هناك أشياء أخرى يجب أن تعرفها عن قاع المحيط، لأن ثلاثة أرباع وجه الكرة الأرضية تقريباً عبارة عن قاع محيط.
هل ترغب أن تمشى قليلا على قاع البحر؟ إن أحداً لم يفعل ذلك قط ولا يبدو محتملا أن أحداً سيفعل ذلك أبداً. ولكنا قد نفعل ذلك في خيالنا كما قد نتجول بين جبال القمر أو نركب طائرة صاروخية إلى كوكب المريخ.
ومن المؤكد أننا نستطيع المشي مسافة قصيرة على قاع المحيط عندما نسير بين الرمال والصخور المبتلة في منطقة المد والجزر. وينزل الغواصون لمسافة عدة أمتار لجمع اللآلى أو الإسفنج، أو بحثاً عن حطام السفن، أو الكنوز المدفونة. ولكنهم ينزلون في المياه الضحلة في منطقة الأفاريز القارية أو حول الجزر القريبة، ولكن البحر العميق يقع خارج هذه المناطق. وعمق ثلاثة أرباعه ثلاث كيلومترات على الأقل، وعمق نصفه خمس كيلومترات أو أكثر.
وفي وقت ما كان المتعارف عليه أن قاع البحر العميق مستو تقريباً مع انحدارات طفيفة فقط، ولكنا نعرف الآن أكثر من ذي قبل، فإضافة إلى سلاسل الجبال والقمم المنفردة التي تثير الاهتمام فإن قاع البحر يرتفع في هضاب وينحدر في وديان عميقة. وكان يظن كثير من الناس أن هذه الهضاب التي تحت الماء تدل على مواقع قارات غارت تحت الأمواج. وروى الإغريق قصصا مثل هذه عن قارة الأطلنتيس المفقودة التي كانت تمتد بعيدا إلى خارج في المحيط الأطلسي. وكانوا يظنون أن مجموعات الجزر خارج ساحل أفريقيا هي كل ما بقي من هذه القارة التي غرقت.
وتمتد هضبة عظيمة تحت البحر عبر المحيط الهندي من الهند إلى القارة القطبية المنعزلة. ويقول بعض العلماء إن هذه الهضبة هي ما بقي من قارة أخرى مفقودة. بل هم يدعون أن الهند الجنوبية وجزيرة مدغشقر الكبيرة خارج ساحل أفريقيا هما أجزاء من هذه القارة المفقودة.
وتوجد هضبة أخرى شاسعة تمتد تحت المحيط الهادي من القارة القطبية إلى أمريكا الوسطى، وتوجد جزر كثيرة مبعثرة في هذا الجزء من المحيط. وينظر إلى هذه الجزر على أنها جبال ترتفع فوق قارة مفقودة تسمي مو.
ويعتقد كثير من العلماء أن القمر كان في وقت ما جزءاً من الكرة الأرضية.
ويظن بعضهم أن قاع المحيط الهادي كان ندبة كبيرة بقيت على وجه الأرض عندما انفصل القمر وأخذ يدور في الفضاء.
والمحيط الهادي ليس فقط أكبر المحيطات ولكنه أعمقها. والمحيط الأطلسي أقلها عمقاً، ولكن ذلك يعود إلى أنه يحوي مساحة عظيمة جدا من الأفاريز القارية. وإضافة إلى الهضاب الرئيسية تحت البحر توجد هضاب عديدة أصغر. هذه تسمى شطوطا. والشطوط الكبيرة خارج ساحل نيوفاوندلاند معرفة جيدة.
وهذه أكبر من نيوفاوندلاند نفسها. ويقطع صيادو الأسماك كل المسافة من أوربا إليها لصيد سمك البقلة (البكلاه) الذي يوجد بكثرة عظيمة في مياه هذه الشطوط.
وهناك منطقة أخرى مشابهة هي شط دوجر في بحر الشمال، وهي مشهورة | أيضاً بأسماكها. وفي بعض الأحيان تخرج الخرافات من شط دوجر آلات وأسلحة حجرية، مما يدل على أن أناساً كانوا يعيشون هناك في وقت ما عندما | كانت أرضاً جافة في الأزمنة البعيدة قبل أن يبدأ التاريخ.
وتثير الهضاب والمناطق الضحلة اهتمامنا، ولكن يوجد أيضاً تحت البحر وديان عميقة تثير اهتمامنا بنفس الدرجة، كما توجد فجاج أيضاً. وحديثاً تتبع العلماء أحد هذه الفجاج لمسافة أكثر من ۱۳۰۰ كيلومتر على طول قاع المحيط الأطلسي. ويبلغ ارتفاع جدره ذات الانحدار الشديد عدة مئات من الأمتار.
ولكن توجد أيضاً وديان أكثر عمقاً تسمى أحواضاً أو خنادق أو أغوار. وقد نتوقع وجودها بعيداً إلى الخارج في المحيط، ولكنها توجد عادة قريبة جدا من البر. وأعمق جزء من المحيط الأطلسي لا يبعد كثيراً عن بورتوريكو، وأعمق بقعة في المحيط الهندي تقع قرب جزيرة جاوه.
والمحيط الهادي به أحواض وخنادق أكثر عمقاً. ويقع أحد هذه خارج ساحل اليابان، ولكن البارجة الألمانية إمدن وجدت بقعة أعمق على بعد ستين كيلومتراً تقريباً من شاطئ ميندانا، وفي الفلبين، وهناك نزل حبل سبر الغور ۱۰۸۰۰ متر، ومنذ ذلك الحين وجد أن هذا الرقم أكثر قليلا من الواقع، كما اكتشفت بقعة أكثر عمقاً قرب جزيرة جوام. ولكن المحيط الهادي كبير جدا وليس من غير المحتمل اكتشاف مناطق أكثر عمقاً.
وحتى المناطق الضحلة على طول السواحل بها أماكن عميقة. وهذه الوديان تمتد من قرب الشاطئ إلى الخارج إلى حافة الإفريز القاري حيث تغور إلى قاع المحيط. ويوجد واد مثل هذه الوديان العميقة خارج مونتيري في كاليفورنيا. وجدر هذا الوادي أكثر انحداراً وترتفع أكثر من جدر الوادي الكبير بكلورادو.
وقد اكتشفت فجاج مشابهة خارج مصب نهر الهدسون، ومصب نهر الكونغو في أفريقيا، وفي أماكن أخرى. ولهذا فإننا إذا خرجنا بقارب على طول الشاطئ فربما نمر دون أن نعرف فوق واد عميق لو كان مكشوفاً للرؤية لاجتذب الناس من كل بقاع الدنيا..
أما كيف تم نحت هذه الوديان المغمورة فغير معروف الآن، ويظن بعض العلماء أن هذه الوديان حفرتها أنهار عندما كانت القارات أكثر ارتفاعاً مما هي عليه الآن. ويظن البعض الآخر أن الذي نحتها هو الجليد في العصر الجليدي كما سنعرف فيما بعد..