر من نصف هذه المواقع يقع بالقرب من المحيط الهادي. إن سلسلة طويلة منها تحيط بالمحيط في صورة نطاق، وإن لم يكن نطاقاً كاملا، فهنالك بعض البقع على طول الشاطئ لا توجد بها براكين. ومع ذلك فإننا نستطيع أن نرى أنها تعتبر جميعاً جزءاً من سلسلة متصلة، وإن كان ينقصها بعض الحلقات. أما بقية البراكين فبعثرة ولكنها قلما تكون وحدها، إنها تتجمع في مجموعات أو في صفوف يكون بعضها جزراً في المحيط الهادي، ويقع بعضها بالقرب من البحر المتوسط والبعض الآخر في وسط أفريقيا.
ولا نعلم السر في هذا التوزيع، ولكن لا شك في أن له علاقة بأسباب البراكين، غير أننا نجهل هذه الأسباب أيضاً. وقد افترض بعض العلماء بعد دراسة هذا التوزيع حول المحيط الهادي أن القارات تنزلق تدريجيا نحو المحيط، مما ينتج عنه حدوث شق في القشرة يحيط بحوض المحيط وييسر على الغازات والحمم الخروج إلى السطح. ولكن هل تنزلق القارات حقيقة؟
منذ زمن غير بعيد كان عالم نمسوي يسمى ألفريد واجنر ينظر إلى خريط العالم فأخذ فجأة بشيء عجيب. إنه شيء لاحظه غيره من قبله، فالساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية يكمل في صورته العامة الساحل الغربي لأفريقيا.
تماماً مثل لعبة الأطفال التي تكون فيها الصورة من أجزائها. فهل كان هذار الساحلان متصلين في يوم من الأيام ثم انفصلا وتباعدا؟ وانتقل العالم بعد ذلك صره إلى مكان آخر من الخريطة، سبح بخياله فتصور أن نفس الظاهرة قد حدثت بين أوروبا وأمريكا الشمالية. وخطر بباله أن المحيط الأطلسي ربما كون قد ظهر في عالم الوجود بسبب انفصال العالم الجديد عن أوربا وابتعاده في العالم القديم.
وعلى الجانب الآخر من أفريقيا ظهرت شبه الجزيرة العربية كما لو كانت قد انفصلت هي الأخرى عما يجاورها ثم تزحزحت بعيدة عنه. وهل من الممكن أن تكون نفس الظاهرة قد حدثت كذلك بين الهند وأستراليا؟ لقد أمعن واجتر في تأمله لخريطة العالم. وكلما ازداد تأملا، ازداد يقيناً أن القشرة الأرضية لا تقف ساكنة. إنه لم يتصورها طافية فوق سطح سائل، ولكنه تصورها كما لو كانت تنزلق فوق قاعدة لدنة من الصخور.
الاشك أنها نظرية مغرية. وهي لا تقدم لنا تفسيراً للبراكين فحسب، بل التكوين سلسلة الجبال التي تمتد على طول الساحل الغربي للأمريكتين.
إن الصخر الذي يتكون منه حوض المحيط هو البازلت. وهذا الصخر البركاني أثقل بكثير من الصخور التي تكون القارات. فكلما ضغطت القارات على قاع المحيط أثناء انزلاقها انثنت حوافها وتجعدت وازدادت سمكاً لتكون الحبال | وبتجعد الحواف تضعف القشرة وتنكسر في كثير من المواضع، فييسر ذلك على الحمر أن تصعد خلالها لتكون البراكين.
ودعنا الآن نلق نظرة سريعة على حلقة النار التي حول المحيط الهادي، أو ما يسميه العلماء النطاق البركاني حول الباسيفيكي، ولنبدأ بالساحل الغربي الأمريكا الجنوبية.
إننا نشاهد صفا كاملا من البراكين على طول جبال الأنديز التي تتبع الحافة الغربية لهذه القارة. ويعد بعض هذه البراكين من أكثر براكين العالم ارتفاعاً. فبركان شيمبورازو في إكوادور هو أعلاها جميعاً ويصل ارتفاعه إلى أكثر من ۲۰٫۰۰۰ قدم. وهو من البراكين الخامدة. وبركان كوتوباكسي وهو أيضاً بإكوادور يقل ارتفاعه عن ذلك ۱۰۰۰ قدم، وهو يعد من البراكين النشطة.
ووتنهى سلسلة جبال الأنديز في شمال أمريكا الجنوبية، ويعد هذا الانتهاء من الأمور النافعة، إذ أمكن شق قناة بناما في موضعها. وفي شمال القناة تأخذ أمريكا الوسطى في الاتساع، ولكن البراكين تبقى ملازمة للساحل الغربي. وتزداد المكسيك اتساعاً وتنتشر البراكين بها عبر البلاد.
ويكاد يكون هنالك صف كامل من البراكين يقطع سلسلة جبال الباسيفيكي. ويقع باريكوتين في هذا الصف، وكذلك أورابا وهو أعلى جبال المكسيك. ويوجد في غربه بالقرب من مدينة مكسيكو بركانان كبيران أحدهما خامد والآخر وهو بوبوكاتيبتل يبدو الحديث الشكل ولعله ما زال نشطاً، في كل صباح تقريباً يمكنك أن تشاهد سحابة صغيرة تتصاعد منه.
وفي الجزء الشمالي من المكسيك ينقطع النطاق مرة أخرى، ولكنه يعود فيلتم في أريزونا ونيومكسيكو حيث نجد البراكين بعيدة إلى حد كبير عن المحيط الهادي، ولم يثر أحد منها منذ عاش الإنسان الأبيض في أمريكا رغم أن بعض مخروطاتها تبدو حديثة العهد إلى حد كبير. ويوجد على الساحل الغربي مونت لاسن (جبل لاسن) وهو من النوع النشيط، كما يوجد مونت هود ومونت رينير اللذان يحتمل أن يكونا نشيطين أيضاً.
