عندها نذهب لشاطئ البحر فنحن نقف حيث يلتقي المحيط بالأرض، ولكن هذا الوضع لم يكن دائما كما هو الآن؛ لأن الخط الذي يفصل بينهما يتغير باستمرار، وهو خط معركة؛ لأن الأمواج والصخور في معركة بعضها مع بعض. وقد اختفت قرى بكاملها في البحر على طول السواحل الشرقية لإنجلترا.
وفي هولندا تبني جسور لصد هجمات البحر وتستعمل "الطلمبات الهوائية" لسحب الماء. ولكن منذ بضع مئات من السنين فقط حدث مراراً أن كسر المحيط بعض هذه الجسور فغرق عدد كبير من القرى الهولندية. وهولندا دولة منخفضة تغطى أراضيها رمال ومستنقعات مما يجعل للبحر الهائج فرصة للتفوق.
ولكن حتى أقوى المرتفعات الصخرية تتحطم أمام الأمواج التي تدفعها أعاصير الشتاء. وفي الدنمارك توجد كنيسة أحد طرفيها معلق على حافة مرتفع صخري شديد الانحدار تكون بفعل البحر ونحره للساحل.
وفي أجزاء كثيرة من الدنيا اختفت جزر وظهرت أخرى في حرب الرياح والأمواج التي تدور على الدوام، وحتى القارات نفسها تغير. وأحياناً ترد القارات البحر إلى الخلف في أثناء ظهورها، نتيجة الازدياد التدريجي في تجمد القشرة الأرضية، وفي أحايين أخرى تكون الغلبة للبحر فتغرق مساحات عظيمة من الأرض.
وقد رسم العلماء خرائط تظهر الشكل الذي كانت عليه الدنيا منذ مائة مليون سنة أو خمسمائة مليون سنة. وأمريكا الشمالية كانت أغلبها في وقت ما تحت البحر، وأجزاؤها التي كانت أرضاً جافة هي فقط كندا الشرقية وبعض جزر متجمدة من المنطقة القطبية، وأجزاء من ولايات نيويورك، وميتشيجان، وويسكونسن، ومنيسونا. وفي الوقت نفسه تقريباً، أو ربما بعد ذلك بقليل، ظهرت أيضاً فوق سطح البحر بعض أجزاء من أمريكا الجنوبية، ومن آسيا وأستراليا. وتدريجيا أخذت هذه القارات شكلا قريباً من شكلها الحالي.
وحدثت بعد ذلك تغيرات عديدة. ومنذ زمن ليس ببعيد حسب تقدير العلماء في حساب الزمن، كانت أمريكا الشمالية متصلة بآسيا.
وكان في وسع الهنود الحمر - وهم أول من سكن أمريكا الشمالية - أن يعبروا من أمريكا إلى آسيا على الأرض في مكان مضيق بهونج الحالى. وفي هذا الوقت تقريباً كانت الجزر البريطانية جزءاً من أوربا. والصحراء الكبرى في شمال أفريقيا كانت في وقت ما قاعاً لبحر قليل العمق. وكانت هناك بحار أخرى تمتد عبر آسيا. ووادي الميسيسيبي غمره البحر عدة مرات، كما كان يوجد في وقت ما خليج عميق مكان جبال روكي الحالية بأمريكا.
وفي شمال خط الاستواء – وهو الخط الذي يقسم الكرة الأرضية إلى نصفين متساويين - كانت الأرض أكثر نجاحاً في معركتها ضد البحر، وتقع أمريكا الشمالية، وآسيا، وأوربا، وجزء كبير من أفريقيا، وأمريكا الجنوبية شمال هذا الخط. ولكن حتى في هذا الجزء من العالم فإن البحر يغطى الجزء الأعظم من سطح الكرة الأرضية.
ولا يقع جنوب خط الاستواء سوى ثلث الأرض الجافة فقط، والدنيا هناك دنيا بحر في غاليها.
وأعظم القارات ارتفاعاً في القارة القطبية الجنوبية التي ترتفع أكثر من كيلومتر فوق سطح البحر، وأستراليا أكثر القارات انخفاضاً.
ومتوسط ارتفاع القارات والحزر كلها هو نحو ثلاثة أرباع الكيلومتر، على أنه توجد مناطق شاسعة عظيمة ليست فوق مستوى البحر بكثير، وبعضها تحت مستوى البحر.
وكل قارة تحيط بها أطواق من مياه ضحلة، وهذه تسمى «الأفاريز» القارية. وهي الأساسات التي ترتكز عليها القارات. والمنازل التي تعيش فيها مبنية على أساسات مدفونة في الأرض، والقارات مبنية على أساسات مدفونة في البحر.
والأفاريز القارية تكون في الغالب مستوية تقريباً، ولكنها تتحور بلطف من خط الشاطئ تجاه الحافة، وهناك تنحدر إلى أسفل بشدة مسافة ثلاث كيلومترات أو أكثر إلى قاع المحيط. وهذا الانحدار قد يكون أشد من انحدار جوانب الجبال.. ومتوسط عمق المياه على الأفاريز القارية هو أكثر قليلا من ۱۲۰ متراً.
على أنه حول القارة القطبية قد يكون 600 متر تقريباً، ومع هذا فهو لا يزال إفريزاً قارئا حقيقيا بالنسبة إلى البحر العميق الموجود خارجه. وقد تشمل الأفاريز القارية بحاراً كاملة مثل البلطيق أو الخليج العربي، وقد تصل مجموعة من الجزر بقارة مجاورة مثل الجزر البريطانية وأوربا.
وبعض السواحل ليس لها مثل هذه الأفاريز وتوجد بدلا من ذلك مرتفعات صخرية ترتفع بشدة من أعماق البحر، وفي بعضها الآخر قد يكون عرض الأفاريز مئات الكيلومترات. على أن متوسط عرضها هو نحو 50 كيلومتراً تقريباً.