يتعلق بهذا
تاريخ الكشف عن معالم القمر:
لقد كان هبوط نيل أرمسترونج وإدوين ألدرين على القمر في ۲۰ يوليو عام ۱۹۹۹ حدثا هاما في تاريخ البشرية. فلقد أصبح تنظيم رحلات للسياحة أو للعمل. وثمة أفكار بشأن إقامة قاعدة فضائية كبيرة على سطح القمر تبدأ منها الرحلات إلى ما هو أبعد منه من الكواكب أو إلى خارج المجموعة الشمسية فلنتخيل ما ستجد عليه القمر عندما نقوم برحلة لزيارته.
فإن القمر في لحظة انطلاق سفينتنا القمرية إنما يظهر فضيًا ولامعاً بدرجة أكبر مما نألفه على الأرض، وذلك لانعدام الغلاف الجوي الذي يحد من مدى الرؤية على الأرض. ويمضي الوقت ويزداد حجم القمر ويعظم لمعانه، وسرعان ما يأخذ الصورة التي نراه عليها عندما نفحصه خلال منظار مكبر صغير الحجم، فنتبين أن القمر ما هو في الواقع إلا سلسلة من المساحات الواسعة المظلمة على سطحه، كما تظهر لنا.
سلاسل الجبال العظمى التي تحيط بها، وفوهات البراكين الخامدة التي تأخذ شكل النقط المتناثرة على السطح. وهذا هو عين ما رآه جاليليو عندما نظر إلى قرص القمر الفضي الصغير عام ۱۹۰۹.
إلا أنه ظن أن المساحات المظلمة هي محيطات القمر فأطلق عليها اسم (ماريا)، وهو اللفظ اللاتيني لكلمة بحار، ولكن القمر كما نعرف خلوا من الهواء والماء على السواء، وليست بحار جاليليو سوى الأودية المسطحة الواسعة، برغم أننا مازلنا حتى اليوم نخلع عليها الأساء نفسها التي أعطاها لها الشعراء أيام جاليليو، مثل: «مار سرنيتاتس» أي «بحر الصفاء»، و «ترانكليتاتس» أى «بحر السكون»، و«مار إمبريم» أي «بحر الأمطار»..
ومنذ عهد جاليليو وعلماء الفلك دائبون على رسم القمر وتصويره، ويحمل الربان المسافر إليه أحدث الخرائط موضحاً عليها الجبال وفوهات البراكين والبحار كافة، وكذلك صور القمر التي التقطت بالمناظير الكبيرة كمنظار ماونت ولسون أو بالومار ماونتين...
وهي تبين معالم سطح القمر كأنه على بعد ۳۲۰۰ كيلومتر فقط، ونقترب من القمر وندنو منه ويصبح على مسافة ۳۲۰۰ كيلومتر منا، ويعمد ربان سفينتنا إلى السبح بها في مسار أو مدار دائري من حوله، وقد يبدو القمر للعيان كما يراه الفلكيون على الأرض خلال أكبر المناظير الفلكية التي تصل إلى ۲۰۰ سنتيمتراً كمنظار ماونت ولسون، إلى خمسة أمتار كالمنظار العالمي في بالومار ماونتين. ونحن نعلم من دراسات علماء الفلك خلال ۳۰۰ سنة مضت أن تطر القمر هو 3475 كيلومتراً.
أما الأرض فيبلغ قطرها 12756 كيلومتراً وتغطى بعض «بحار» القمر مساحات واسعة، وتكاد تكون مستديرة الشكل، فقطر «بحر الأمطار» يصل إلى ۱۱۲۰ كيلومتراً، أما «بحر الهدوء» فيبلغ قطره ۹۹۰ كيلومتراً.
وهناك على سطح القمر عشر سلاسل الجبال عظمي سميت تبعاً بسلاسل جبال الأرض: فتجد مثلا الألب القمرية، والبرانس القمرية...، وكلها تتميز بشدة وعورتها ووفرة القمم البارزة فيها.
