يتعلق بهذا
عجائب مخلوقات البحار وممكلة المد والجزر:
تتفتح لنا على شاطئ البحر كل يوم لعدة ساعات دنيا جديدة غريبة، وهي المنطقة من قاع البحر التي تنكشف عندما ينحسر الماء إبان الجزر، فتظهر عندئذ كثبان رملية وكأنها جزر أو برك عميقة بين الصخور.
ومن المحتمل أن نجد هناك بعض المخلوقات الغريبة التي تعيش في البحر. والكثير من هذه المخلوقات دائم العمل كثير النشاط، فهي تحفر أنفاقاً، وتغرس حدائق، وتبي منازل، بل مدناً. ونجد بينها نجارين وبنائين وبنائي سفن، ونساجين.
ويجب أن نعرف أن بينها أيضاً لصوصاً معهم أدوات دقيقة للسرقة. وكل هؤلاء هم أهل البحر الصغار، والدولة التي يعيشون فيها تسمى مملكة المد والجزر.
ولنتخيل أننا خرجنا في يوم من أيام الصيف نستكشف هذه المملكة على طول الشاطئ بنيو إنجلاند. فالأمواج تلعب بعيداً خارج الرمال الخارجية أو الصخور، والبحر قد انحسر إلى الخلف وكأنه يقول: «مرحباً بكم، ولكن أسرعوا لأني سأعود مرة ثانية..
وسنحتاج إلى جاروف صغير نحفر به وجردل نحفظ به بعض الكنوز التيي قد نجدها ومن المستحسن أن تأخذ معنا أيضاً عدسة مكبرة صغيرة، لأن بعض المخلوقات الدقيقة ومنشآتها صغيرة جدًا جدًا.
دعنا أولا نتجول على هذه المصطبة الرملية. فمنذ ساعات قليلة كانت المياه تغطيها والآن في وقت الجزر انحسر الماء عنها. وتمتد المصطبة الرملية تجاه البحر وكأنها إصبع طويلة تشير إليه.
ويغطى سطح المصطبة حيود مرتفعة هي تجمعات الرمال التي دفعها الأمواج، وتوجد أنهار صغيرة تصرف الماء المتخلف. وتحفر هذه الأنهار خنادق عميقة في الرمال كما تفعل الأنهار الكبيرة على اليابسة.
انظر إلى هذا الماء المندفع إلى أعلى وكأنه نافورة صغيرة. احفر بسرعة لترى الحيوان الذي يسببه. إنه يحاول الهروب، ولكنه لا يستطيع أن يتجه إلا إلى أسفل. لقد عثرت عليه، اجذبه، واجذبه بقوة.
إنه يبدو وكأن له جذوراً يمسك بها بقوة بالرمل، ولكن ها هو ذا يخرج بصدفتيه الطويلتين الشبيهتين بموسى حلاقة من الطراز القديم. إنه يسمى محار موسى الحلاقة، ولحمه الأبيض المصفر لذيذ الطعم جدا.
وما هذا الجحر الآخر الصغير بجوار قدمك؟ إنك تقول: "مجرد دودة"، ولكن انتظر ولا تستخف بها الأن الديدان مجموعة كبيرة بين كائنات البحر، وتوجد منها أنواع عديدة جدا، بعضها جميل للغاية، وهي كلها مثيرة للاهتمام.
وتسمى الدودة هذه دودة المحار، لأنها تأكل المحار، ولكن الأسماك تأكلها، ويستعملها الصيادون طعما يضعونه في الصنارة.
وانظر إلى هذه الأنبوبة العجيبة البارزة من الرمل، إنها مصنوعة من قطع من أصداف المحار وأعشاب البحر متماسكة بعضها ببعض بغراء، وقد صنعتها دودة من نوع آخر تستعملها كمنزل مريح.
وهذه قطعة من الخشب دفعها الأمواج على الشاطئ، إنها مليئة بالثقوب كقرص عسل النحل. إنك تستطيع أن تكسرها بين أصابعك، وعندئذ سترى كل ثقب مبطنة ليظهر وكأنه من أفخر أنواع الخزف.
