أول ظهور الحياة في الدنيا (كان في البحار):
في وقت ما لم تكن هناك حياة على سطح الأرض كلها، لا حيوان ولا نبات من أي نوع. كل شيء كان مادَّة بغير حياة. وقد يدهشك أن تعرف أن الحياة بدأت أولاً في البحر.
أما كيف اشتعلت الشرارة الخافتة الأولى للحياة هذه في المادة غير الحيّة، فذلك أمر لا نعرفه، ولكننا نعرف أن البحر تجمعت فيه ببطء كل العناصر اللازمة للحياة. وفي خليج ضحل ما حيث كانت الشمس والحرارة ملائمتين تماماً دبت الحياة بين هذه العناصر.
ويمكن أن يقال إن الحياة نشأت بفعل الخالق سبحانه وتعالى لأن الجميع متفقون على أن قوة عليا تسيطر على كل الأشياء من أصغرها إلى أعظمها - من الذرة إلى النجوم.
وحتى في وقتنا هذا فنحن نستطيع أن نرى العناصر تتحد لتكون تلك الأشياء الغريبة التي تسمى فيروسات، وهذه دقيقة لدرجة أننا لا نستطيع رؤيتها إلا خلال أعظم الميكروسكوبيات تكبيراً.
ولا يعرف العلماء هل كانت الفيروسات حية حقيقة أم أنها مجرد بقع من مادة على وشك أن تبعث فيها الحياة؟ وقد تسب الفيروسات أمراضاً مثل الحمى القرمزية أو الالتهاب الرئوي. وبعضها يسبب أضراراً للنباتات. والكثير منها يبدو أنه عديم الضرر، وقد بدأنا الآن نعرف بعض الأشياء عنها.
وهناك أشياء أخرى دقيقة ولكنها حية على وجه التأكيد. وهي أكبر كثيراً من الفيروسات. ومع هذا فبعضها لا يزال صغيراً لدرجة أن آلافاتها إذا وضعت جنبا إلى جنب فلا يبلغ طولها سنتيمتراً واحداً، وبعضها هو أدق النباتات، وبعضها أصغر الحيوانات، وبعضها الآخر يمكن أن نسميه نباتاً أو حيواناً كما لو أن الطبيعة لم تقرر أي اتجاه تسلك.
وأصغر هذه الأشياء الحية ينقسم إلى نصفين، ثم ينقم كل نصف مرة ثانية، وهكذا تستمر الانقسامات إلى أن يتكون من خلية واحدة عدد عظيم مثل «طرد، النحل. ولمدة طويلة لم يكن لكل الأشياء الحية سوى خلية واحدة، ثم حدث بعد ذلك أن بعض الخلايا بدل أن يفترق بعضها عن بعض، تجمعت معاً وكونت نباتاً أو حيواناً أكبر.
ثم خطوة وراء خطوة نشأت أشكال عليا، وأخيراً ظهر الإنسان الذي يتكون جسمه من ملايين فوق الملايين من الخلايا. ونستطيع أن نتخيل كل هذا كسلم صعدت عليه الحياة تدريجياً. فالأشياء الدقيقة التي تتكون من خلية واحدة استطاعت أن تصعد درجة واحدة من درجات ذلك السلم. والمخلوقات الأكبر تسلقت درجات أعلى، والإنسان كان أعلاها تسلقاً وما زال يصعد إلى أعلى.
ولقد عاشت الأشياء الحية في البحار لأزمنة طويلة قبل أن تخرج منه لتعيش على اليابسة. وكانت القارات التي ظهرت ببطء عبارة عن صور وأرض جدباء، ولم تكن هناك نباتات نامية على سفوح الجبال أو في الوديان، وكانت الأرض صحراء واحدة كبيرة، وكانت كل الحياة في البحر، وقد استمر هذا | العشرات ملايين السنين.
ولكن مع مرور الزمن بدأت الأشياء الحية تسبح من البحر إلى أعلى الأنهار، واعتادت الحياة في المياه العذبة، واتخذت من طين الأنهار والمستنقعات مسكنا جديداً. وأخيراً زحف بعضها من دنيا الماء إلى دنيا الهواء الطلق وأشعة الشمس.
وأنت قد تسأل: متى بدأت الحياة؟ نحن نستطيع أن نقرأ بعض هذه القصة في الصخور، لأنه توجد بقايا نباتات أو مخلوقات نستطيع دراستها في مخور عمرها نصف مليون سنة، وهذه كلها أشكال من أحياء بحرية لم تظهر بعد على اليابسة. ولكن الأشياء الحية كانت توجد بأعداد وافرة في البحر الأزمان طويلة. ونحن نجد بقايا منها في صخور أكثر قدماً ترجع إلى بليون سنة على الأقل. وهذه البقايا كانت المخلوقات دقيقة تشبه تماماً تلك التي لا تزال تتكون منها طبقة الطرين التي توجد على هذا الجزء الكبير من قاع المحيط. وقد نشات هذه دون شك عن أشكال عاشت في وقت ما ثم اندثرت ولم ترك أي أثر.
وهناك طرق أخرى نعرف بوساطتها شيئاً عما ندين به للبحر. دمك نفسه مالح. وقد يبدو الملح شيئاً عديم الفائدة لحد ما. وهو يلعب دوراً جزئياً في تركيب اللحم والعظم، ولكن وجوده في الدم أمر ضروري. فأنت عندما تعرق في يوم حار فإن دملك يفقد بعض ما به من ملح، وقد تقاسي إذا فقد دمك كمية كبيرة من الملح دفعة واحدة.
ويحوي الدم الذي بك ملحاً بنفس النسبة التي كان بها في ماء البحر عندما ظهرت به أولى الكائنات الحية التي بعروقها دم. ويذكرنا الملح بالأزمنة البعيدة جدا عندما بدأت المخلوقات الواطية جدا في سلم الحياة صعودها في هذا السلم.
وهو يذكرك بأنك مدين بنشأتك للبحر الذي هو منبع كل الأحياء.
أجل لم تنشأ الحياة في البحر فحسب، ولكن البحر يعول كل شكل من الحياة الآن؛ فهو مصدر الماء الذي يحتاج إليه كل شيء حي. وحتى نبات الصبار في الصحراء يحتاج إلى قدر من الرطوبة ولو قليلا جدا، وإلا مات. وإذا جفت البحار جفت القارات أيضاً واختفت كل الكائنات الحية.
وإذا أردنا أن نعرف ماذا يحدث عندئذ فلننظر إلى القمر. فليس بالقمر بحر أو ماء وليست عليه كائنات حية، إنه دنيا ميتة.
والبحر لم يتمخض عن الحياة فحسب، ولكنه يرعى كل أشكال الحياة الآن، لأنه دون مائه السخي لا تستطيع الكائنات الحية أن تعيش طويلاً.