وأعظم الجبال هناك سلاسل الأينيني القمرية التي تمتد على طول ساحل (بحر الأمطار) لترسم منحنيا عظياً طوله ۱۰۳۰ كيلومتراً، وفي هذه السلاسل أكثر من ۳۰۰۰ قمة عالية، يرتفع بعضها إلى علو 5400 متر، ولكن المنظر الذي يبهر أعيننا عند انحراف سفينتنا التدور من حول القمر هو ما لم تر الأعين على الأرض.
ومن أبدع ما نبصر فوهات البراكين المتناثرة في كل مكان، وتختلف أشكالها كما تتباين حجومها من الصغيرة جدّا التي يصعب تمييزها من مسافة ۳۲۰ كيلومتراً إلى الكبيرة التي يربو قطرها على 160 كيلومترا، وفي العصور الماضية أطلق المتخصصون الذين رسموا خرائط القمر أسماء الفلكيين الذين عاصروهم على بعض فوهات البراكين: فتجد مثلا فوهة كبرنيق، وفوهة تيخو، وفوهة كيلر، وهكذا... أما أكبر فوهة هناك فتسمى فوهة كلافياس، ويبلغ قطرها ۲۲۰ كيلومترا.
ويبلغ مجموع فوهات البراكين التي على وجه القمر المرئي نحو ۳۲ ألف فوهة. كلها مملوءة إما بمقذوفات البراكين المتجمدة أو بالغبار والأتربة. وهناك فوهات تظهر داخل فوهات أخرى أكبر، كما أن منها ما ينبثق خلال جدران الفوهات الأخرى. ومن الأشياء العجيبة الخلابة التي نراها ونحن في سفينتنا مجموعة مناظر كل
منها عبارة عن جرف طويل مستقيم، يزيد طول بعضها على 50 ميلا، والمعتقد أنها من نتاج استقرار أجزاء كبيرة من القمر على سطحه. ونبصر أيضاً تلك الشقوق العميقة التي على سطح القمر والتي تجري على مسافات قوامها 140 أو ۱۹۰ من الكيلومترات.
وأعجب من هذا كله تلك الخطوط ذات الألوان الباهتة التي تمتد من فوهات البراكين العظمى إلى جميع الاتجاهات من حولها، وهي التي يطلق عليها الفلكيون اسم «الأشعة» وبعد أن نلف حول القمر عدة مرات يقرر ربان سفينتنا النزول في حركة لولبية.
وأخيراً يهبط على بحر الأمطار قرب قاعدة الأبنيني القمرية، إلا أننا لا نستطيع مغادرة السفينة قبل أن نلبس لللفضاء ونلمس الواقع: مهما بدا القمر جميلا خلاباً من على سطح الأرض، يا له من مكان مخيف مليء بالأخطار ولا سبيل إلى السكنى فيه!! إنه خلو من الماء والهواء على السواء. وليست جباله الشاهقة سوى مجرد صخور جرداء.
فأين عيون الأرض ومجاري مياهها وغاباتها وبساطها السندسي الأخضر؟!
وتتساقط أشعة الشمس المحرقة على سطح القمر وتخز أجسامنا وخز الإبر، ولا نجد نسمة من هواء تقينا شرها أو تدرأ عنا حرها ولما كان القمر يلف ببطء شديد حول محوره بحيث يكمل دورة كاملة في نفس الوقت الذي يكمل فيه دورته حول الأرض، نجد أن أي بقعة على سطحه تتساقط عليها أشعة الشمس مدة أسبوعين متتاليين، ثم تقع في الظلام خلال أسبوعين كذلك.
وترتفع درجة الحرارة في أثناء النهار الطويل على القمر إلى أكثر من نقطة غليان الماء ( ۱۰۰۱ درجة مئوية)، كما تنخفض خلال الليل إلى حدود 153 درجة تحت الصفر. وعلى ذلك فلا مناص من أن تكون لل الفراغ التي تلبسها مكيفة الهواء، خصوصاً إذا كان علينا أن نجوب القمر.
