جهود الإستعدادات لزيارة القمر:

كان الهدف الأول في برنامج غزو الفضاء هو الهبوط على سطح القمر. ولقد اختير القمر ليكون الهدف الأول لأنه أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض، فهو يبعد عنها بنحو 400.000 كيلومتر فقط.

ولقد استغرق الاستعداد لبلوغ هذا الهدف ما يزيد قليلاً على أحد عشر عاماً ونصف العام منذ إطلاق القمر الروسي سبوتنك الأول في 4 أكتوبر ۱۹۰۷ حتى هبوط رائدي الفضاء الأمريكيين للمرة الأولى على سطح القمر في ۲۰ يوليو ۱۹۹۹.

لقد كان سباقاً مريراً بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، كل منها يريد إحراز السبق في الوصول إلى القمر.

وأطلق في هذا السباق العديد من مركبات الفضاء، زاد عدد ما حملت البشر منها على العشرين. وكان لكل مركبة مهمة خاصة للإتيان بمعلومات تعين على إحكام خط سير الرحلة وتأمين سلامة زائري القمر في الذهاب والعودة.

وكان من المعلومات الأولى المفيدة اكتشاف حزام الإشعاع المحيط بالكرة الأرضية الذي نبه إلى وجوب تدريع مركبة الفضاء بدروع تقي راكبيها ضرر هذا الإشعاع. كما استطاع العلماء تقدير تأثير الشهب في مركبة الفضاء ووقاية المركبة وملاحي الفضاء من هذه الشهب.

وكان القصد من الرحلات البشرية، التحقق من تأثير الفضاء في صحة ملاحي الفضاء وردود أفعالهم ومقدرتهم على أداء مختلف المهام وهم في حالة انعدام الوزن، وحل بعض المشاكل المتعلقة بسفر الفضاء وكان أهمها العودة والدخول في جو الأرض.

ولقد بدأت رحلات الفضاء براكب واحد فقط في كل رحلة، فكان أول ملاح في الفضاء هو الروسي يوري جاجارين الذي بقي في الفضاء ساعة ونحو خمسين دقيقة في ۱۲ من أبريل 1961، أما أول ملاح فضاء أمريكي فقد كان شبرد الذي بقي في الفضاء 15 دقيقة في 5 من مايو ۱۹۹۱. وبعد ما يقرب من اثنتي عشرة رحلة فردية أمريكية وسوفيتية خلال ما بين ثلاثة وأربعة أعوام، زاد عدد ملاحي الفضاء في المركبة الواحدة إلى اثنين أو ثلاثة وكانت من مهام الملاحين أو ثلاثة الملاحين، القيام بأعمال تتصل اتصالاً مباشراً بالهبوط على القمر والعودة منه.

فقاموا بأعمال كثيرة منها الخروج بالمركبة من مسارها والعودة إليه والالتقاء بكبسولات في الفضاء في موقع محدد، وتأمين التحام مركبتين في الفضاء والسباحة في الفضاء" بخروج أحد الملاحين خارج مركبة الفضاء مع ارتباطه بالمركبة بحبل سري لتزويده بالأكسيجين وللاتصال التليفوني بينه وبين زميله في المركبة.

وبعد التأكد من إمكان التحكم في كل ما يتصل بالملاحة في الفضاء بدأت مرحلة استكشاف القمر ذاته وتحديد موقع هبوط الزائرين على سطحه.

وبدأ هذا الاستكشاف بإرسال آلات تصوير تليفزيونية في مركبات فضاء قمرية كانت مهمتها التقاط صور القمر عندما تصل إلى ارتفاع معين منه، على أن تستمر في إرسال هذه الصور إلى أن ترتطم بسطح القمر. ونجحت بعض هذه الرحلات في إرسال آلاف الصور الواضحة لسطح القمر التقط بعضها على مسافة لم تزد على ۱۲۰۰ متر منه.

ثم تلا ذلك إرسال مركبات خالية من البشر لتحط على سطح القمر وتلتقط صورة للمنطقة التي تحط عليها. ولقد أرسلت هذه المركبات آلاف الصور التي التقطت على أبعاد تراوحت بين 30 و60 سنتيمتراً من سطح القمر، فبانت تفاصيل التربة واضحة، ولقد زودت إحدى المركبات بمخلب معدني حفر حفرة صغيرة في سطح القمر في حين كانت آلة التصوير التليفزيونية تلتقط صوراً للأتربة التي نتجت من الحفر، وبذلك تمكن العلماء من حساب مدى تماسك القشرة القمرية.

وبعد الحصول على هذه الصور وتحليل بياناتها أرسلت مركبات فضاء التدور في مدارات حول القمر وتلتقط صورا لجميع أنحائه وترسلها إلى الأرض. وبالاستعانة بهذه الصورة بالإضافة إلى المعلومات السابقة أمكن للعلماء أن يقرروا موقع هبوط الإنسان على القمر.

وبدأت المرحلة النهائية للاستعدادات بإرسال ثلاثة ملاحين في مركبة فضاء ليتحققوا بأنفسهم من سطح القمر في أثناء دوران المركبة في مدار لم يزد بعده على ۱۱۰ كيلومتر من سطح القمر. وأعقب ذلك رحلتان أخريان، جرب فيها الملاحون فصل المركبة القمرية من المركبة الرئيسية ثم التحامها مرة ثانية وتحققوا من صلاحية المعدات وجهاز التزويد بالأكسيجين وبدلة الفضاء التي سيستخدمها الملاحون الذين يهبطون على سطح القمر، كما التقطت صور تليفزيونية ملونة للموقع المختار للهبوط في (بحر السكون).

وأجريت اختبارات مستفيضة لتأثير جاذبية القمر في دقة المسار وفي صباح ۱۷ يوليو ۱۹۹۹ انطلقت مركبة فضاء تحمل أول أدميين قدر لها أن يهبطا على سطح القمر ومعهم زميل ثالث بقي في انتظارهما بالمركبة الرئيسية بعد انفصال المركبة القمرية لحين عودتها. وكان هؤلاء الملاحون هم نيل أرمسترونج وإدوين ألدرين ومايكل كولنز الأمريكيين.

وفي مساء ۲۰ يوليو ۱۹۹۹، هبط نيل أرمسترونج وإدوين ألدرين في المركبة القمرية بعد أن فصلاها عن المركبة الرئيسية، على سطح القمر، تاركين مايكل كولنز يدور في المركبة الرئيسية في مدار حول القمر منتظرة عودتها.

وظل الملاحان ست ساعات ونصف الساعة داخل المركبة القمرية قبل أن يخرج منها نيل أرمسترونج وتطأ قدماه سطح القمر، وتبعه إدوين ألدرين بعد 19 دقيقة.

ولقد شاهد الملايين من سكان الأرض هذا الإنجاز الرائع على شاشات التليفزيون في حينه وقبل عودتها جامعًا عينات من التربة والصخور مستخدمين أدوات خاصة التحليلها في المعامل الأرضية. وأقاما محطة صغيرة للزلازل للكشف عن أية هزات قمرية.

ولم تكن هذه الرحلة هي الوحيدة التي قام بها أمريكيون إلى القمر، فقد تبعها ما لا يقل عن خمس رحلات، هبط في كل رحلة منها رجلان على مواقع مختلفة من سطح القمر، وذلك للإتيان بمزيد من المعلومات عما يمكن أن تكون عليه الحياة إذا استوطن الإنسان القمر وإمكان إقامة قاعدة قمرية ينطلق منها الإنسان إلى ماهو أبعد من كواكب أخرى داخل المجموعة الشمسية وربما خارجها.