ظهور الأسماك:
ظهرت الأسماك الأولى في البحار منذ حوالي 300 مليون سنة، وكانت مخلوقات غريبة انقرضت منذ زمن بعيد، لكنها كانت أولى أسلاف الأسماك التي نعرفها الآن. ولا بد أن الطبيعة كانت تحابي الأسماك الأن من بين كل الحيوانات الفقارية فإن الأسماك هي الأكثر عدداً.
أنواع الأسماك:
ويعرف العلماء من الأسماك أكثر من ۲۰٬۰۰۰ نوع. ولما انتقلت الحياة من البحر إلى البر وجدت بعض الأسماك طريقها إلى الأنهار والبحيرات، وبعضها الآخر كان يقضي جزءاً من الوقت في البحر وجزءاً في الماء العذب. ولكن ثلاثة أخماس الأنواع كلها بقيت في البحر، وهذه تحوي من الأفراد ما يفوق كثيراً عدد أفراد الأنواع الأخرى.
ولقد عرفنا شيئاً عن الأسماك الغريبة التي تعيش في أعماق البحار. ولكن |التي نعرفها أكثر من غيرها، وهي التي نأكلها، فإنها لا تعيش على مسافات بعيدة تحت سطح الماء. وهي تتجمع في منطقة الأفاريز القارية.
وبعضها بحب الماء الدافئ، وبعضها الآخر يفضل البرد. وإذا ارتفعت درجة الحرارة أو انخفضت ولو لدرجات قليلة فإنها تترك مكانها أو هلك.
حياة الأسماك:
تذهب الأسماك حيث تستطيع أن تجد وفرة في الغذاء. وبحر الشمال الذي بقع بين الجزر البريطانية وأروبا منطقة مفضلة للاغتذاء؛ إذ يزخر بالمروج العائمة المليئة بالدياتومات والكوبيبودات. والماء الملح ضروري للأسماك في البحر. فعندما وصلت ملوحة بحر البلطيق لأقل من المناسب هاجر منه السمك الرنجة ومات الوتر.
وأسماك البحر من نوعين، التي تغتذي عند سطح البحر، وتلك التي تنبش ببوزها في الطين والرمل كما تفعل الخنازير. والنوع الأول يأكل البلانكتون الطافي، والآخر يسعى وراء الديدان والمحار والقشريات على القاع.
وللأسماك ألوان تلائم البيئة التي تعيش فيها لأنها تحاول الاختفاء من أعدائها، فسمك الكريل (السمك الأنمش) والرنجة والبورى والمياس كلها ذات لون أزرق فضى مثل الأمواج التي تحيط بها، وهي تسبح عند أو قرب السطح.
والأسماك التي تغتذي عند القاع مثل البقلة (البكلاه) أو سمك موسى تفضل الألوان الرمادية أو السمراء. والأسماك التي تعيش بين الشعب المرجانية قد يكون لها كل ألوان قوس قزح.
من أحجام الأسماك:
وبيما بعض الأسماك تكون أقل من سنتيمترين في الطول فإن سمك القرش الحوتي العظيم قد يزيد على خمسة عشر متراً. وأغلب الأسماك تغطيها قشور تراكب الواحدة فوق الأخرى. والقليل منها له ألواح عظيمة مثل سمك الحفش.
وبعضها تقيه أشواك عظمية. وسمك القرش له جلد خشن مثل الورق المرمل والصنفرة، وذيل الأسماك وزعانفها مرتبة بطرق مختلفة عديدة.
وسمكة الشمس، وهي قد تزن طنين، ليس لها ذيل على الإطلاق.
وسمكة المجداف تبدو وكأنها كلها ذيل، وهي وإن كان سمكها تقريباً خمس سنتيمترات، فقد تكون عشرة أمتارفي الطول، وهي تومض بين الأمواج وكأنها شريط فضي. ويسميها الصيادون في النرويج ملك الرنجة، وليس لهذه التسمية ما يبررها؛ إذ أن لها فكين ضعيفين أو تكون عديمة الفكين تماماً.
