توجد على شواطئ البحار مخلوقات كثيرة تتردد في تفضيل المعيشة على البر أو في البحر. وترك بعض السرطانات البحر وتعود إليه في فصول معينة من السنة، وعندئذ تتقابل مع سلاحف بحرية كبيرة تزن مئات الكيلوجرامات خارجة من الماء لتضع بيضها في الرمال الدافئة.
ومن أعظم الكائنات إثارة للاهتمام الحيتان وأقرباؤها كثيرة الأعداد، وفي وقت ما كانت هذه الكائنات الكبيرة حيوانات برية صغيرة الحجم، ولسبب ما وجدت البحر أكثر صلاحية فعادت إليه، ولأن الماء حمل ثقلها فقد ازداد حجمها كبر فكبراً.
وأكبر الحيتان حجماً هو الحوت الأزرق الكبير الذي يحب المعيشة في المياه المنعزلة حول المنطقة القطبية الجنوبية، ويرجع ذلك إلى أن هذه المياه الباردة غنية جدا بالدياتومات والكوبيبودات التي يتكون منها غذاؤه.
والحوت الأزرق أكبر حيوان ظهر في الدنيا على الإطلاق. وحتى الديناصورات التي كانت تعيش في الأرض في الأزمنة الغابرة كانت صغيرة بالنسبة له. وقد صيد أحد هذه الحيتان خارج جزيرة نيوجورجيا الثلجية وكان طوله ۳۲ متراً ووزنه ۱۲۰ طنا..
وتوجد أنواع عديدة من الحيتان، زعنفى الظهر، والأحدب، والحوت الصحيح وغيرها. والحوت الكبير الوحيد الذي له أسنان هو حوت العنبر. وهو وإن كان قلما يصل طوله إلى عشرين متراً فهو سيد البحار.
وهو يستطيع أن يقضم قارباً إلى نصفين بوساطة فكه السفلى الكبير، كما يستطيع أيضا أن بهشمه بضربة واحدة من ذيله. ورأسه صلب لدرجة أنه معروف عنه أنه قد ينطح به جانب مركب شراعي فيشجه. ولأنه لا يخشى شيئاً فهو ليس بسرعة الحيتان الأخرى في حركاته. وهو يتغذى على الحبارات العملاقة، ويغطس إلى أسفل بعيداً ليحصل عليها من هذه الدنيا المظلمة الباردة التي تعيش فيها.
ولم يعثر قط على الحبارات العملاقة على سطح البحر سوى أفراد قليلة فقط، وكان طول أحدها أكثر من خمسة عشر متراً، وعيناه كان قطر الواحدة منهما ۳۰ سنتيمترا تقريباً لأن الضوء حيث تعيش معتم جدا.
ولأذرعها الطويلة مصات في حجم أطباق فناجين الشاي على حوافها مخالب شبيهة بمخالب النمر، في الصراع مع هذه المخلوقات المفترسة غالباً ما يصاب جسم الحوت بجروح من هذه الأذرع المروعة، ولكن الحبار ليس ندا لحوت العنبر فسرعان ما يقضمه الحوت إلى قطع ويبتلعه. وعدو حوت العنبر الوحيد هو الإنسان الذي كان يصيده يوماً ما للحصول على ما به من زيت.
ولحوت العنبر ابن عم يسمى «القاتل، وهو أصغر حجماً ولكنه أكثر وحشية وترويعاً. وينمو إلى عشرة أمتار في الطول أو أكثر. وهو ممتلئ الجسم وقوى، وله أسنان كبيرة على فكيه كليهما، وهو مرعب البحار، ويبتلع صغار سباع البحر كاملة. وهو وإن كان لا يتحرش بحوت العنبر إلا أن جماعات منه تهاجم الحيتان الأخرى وكانها قطعان من الذئاب، فهي تنتزع شفتي الحوت الكبيرتين، وتمزق لسانه. وتظهر زعنفة ظهر الحوت، القاتل: فوق الماء وكأنها شراع قرصان ينذر بالخطر.
وتحوي أسرة الحيتان نوعاً غريباً هو كركدن البحر الذي يعيش في المنطقة لقطبية الشمالية، وللذكر سن قد يبلغ طولها ثلاثة أمتار، تمتد في استقامة إلى الخارج من فكه العلوي، وهذه السن هي الحربة العاجية التي يستعملها جماعة الإسكيمو.