فبرغم أنهما لا يبدوان على درجة كبيرة من النشاط، فإنه ليس من الحكمة اعتبارهما خامدين كل الحمود، ففيهما بقع حارة مما يدل على أن حرارتهما لم تتسرب تماماً منهما بعد، وهنالك براكين أخرى كانت تبدو أشد برودة منهما ثم عادت إليها الحياة مرة أخرى.
وتعد المنطقة الواقعة في أمريكا الشمالية من هذا النطاق أفقرها جميعاً في البراكين، ففي كندا تنقطع البراكين مرة أخرى ولا تكثر إلا عند وصولنا إلى ألاسكا حيث يبدأ صف كامل منها.
ويوجد في جزر اليوشن عدد من براكين أحواض الهبوط (الكالديرا) لبعضها مخروطات داخلية كثيراً ما تثور. ويوجد في أقصى الشمال كثير من البراكين التي يحتمل أن تثور وتهدأ دون أن يشاهدها أحد بسبب بعدها عن أي مكان آهل بالسكان.
وبعض الجزر المواجهة لألاسكا جلها بركانية، ومن بينها جزيرة تعرف بالجزيرة المختفية. فجزيرة بوجوسلف في بحر برنج تم اكتشافها مرات متعددة ويرجع ذلك إلى أنها اختفت ثم ظهرت بعد كل ثوران بركاني عدة مرات.
وفي هذا القطاع التالي من السلسلة تشاهد الصواريخ النارية بكثرة زائدة، فالبراكين تبدأ في كامشاتكا التي تبرز في المحيط من سيبيريا ثم تمر ببعض الجزر إلى اليابان.
واليابان مليئة بالبراكين وكثيراً ما أصيبت بأخطارها المروعة. ولكن اليابانيين مع ذلك يحبون البراكين وبخاصة بركان فوجيياما الذي يعد أجمل براكين العالم..
ونجد إلى الجنوب في الفيلبين صفا آخر من البراكين. فهنالك بركان مايون الجميل الذي يعد فوجيياما الفيليين، وهو كثيراً ما يثور. وهنالك بركان تال، وهو بركان صغير يقع على جزيرة في بحيرة في الفيليبين، وهو من النوع الخطير وعندما يثور تنطلق منه سحابة ثقيلة من الغازات والرماد الأسود الحار.
وتسبب البراكين إلى الجنوب من الفيلبين في غانا الجديدة اضطرابات مستمرة. والجزر هنالك مزدحمة بالسكان بحيث توجد دائماً بالقرب من البراكين الثائرة.
وتعد جاوة وسومطرة في حالة خطرة كذلك، فهما كاليابان مليئتان بالبراكين التي بلغت من الكثرة درجة دعت الهولنديين إلى إنشاء مرصد لدراسة البراكين ومعرفة العلامات التي تنبئ بثورانها.
ولقد كان كرا كانوا في يوم من الأيام أحد براكين هذه السلسلة الباسيفيكية كان جزيرة كثيفة الأشجار تقع بين جاوة سومطرة ولكنها تطايرت في عام ۱۸۸۳ وكادت تختفي من الوجود.
وينهي النطاق الباسيفيكي عند الأندية الشرقية. في هذا المكان بالذات عند نهاية طرف جاوة نجد رقعة تعد من أعمق الأماكن في المحيط، وكأن القشرة الأرضية قد انثنت في هذا المكان في نهاية نطاق الأماكن الضعيفة.
ومن المحتمل أن يظهر في يوم من الأيام مزيد من الجزر في هذا المكان، وقد تنشأ براكين جديدة أيضاً. ولكن هذا لن يحدث إلا بعد ملايين السنين. إن تطاير الجزيرة واختفاءها من الوجود لا يستغرقان إلا لحظات. أما بناؤها من الأساس فيستغرق أجيالا وحقباً.
وتكشف لنا حلقة النار حول الباسيفيكي عن النقط الضعيفة في القشرة الأرضية حول حوض المحيط العظيم. ولكن الحوض ذاته متشقق أيضاً.
وهنالك سلاسل كاملة من الجزر البركانية في المحيط العظيم. فجزيرة أيوجيما وغيرها من الجزر الشهيرة التي عرف الأمريكيون أسماءها خلال الحرب العالمية الثانية، تعد من الجزر البركانية. وهنالك جزر بركانية أيضاً تمتد من نيوزيلاند شمالا إلى هاواي حيث كدست البراكين كميات كبيرة من الحمم حتى بنت أعلى كومة من الصخور في العالم، ويبلغ ارتفاع أحد البراكين في جزر هاواي ما يقرب من 14000 قدم فوق سطح البحر.
أما من حيث يبدأ على قاع المحيط الهادي فيبلغ ارتفاعه 30000 قدم، فهو بذلك أعلى الجبال على سطح وأخيراً هناك الجزر المرجانية التي لا تحصى، وتقع جميعاً فوق قواعد بركانية، لأن الحيوانات المرجانية لا يمكنها أن تعيش على أعماق تزيد على مائة قدم، ولابد لها أن تبدأ البناء فوق قواعد جاهزة، وعلى ذلك فإن كل جزيرة مرجانية مستديرة صغيرة في المحيط الهادي، من النوع الذي تتوسطه بحيرة، علم من الأعلام المميزة، كما أن كل حاجز مرجاني هنالك يكشف لنا عن قصة الحمم التي تحتها وعن نقطة من نقط الضعف في قاع المحيط العاتي.