ولكن سمكة أبو صنارة، تبدو وكأن فكها عبارة عن نصفها. وفي المياه الطينية يفغر فها، وكأنه فخ مفتوح. ويعرف عن هذه السمكة أنها تقتنص طير النورس وحتى الثعالب التي قد تجرى فوق منطقة المد والجزر. وقد ابتلعت سمكة واحدة من هذه الأسماك طولها متر ونصف متر سبعين سمكة من سمك الرنجة.
كيف تسبح الأسماك؟
وأغلب الأسماك تسبح بوساطة ذيلها، وتغير اتجاهها بزعانفها. وسمك الشراع الكبير له زعنفة على طول الظهر تبدو شبيهة بشراع المركب الصيني.
والسمك الطائر يستعمل زعانفه مثل أجنحة الطائرة. وهو يستطيع بعد أن يشق الأمواج أن يقفز في الهواء لمسافة 60 متراً أو أكثر. وفي بعض الأحيان يسقط على ظهور السفن في الليل فيحصل أهل السفينة على غذاء بالمجان.
وبعض الأسماك تترك الماء وتتسلق الأشجار بوساطة زعانفها.
طبيعة حياة الأسماك:
وأغلب الأسماك تفترس الأسماك الأخرى الأصغر منها، وهي تطارده كما يطارد القط الفأر. وهناك أنواع قليلة من الأسماك مسلحة بأسلحة تستعملها بمهارة عظيمة.
وسمك السيف وسمك المنشار يضرب الماء ببوزه العظمى ثم يأكل السمك الذي يصيبه. وسمك المنطة الكبير يفعل نفس الشيء بوساطة زعانفه الشبيهة بالأجنحة. ولأنواع سمك القرش ذيل بطول الجسم كله، وهذا الذيل حافات عظمية حادة تقطع كالمنجل. وسمك القوبع اللاذع يحمل خنجراً مسمما في ذيله. وسمك الطوربيد يصعق فريسته بوساطة صدمات كهربية.
وسمك موسى وأشباهه منبسط لدرجة أنه يبدو وكأن شخصاً وطأه بقدمه، وسمك الحرمان (أبو منقار) وهو طويل ورفيع، يبدو حقيقة مثل المبرد. وسمك البالون وينفخ نفسه حتى بصير كرة ذات أشواك. وتوجد عمالقة بين الأسماك الشائعة، والرقم القياسي لسمكة من نوع القفندر (نوع من السمك المفلطح) هو تقريباً ثلاثة أمتار في الطول و۳۰۰ كيلوجرام في الوزن، وقد صيدت عينة من سمك والبكلاه وكان وزنها أكثر من 90 كيلوجراماً. وتعيش بعض الأسماك زمناً طويلا، وقد احتفظ ببعضها في أحواض لأكثر من خمسين سنة. ويحمل الكثير من الأسماك سجلا بأعمارها على كل قشرة من قشوره. فالقشرة تحمل، مثل ساق الشجرة المقطوعة، حلقات تدل على عدد سنوات النمو.
وكل الأسماك تقريباً تضع بيضاً. وقد تضع سمكة موسي مليون بيضة، وسمكة «البكلاه، البقلة تسعة ملايين بيضة، وسمكة الشمس ۳۰۰ مليون بيضة. ولا ينمو إلى أسماك بالغة من هذا البيض إلا عدد قليل جدا. والبعض من القوابع وأسماك القرش نضع بيضاً طوله عدة سنتيمترات، وتكون البيضة محوطة بكيس يشبه المطاط سماه الرواد القدامى وجزلان البحارة».
والطريق الذي تسلكه بعض الأسماك في هجرتها هي سر من الأسرار الطبيعة لم يمكن تعليله للآن، فسمك سلمان يترك البحر ويرجع إلى نفس مجرى الماء العذب الذي نشأ فيه، وهو يكافح ضد تيار الماء فيقفز فوق الصخور وحتى يتسلق الشلالات، وقد يوجد منه أعداد عظيمة لدرجة أن الأسماك تملأ الغدير.