وتتجول أنواع عديدة من الدلفينات في البحار. ولبعضها أنف يشبه القنينة ويسمى هذا النوع قنيني الأنف، ولبعضها في شبيه بمنقار الطيور، وخنازير البحر أصغر من الدلفينات.
وهي زليقة وسوداء، وتتحرك مع الأمواج وكأنها للهو ويصطادها البحارة بالحربة ويأكلون لحمها الشبيه بلحم البقر.
وتحب خنازير البحر السباحة حول البواخر. وكان في زيلندا الجديدة خنزير شهير يسمى بيلوراس جاك ظل عدة سنين يقابل البواخر القادمة يقودها إلى الميناء. وسنت الحكومة قانوناً لحمايته.
وتركت بعض الدلفينات وخنازير الماء البحر لتعيش في الأنهار وحتى فيبعض البحيرات، ويوجد نوع من الدلفين في نهر الجانج فقط، وهو النهر المقدس بالهند، وأصبح هذا الدلفين أعمي تقريباً في مياه النهر الطينية. وهناك حيوانات أخرى يبدو أنها تعيش طبيعيا في البحر أو على البر، ومن هذه سباع البحر، ويصطاد بعضها للحمه وللاستفادة بجلده. ولكن أعظمها شهرة هي سباع البحر التي يستعمل فراؤها الدافئ لصنع المعاطف غالية الثمن.
وتوجد سباع البحر صيفاً على مجموعة الجزر الصغيرة التي تسمى بر بياوفس في بحر بهرنج. وهناك تذهب الأمهات لتضع صغارها وتبقى أسر سباع البحر هناك عدة شهور. وتلعب الصغار على الشاطئ أو بين الأمواج، ويحميها الضباب الكثيف من حرارة الشمس. وهناك تتجمع عده ملايين من سباع الحر، ويمكن سماع نباحها وعوائها على بعد كيلومترات.
وعندما تبدأ زوابع شهر سبتمبر نعود سباع البحر إلى البحر. ويظن أنها تسعى وراء غذائها على طول حافات الأفاريز القارية حيث ينحدر قاع المنطقة الضحلة إلى المياه العميقة، لأنه وجدت في معداتها بعض الأسماك الغريبة التي تعيش هناك. وسباع البحر مثل الحيتان تستطيع أن تغوص إلى أسفل بعيداً في البحر، ولكنها كلها يجب أن تعود إلى السطح لتنفس.
وهناك حيوان بحري آخر يعيش سعيداً في البحر، وهو فرس البحر، وله سنان عظيمتان تتدليان من فكه العلوي قد يكون طولهما أكثر من متر، وتزنان ست كيلوجرامات، وبوساطتهما يرفع نفسه من البحر ليصعد فوق كتلة من الثلج طافية ليأخذ غفوة في الشمس، وبوساطتهما يحفر في الشواطئ الصخرية بحثاً عن المحار والصدفيات الأخرى التي يتكون منها غذاؤه.
ونحن لا نتوقع أن يذهب دب إلى البحر، ولكن الدب القطبي الأبيض يبدو سعيداً بين الأمواج، وقد وجد عاما في البحر على مسافة أكثر من ثلاثين كيلو متراً من الشاطئ حيث ذهب يطارد سباع البحر أو الأسماك. وغطاؤه الأبيض السميك يوفر له الدفء، وفا عدا دب آلاسكا الأسمر الكبير فهو أكبر الدببة كلها لأنه قد يزن ۷۰۰ كيلوجراماً. والدبية في المناطق البعيدة جنوب المنطقة القطبية تنام طول الشتاء، ولكن الدب الأبيض ليس له مكان يذهب إليه، أو كهف أو أي مأوى آخر، ولذا فهو يحتمل الصقيع القاسي والرياح طيلة ظلام الليل القطبي الطويل.
والبحر في المناطق الحارة به مخلوقات أخرى لا تسرنا مقابلتها على البر أو في البحر، وهي حيات ماء متعددة الألوان - سود أو صفر أو خضر، وهي قد تنمو إلى مترين أو أكثر في الطول. ولبعضها مخالب مسممة أكثر فتكا من مخالب الحية ذات الجلجل. ومن حسن الحظ أنها توجد فقط في مياه المناطق المدارية، وهي ليست شائعة حتى هناك.
