قصة اكتشاف المادة المظلمة - Dark Matter
سنة الاكتشاف: 1970م
ما هو هذا الاكتشاف؟
- المادة الكونية التي لا تعطي ضوءاًً أو أي إشعاع آخر يمكن تقصيه
من هو مكتشف المادة المظلمة؟
- فيرا روبن Vera Rubin
أهمية اكتشاف المادة المظلمة
لم تعمل حسابات تمدد الكون عملها، ولم توائم حسابات سرعة النجوم في المجرات البعيدة ما راقبة الفلكيون، كما لم تأت حسابات عمر الكون (مبنية على سرعة تمدده) بالكثير من المنطق والمعنى. كان لا بد لأمر ما أن يكون خاطئاً في الطرق المستعملة لهذه الحسابات. مع علامات الإستفهام الكبيرة التي حامت فوق الحسابات هذه، لم يقدر أحد أن يقيس تاريخ الكون أو كتلته الحالية أو مستقبله بطريقة يمكن الاعتماد عليها. كما معظم البحث الفيزيائي في مسيرة تقدمه في هذا المضمار.
لم تعن فيرا روبن سوي فحص جهاز جديد، فكان ما اكتشفته أن الحركة الحقيقية للنجوم والمجرات بدت تثبت خطا قوانين نيوتن - المفاهيم الأكثر جوهرية لعلم الفلك برمته. في محاولة لتفسير الفرق بين المشاهدات وفيزياء نيوتن، اكتشفت روبن المادة المعتمة - المادة التي تتواجد ولكن دون بث للضوء وأي إشعاع آخر يمكن للعلماء تقصيه. يؤمن الفلكيون والفيزيائيون اليوم بأن 90% من كتلة الكون عبارة عن مادة معتمة.
كيف تم اكتشاف المادة المظلمة:
في عام 1970م، عملت فيرا روبن Vera Robin بقسم المغناطيسية الأرضية في معهد كارنيجي بواشنطن. حينها كان مدير القسم، الفلكي كينت فوردKent Ford، قد صنع لتوه مطيافاً نجمياً جديداً عالي السرعة وعريض الحزمة بحيث كان يمكنه إتمام ثمان إلى عشر مخططات طيفية (الصور التخطيطية على ورقة بيانات لطيف ما في هذه الحالة للطاقة المنبعثة من النجوم البعيدة بترددات مختلفة على امتداد الطيف الترددي) وذلك في ليلة واحدة، في حين اعتبرت فيه النماذج المتواجدة آنذاك محظوظة لو أكملت مخططة واحدة في اليوم كله. كانت فيرا على أحر من الجمر لترى ما يمكن لإبتكار فورد أن يقدمه من مفاجآت.
في ليلة السابع والعشرين من شهر آذار (مارس) عام 1970م، ركزت روبن تلسكوب القسم على الأندروميدا، المجرة الأقرب إلى مجرتنا. كانت تخطط لاستطلاع فيما لو كان ممكنا لملايين نجوم الأندروميدا أن تتحرك فعلاً كما أفادت بها النظرية الشائعة آنذاك.
عند ربطه بتلسكوبات قوية، يمكن للمطياف أن يتقصی وجود مختلف العناصر في نجم بعيد ويعرضها بالتالي على ورق البيانات. جهزت روبن میکروسکوبا عالي القدرة لقراءة المخططات المرسومة من قبل مطياف فورد.
أدركت روبن بأن الدرجات التي قاسها العلماء على المطياف كانت تنحرف قليلاً نحو الأعلى أو الأسفل من على ورق تخطيط التردد، إعتماداً على حركة النجم تجاه أو بعيدا عن الأرض. يُدعي هذا الإنزياح الترددي بإنزياح دوبلر.
يحدث نفس النوع من الإنزياح لدى مرور السيارة فيبدو صوت محركها متغيراً نحو تردد أدني. كلما كبر ذاك الانزياح، كلما كانت سرعة الجسم اكبر. أرادت روبن أن ترى فيما لو أمكنها استعمال إنزياحات دوبلر والمطياف الجديد لكينت بغرض قياس سرعة النجوم في المجرات القاصية.
وجدت فيرا بأن النجوم على الحافة الخارجية للأندروميدا قد تحركت بنفس السرعة التي تحركت بها النجوم القريبة من مركز المجرة - وهو ما يخالف المفترض في حركة نجوم المجرات تماماً.
على مر شهرين كاملين، أكملت روبن مائتي مخطط طيفي، فتكرر الأمر ذاته بالنسبة لكل مجرة. كانت سرعات النجوم التي قاستها خاطئة كلها، فحسب القوانين الفيزيائية التي يعرفها الجميع، كانت بعض هذه النجوم تتحرك بسرعة فائقة بحيث تعجز الجاذبية على تثبيتها في مجراها، فيفترض بها أن تطير هاوية في الفضاء. لكن هذا لم يحدث على الإطلاق.
لم يتبق أمام روبن غير تفسيرين إثنين. إما أن تكون معادلات نیوتن خاطئة (شيء لم يكن العالم العلمي ليتقبله) أو أن الكون قد إحتوى مادة إضافية لم يعثر عليها فلكي من قبل.
إختارت روبن بدورها التفسير الثاني وأسهمت هذه المادة الإضافية «المادة المعتمة» طالما لا يمكن رؤيتها أو تقصيها. حسبت روبن كمية المادة المعتمة اللازمة وكيفية انتشارها على اتساع الكون بحيث تحافظ على صحة قوانين نيوتن، فوجدت بأن نسبة 90% من الكون يجب أن تكون مادة سوداء.
لزم بقية المجتمع العلمي عقد كامل ليقبل على مضض بنتائج فيرا روبن وبحقيقة أن معظم المادة في الكون لا يمكن رؤيتها والإهتداء إليها بالوسائل المتوفرة لدى الإنسانª.
على أية حال، غير عمل فيرا روبن في ذاك الصيف من عام 1970م كل حساب ونظرية حول تركيب وأصول کوننا، كما حسن كثيراً من قابلية الفلكيين على حساب إنتشار وحركة المادة بشكل صحيح. في الوقت ذاته - لحسن الحظ - حافظت قوانین الحركة لنيوتن على بقائها لتعيش حتى يومنا هذا.
الهوامش المرجعية:
ª يقدر علماء الفلك تركيب الكون كالتالي: 73% طاقة معتمة، 23% مادة معتمة، 3.6 % الغاز السبين مجري، و 0.4 % النجوم و الكواكب وغيرها من الأجرام السماوية المرئية المترجم.