وتغطى سطح القمر طبقة سميكة من الأتربة تعوق انتقالنا من مكان إلى آخر، كما أن علينا أن نحذر من أن تنهار بنا الأتربة داخل فوهة عميقة من فوهات البراكين، أو قد تخبى تلك الأتربة من تحتها صخوراً حادة قاطعة.
ومهما يكن من شيء فإن صغر جاذبية القمر هي في الواقع في مصلحتنا. إنها تبلغ 4 جاذبية الأرض، مما جعل في مستطاعنا: قفز مسافة ۷٫5 متر دون مشقة تذكر. وتهوي الشهب دون هوادة فتسحق بعض صخور السطح.
وهناك نظريتان لتفسير وجود فوهات البراكين:
أما النظرية الأولى فتقول إن تلك الفوهات هي في الواقع من آثار البراكين التي تكونت في عصور القمر الأولى، وأما النظرية الثانية فتدعى بأنها نتيجة التصادم مع الشهب الكبيرة أو النيازك، فمن المعتقد أنه في أول عهد المجموعة الشمسية كان يتوافر في الفضاء كثير من الشهب الكبيرة الحجم أو النيازك، التي عندما تساقط بعضها على القمر أحدث تلك الحفرة الكبيرة.
ومن أمثلة ذلك على الأرض تلك الفوهة المعروفة في أريزونا باسم (ميتيور كريتر). وربما كان سطح الأرض يعج بأمثال هذه الفوهات في الأزمنة السحيقة، إلا أن عوامل التعرية ممثلة في الرياح والمطر والأنهار وغيرها أضاعت معالمها، ولا تتوافر هذه العوامل على القمر لخلوه من الماء والهواء فبقيت تلك الأخاديد كما هي.
ويتوق الفلكيون إلى العمل على سطح القمر، فمن المؤكد أنه موقع مثالي لهم يمكنهم من استخدام أجهزة أصغر كثيراً ما يستخدمونه على الأرض ومن الحصول على كميات هائلة من البيانات الجديدة.
كما أن الباحثين في سلوك الأشياء وخصائصها في درجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة وفي الفراغ سيسعدون بالذهاب إلى القمر حيث يجدون الظروف مهيأة لذلك.
أما كيف يعيش هؤلاء الناس على السطح القمرى حيث لا يوجد ماء ولا هواء، وحيث درجة الحرارة إما زمهرير البرد وإما الصهيد اللافح، وحيث الشهب الدقيقة التي تتطاير بسرعة هائلة في الفضاء المحيط بالقمر بدون مقاومة فتخترق جدار مركبات الفضاء وما شابهها.
إن هذه الشهب تأتي إلى الأرض ولكنها تحتك بجزيئات الهواء فتحترق بحرارة الاحتكاك لا يصيبنا منها سوء، فهناك أفكار كثيرة بشأن استعمار الإنسان للقمر، منها إنشاء مدن تحت قباب ضخمة لا يتسرب منها الهواء، وتزود باستمرار بمزيج من الأكسجين والنتروجين، كما تزود بالماء والتدفئة.
وإنشاء محطات التوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ومصانع للتعدين وتوليد الأكسجين ومزارع للنباتات باستخدام الماء المحتوى على المغذيات بدون تربة، وغير ذلك من الوسائل التي تساعد على الحياة في هذه المستعمرة الفقيرة، ولكن كل ذلك يتطلب تكنولوجيات جديدة وأموالا وفيرة وأيادي عاملة كثيرة. وربما يأتي اليوم الذي يتحقق فيه كل ذلك..
ويأمل علماء ومهندسو الفضاء أن يتحقق ذلك في المستقبل المتطور؛ حيث أنهم يتطلعون إلى إقامة قاعدة فضائية ضخمة يطلقون منها مركباتهم الفضائية إلى أغوار الفضاء السحيقة.