والذي حفر هذه الأنفاق هو المحار الناخر، آفة السفن، أو تريدو، ويستعملها كمنزل له. وهو نجار ماهر، وقد بطن الجحر بمصيص أدق وأنعم مما يستطيعه أي بناء، ولكنه في الوقت نفسه أحدث كثيراً من الضرر وإن كان عن غير قصد؛ لأنه كان يسبب في الأزمنة السابقة تلفاً في قاع السفن الخشبية مما يؤدي إلى غرقها.
وما أغرب هذا الشيء؟ إنه يبدو لكل الناس كقنفذ صغير أخضر.
إنه مغطى بأشواك خضراء، ويسمى قنفذ البحر أو الرتسا، اقلبه وانظر إلى فيه فتجد به خمس أسنان تتقابل عند نقطة واحدة. وقشرته تتكون من آلاف من ألواح مشتبكة في تلازم بعضها مع بعض.
وبتحريك أشواكه يستطيع أن يزحف ببطء على الرمال. ويعتبر قنفذ البحر بناء أيضاً، لأنه يحفر على بعض السواحل الصخرية جحوراً في الصخر نفسه بحتمي فيها من الأمواج.
وهذا «نجم بحر، بديع له خمس أصابع وردية اللون. ولكل إصبع ميزاب ممتلى بأنابيب دقيقة تتحرك وتتلوى. وإذا قطعت نجم البحر إلى خمسة أجزاء متساوية ورميتها في البحر فإن كل ذراع تستطيع أن تنمو إلى نجمي بحر جديد. وما هذا المخلوق العجيب الذي يزحف خارجاً من الماء الضحل؟ إنه يبدو كعنكبوت كبير، وهو في الواقع يسمى "السرطان العنكبوتي".. لاحظ عشب البحر النامي على ظهره. إنه غرسه هناك هو بنفسه حتى لا يراه السمك الجائع عندما يعتكف على القاع. والسرطان العنكبوتي بستاني ماهر. وهو له ابن عم كبير الحجم يعيش في المياه العميقة خارج شواطئ اليابان، وهذا له أرج يمكن أن تمتد ثلاثة أمتار أو أكثر. أما ملك السرطان فله جسم يشبه قدم الحصان وهو أدرد وله عدة أعين..
وما ه ذا النبات الأصفر النامي على كل سطح صدفة الوتر هذه؟ إنه ليس نباتا ولكنه حيوان الإسفنج الحفار. أمسك بالصدفة ولاحظ كيف تتفتت بين أصابعك، لقد حفر الإسفنج ثقوباً فيها كلها، وهو يستطيع أن يحفر ثقوباً في كتل الأسمنت في «أرصفة، المواني. وهذا نوع آخر من الإسفنج يشبه القفاز، وهو يسمى إسفنج الإصبع.
وفي البحار الدافئة ينمو الإسفنج في بعض الأحيان فيصبح ذا أحجام كبيرة. وهنا رقعة من الطين. اكحت بعض هذا الطين وانظر إليه خلال عدستك المكبرة. إنه يبدو حيا، وإنه لكذلك. وتعيش أنواع عدة من مخلوقات شبيهة | بالجمبري الصغير في الطين الناعم. وإذا كان لعدستك قوة تكبير أعظم، استطعت أن ترى بعض حدائق بديعة من الدياتومات، تلك النباتات الدقيقة التي تطفو في أعداد عظيمة في البحر، وهي تنمو أحسن في الطين.
والآن ننتقل إلى إحدى الوحدات السكنية، التي توجد في البحر. إنك تقول: ما هي إلا منطقة غنية ببلح البحر، وهذا صحيح، ولكن هناك آلافاً منه، وهو بالتأكيد عدد كاف لتكوين مدينة. وقد غزل كل فرد منها خيوطاً قوية يمسك بها بمكانه، فهو غزال ماهر.
وفي إيطاليا تنسج أشباه هذه الخيوط وتصنع منها قفازات. وفي فرنسا وأقطار أخرى تعتبر أنواع قريبة من بلح البحر طعاماً لذيذة. ويبدو أن أغلب الناس لا يعرفون أن بلح البحر طعام طيب. والآن ننتقل إلى صخرة كبيرة ومدينة من نوع آخر. إنك تقول: «ما هي إلا مجرد أطم قشرية».
