يذهب ملايين من الناس إلى شاطئ البحر في الصيف. وهم مولعون بالاستحمام وصيد السمك والخروج بالقوارب في البحر، ولكنهم ينعمون أيضا بالنسيم البارد الذي يهب على البر الساخن، لأن البحر يسيطر لدرجة عظيمة على المناخ.
فأولا يغطى البحر ثلاثة أرباع الأرض تقريباً، ولكن له أيضا تأثيراً ملطفة على البر؛ لأنه يمنع الهواء من أن يصبح شديد الحرارة أو شديد البرودة، أو شديد الحفاف.
وأغلب المنازل في بعض البلدان بها أجهزة تكييف لرفع درجة الحرارة في الشتاء وخفضها في الصيف. ويعمل البحر كجهاز تكييف عظيم للدنيا كلها.
وقد تنخفض درجة الحرارة على الأرض إلى 94 فهرنهيت تحت الصفر، وفي صحاري أفريقيا قد ترتفع إلى ۱۳۹ فهرنهيت فوق الصفر، أي إن الفرق ۲۳۰ ولا توجد مثل هذه الفروق في درجات الحرارة بالمحيط. وأدفأ مياه المحطات هي مياه الخليج العربي حيث تصل إلى 96 فهرنهيت فوق الصفر، وتوجد أبردها على طول أجزاء من قاع المحيط حيث تنخفض إلى نحو ۲۷° فهرنهيت، والفرق أقل من ۷۰ درجة.
وأغلب المياه السطحية لا تتراوح درجة حرارتها من يوليو إلى يناير إلا في حدود درجات قليلة، في حين أن المياه التي تحت السطح لا تكاد تتغير درجة حرارتها.
ويعود ذلك إلى أن الماء يسخن ويبرد ببطء أكثر كثيراً من الهواء، ويحتاج تسخين اللتر من الماء تقريباً إلى ۳۰۰۰ مرة من الحرارة التي يحتاج إليها اللتر من الهواء. وتحتاج شمس الربيع إلى وقت طويل جدا لتدفئة بحار الشتاء، كما يحتاج صقيع الخريف إلى وقت طويل لتبريد بحار الصيف، ولهذا فإن سواحل البحار يتأخر ربيعها وخريفها ويكون صيفها أبرد وشتاؤها أدفأ من الأماكن البعيدة عن الساحل.
وهناك أسباب أخرى لما للبحر من أثر عظيم في المناخ، وهذه هي تلك الأنهار العظيمة في البحر التي نسميها تيارات المحيط؛ فهي تحمل دفء البحار الاستوائية بعيداً إلى الشمال والجنوب، كما تحمل برد البحار القطبية تجاه خط الاستواء. وبسبب تيارات المحيط الدافئة تزدهر زنابق النرجس شتاء في جنوب إنجلترا، والورود في أوريجون بأمريكا.
وتبارات المحيط الباردة تسبب برودة لبرادور وماين، وتجعل من سواحل بيرو صحراء، وتسيطر تيارات المحيط تماماً على المناخ في أقطار عديدة.
ولكن أعظم هذه العوامل جميعاً أهمية هي السحب التي تدفعها الريح من البحر والأمطار التي تسقط على الأرض الجافة؛ لأن البحر كما لاحظنا هو مصدر الماء الذي هو أساس الحياة في كل مكان.
وأنت ربما سمعت من بعض المسنين من الناس من يقولون إن المناخ أصبح الآن أدفأ مما كان عليه سابقاً. وهم يدعون أن الشتاء لم يعد قاسياً كما كانوا يعرفونه وقت صباهم. وقد يكونون على حق فما يزعمون، لأن في المناطق الجبلية يبدو أن أنهار الجليد التي نسميها جبال الثلج آخذة في الذوبان ببطء.
وعلى أية حال فإن العلماء يعرفون أن الدنيا كانت أشد حرارة وأشد برودة عما هي عليه الآن. وهم يعرفون أنها كانت أدفأ لأن أشجار التين والمانوليا كانت تنمو في وقت ما في جرينلاند، كما توجد طبقات من الفحم في القارة القطبية الجنوبية حيث لا يوجد حاليا من الحياة النباتية سوى الأثر فقط.