وعندما تصل الأسماك إلى المكان الذي تسعى للوصول إليه فإنها تضع بيضها وتموت. أما كيف تستطيع أن تجد الغدير الصحيح أو النهر فهو أمر أكثر عجبا من الراديو والتليفزيون، فهي ليس لديها خرائط، وقدرتها على الرؤية تحت الماء ضعيفة، ولا يوجد أحد بوجهها في طريقها. وهجرة ثعبان الماء أو «الأنكليس، أكثر غرابة.
وثعابين الماء في إنجلترا عندما يبلغ عمرها ثماني سنوات تقريباً فإنها تترك البركة أو الغدير الذي تعيش فيه. وهي تتاوى، مثل الثعابين، على الحشائش المائية ليلا. وعندما تصل شاطئ البحر فإنها تسبح عبر المحيط الأطلسي إلى مياه قرب جزيرة برمودا، وهناك تغطس إلى أسفل بعيداً تحت سطح الماء، وتضع بيضها ثم تموت.
وثعابين الماء شفافة مثل الزجاج، ولكل منها نقطتان سوداوان مكان العينين. وهي تسبح إلى سطح الماء ثم تبدأ رحلتها الطويلة إلى موطنها الأصلي. وقد تستغرق هذه الرحلة سنتين أو ثلاثا. وأغلبها يهلك، والذي يبقى منها بتحول شكلا ولونا.
أما كيف تهتدى إلى غايتها وهي لم تقطع هذا الطريق قط فسؤال لا يستطيع أحد الإجابة عنه إجابة سليمة حتى ولو كان أعلى العلماء الحاليين. ومن الأسماك ما هو من أعداء الإنسان، فسمكة البراكودا المفترسة التي توجد في الشعب المرجانية في فلوريدا لها أسنان حادة كالموسي تهاجم بها السابحين. ويخشى الناس سمك القرش أكثر من البراكودا، وأغلبه غير ضار، ولكن بعضه يسمى «آكل الإنسان، وعلى شواطئ كثيرة تشد شباك على قوائم خشبية الحماية السابحين. ولقليل من الأسماك أشواك أو زعانف سامة.
وأسماك البحر يفضلها الناس أكثر من غيرها كطعام. وسمك الرنجة أكثرها أهمية، ولكن من الأسماك النافعة البكلاه، الحساس (هادوك) والمكريل، والتونة، والقفندر، وسمك موسى، وأنواع أخرى عديدة. وصيد السمك يهواه بعض الناس كرياضة، ولكنه أيضاً صناعة كبيرة.
وتستثمر ملايين الجنيهات في صناعة سفن الصيد والشباك وكل الأشياء التي تحتاج إليها مثل تلك السفن، كما تصرف ملايين أكثر في تجفيف الأسماك، أو تدخينها، أو تمليحها، أو تبريدها، أو تعليبها، وذلك لغرض تسويقها. ولقد لعب السمك دوراً في التاريخ ليس صغيراً، وكان بين الإنجليز والهولنديين مشاحنات حول مناطق الصيد في بحر الشمال ظلت سنين عديدة.
وكان بين الدولتين محاجات حول مناطق الصيد في نيوفاوندلاند ومصائد سمك القفندر في المحيط الهادي. ولا يزال صيادو السمك من أهل البرتغال يعبرون المحيط الأطلسي سعياً وراء سمك البكلاه. ويعتمد سكان دول كثيرة، النرويجيون واليابانيون وغيرهم، على الأسماك كمصدر لجزء عظيم من غذائهم، ولكن المحيط كبير جدا وقابل للاستغلال على وجه أحكم مما حدث للآن.
ولقد بدأنا في السنوات الحديثة نعرف بعض الأشياء عن المياه العميقة. ووجد أن موجات الرادار ترتد من كتل متحركة في الأصقاع السفلية، وكان يظن أن هذه الكتل سحب سميكة من البلانكتون، ولكن يبدو أكثر احتمالا أنها قد تكون أسراباً من الأسماك. وإذا كان الأمر كذلك فهي قد تزيد من موارد طعامنا، ولذا فإن ما يبدو حاليا مناطق خاوية في البحار قد يساعد في اطعام دنيا تشكو الجوع وتخشى بأسه.