وهذا صحيح، ولكن كل فرد منها قد شيد منزلا فوق الصخر، ولكل منزل جدرانه، وهذا المنزل وإن لم يكن له نوافذ إلا أن سقفه متحرك، ويخرج الأطوم الذي بداخل المنزل، خلال هذا السقف، لوامس طرية تبدو شبيهة بريش النعام الصغير. ويجمع الأطوم بوساطة هذه اللوامس النباتات الطافية التي يتكون فيها غذاؤه. وحوى مدن الأطم آلافاً عديدة من المنازل. وفي أستراليا تنمو الأطر في طبقات ارتفاعها عدة سنتيمترات، ويأكلها الناس لأنها من أقارب الجمبرى، الأمر الذي ما كان يخطر بالبال.
وأغلب الأطر لا تحب التنقل، ولكن أطر الحوت تثبت منازلها على أجسام الحيتان. وبهذه الطريقة تسافر مجانا آلاف الكيلومترات. وهذه صدفة طولها نحو ثلاث سنتيمترات. ما أجمل شكلها اللولي. ولكن صيادي الوتر لا يوافقون على هذا، لأن هذه هي حفار الوتر الذي يقتل الكثير من الوتر الصغير.
ويحمل حفار الوتر داخل صدفته لساناً ملتوية مثل لولب الساعة مغطى بأسنان مثل المبرد، به يحفر ثقباً خلال الصدفة التي اتخذها الوتر منزلا له. وهكذا يتضح أنه لص غادر.
لقد غاص الحفار الصغير إلى القاع بين باقة من أزهار زاهية. وهذه هي شقائق البحر. وهي وإن كانت حيوانات، وليست نباتات، إلا أنها تسمى أزهار البحر. ولشقائق البحر حافات لها أسجفة دائمة التحرك. وفي أثناء حركها تغذى على نباتات مائية دقيقة وصغيرة لدرجة أنك لاتستطيع رؤيتها.
وما هذا الشيء الغريب الذي د بطرطش، في الماء الضحل؟ إنه يسمى الحبار أو السبيط. لقد انحسر الماء عنه حين الجزر، وهو مهموم لهذا السبب.
ما أغرب شكل رأسه بعينيه الكبيرتين. وتلك الأذرع أو اللوامس التي تتلوى وهو يحاول أن يجد طريقاً إلى الماء العميق. ولكل ذراع على سطحه السفلى ممصات تشبه الفناجين بوساطتها يستطيع أن يمسك بسمكة صغيرة. وله منقار شبيه بمنقار الطير يقضم به.
وجسمه، وهو نحو ۲۰ سنتيمتراً في الطول له لون الطوب الأحمر الباهت، وله شكل الطوربيد. وفي الواقع يسمى الحبار في بعض الأحيان طوربيد البحر، لأنه يستطيع أن يقفز هنا وهناك بسرعة عظيمة.
. وأنت لا تستطيع أن تتخيل كيف يقفز إلا إذا رأيته يفعل ذلك. فهو يملأ فيه بالماء، ثم يخرجه بقوة عظيمة لدرجة أن الماء يدفعه إلى الخلف ويكون رأسه في الاتجاه المضاد. المسه فقط بالخاروف وانظر ما سيفعل. إنه يلفظ شيئاً أسود كالحبر، إنه يفعل ذلك ليصنع سحابة في الماء حتى يستطيع أن يهرب من أعدائه.. وهذه المادة هي حبر حقيقي كان ولا يزال يستعمل كذلك من زمن بعيد في أقطار البحر المتوسط.
والآن انظر هناك، لقد عاد المد، وتتدافع الأمواج نحونا تحمل رغوة بيضاء، وكل المخلوقات التي حولنا سعيدة الآن، فهي تفضل أن تختفي تحت الأمواج الرحيمة من أن تترك حيث يمكنك أن تعثر عليها. وهي تستطيع تحت الأمواج أن تبدأ الحفر والبناء والنسيج، والغرس.
والآن يجب أن نذهب. ولو كنا في بعض أجزاء أخرى من الدنيا لكانر علينا أن نسرع في عودتنا، لأن المد هناك يأتي بسرعة تعادل سرعة عدو الإنسان، ولكن في نيو إنجلاند يأتي المد ببطء ولذا لدينا متسع من الوقت للعودة.
ونستطيع أن نعود غداً، لأن تعرف المخلوقات الصغيرة التي تعيش في مملكة المد والجزر تعرفاً دقيقاً يحتاج إلى أيام عديدة، وقد يستغرق ذلك العمر كله.