وهم يعرفون أيضا أن الدنيا كانت أبرد في وقت ما، لأن كندا كانت تغطيها حقول جليد كانت تمتد جنوباً إلى ما بعد نهر أوهايو، وربما كان سمك الجليد في بعض الأماكن ثلاث كيلومترات، وكان يغطى الكثير من قمم الجبال، كما كانت توجد حقول جليد في أوربا وآسيا أيضاً. وحقول الجليد العظيمة هذه تذوب منذ 20.000 سنة، ولكنها لم تختف كلية. وهي تكاد تغطي كل القارة القطبية الجنوبية، وجرينلاند وبعض جزر صغيرة. وتوجد أماكن في جرينلاند ما يزال سمك الجليد فيها ۲۰۰۰ متر تقريباً. وأكثر من عشر سطح أراضي الدنيا، حتى الآن، مدفون عميقاً تحت الثلج.
وهذه ليست القصة كلها، فهناك أسباب للاعتقاد بأن حقول الجليد العظيمة تقدمت ثم تقهقرت عدة مرات في أثناء ملايين السنين الماضية، ومنذ مئات ملايين السنين كانت تمتد حقول جليد أخرى ثم ذابت، وحملت صخوراً كبيرة المسافات طويلة، وحفرت ودياناً عميقة وخلقت تلالا. ولا يزال الكثير من سطح الأرض يحمل آثار الجروح التي أحدثها الجليد الذي ذاب منذ وقت بعيد.
وأما ما يسبب مثل هذه التغيرات العظيمة في مناخ الدنيا فهو أمر لا يزال يحير العلماء. ويعتقد البعض أن البراكين في أوقات معينة قذفت من التراب إلى طبقات الجو العليا كميات عظيمة، لدرجة أنها حجبت أشعة الشمس.
ونحن نعرف كيف أن سحابة تمر فوق الشمس تسبب برودة الجو في يوم حار. وسحب التراب البركاني قد تسبب برودة الدنيا كلها. ويظن فريق آخر من العلماء أن الكرة الأرضية نفسها تمايلت حول محورها كما تتمايل النحلة التي يلعب بها الأطفال عندما توشك أن تتوقف عن الدوران.
ومثل هذه الحركة ربما سببت خللا بنظام الفصول وتغييراً بالمناخ.
ويفكر البعض أن الشمس – وهي تسحب الأرض خلفها وهي ماضية عبر الفضاء - ربما دخلت في سحب عظيمة من تراب النجوم، وهذه حجبت أشعتها وسببت برودة الكرة الأرضية.
ومهما كانت العوامل التي أحدثت هذه التغيرات في المناخ فقد كان لها تأثير عظيم في البحر والبر على حد سواء. ولو حدث أن ذابت فجأة كل الثلوج في القارة القطبية الجنوبية وجرينلاند لارتفع سطح البحر ريما ثلاثين متراً أو أكثر، ولغمرت المياه نيويورك ولندن وكل مواني البحر الأخرى، ولأصبح وأدى المسيسيبي مثلا خليجاً في البحر مرة أخرى.
أو لنتخيل أن عصراً جليديًا آخر يظهر مثل الذي كان يوجد منذ ۲۰٫۰۰۰ سنة فتؤخذ حينئذ كميات عظيمة من الماء من البحار لدرجة أن سطحها ينخفض في كل مكان، وتتصل آسيا وأمريكا الشمالية إحداهما بالأخرى مرة ثانية، وتصبح الجزر البريطانية جزءاً من أوربا.
ونحن يجب ألا ندع مثل هذه التغيرات تقلق بالنا، لأنها تأتي ببطء شديد خلال آلاف أو ملايين السنين، وهي قد حدثت وربما تحدث مرة ثانية. ونحن كلما ازدادت معلوماتنا عنها استطعنا أن نفهم قصة دنيانا، وقصة البحر على وجه أكمل.