أقمار سبوتنك1 وسبوتنك2:

ربما رأيت أحد أقمار سبوتنك الروسية يعبر السماء بعد الغروب مدة قصيرة أو قبيل الشروق في خريف عام 1957، فقد كان يبدو كنجم لامع جداً وهو يسبح في مساره ليقطع القوس من أفق إلى أفق في مدة لا تتجاوز خمس دقائق.

وربما أتيحت لك أيضاً فرصة سماع نغمة البيب - بيب التي دأب على إذاعتها إذا كان لديك جهاز التقاط الأمواج القصيرة واستطعت أن تضبطه على الموجة التي كان يرسل عليها إشاراته، فقد أطلق الروس قمرين رآهما وسمع إشاراتها الألوف المؤلفة من الناس، في أنحاء الأرض كافة، وأطلقوا عليهما الاسم الروسي «سبوتنك»: وهما سبوتنك رقم 1 وسبوتنك رقم ۲.

متى تم إرسال سبوتنك 1 للفضاء؟

وتم إرسال سبوتنك رقم 1 إلى الفضاء في 4 من أكتوبر عام 1957، والتقطت أولى إشاراته اللاسلكية في الولايات المتحدة في تمام الساعة 8 والدقيقة 7 مساء بعد أن اتفق أعضاء السنة العالمية الطبيعيات الأرض على أن ترسل الأقمار الصناعية إشاراتها اللاسلكية على موجة ذبذبتها ۱۰۸ ميجاهرتز، إلا أنه تبين أن سبوتنك رقم 1 إنما كان يرسل إشاراته اللاسلكية على موجتين ذبذبتهما ۲۰ ثم 40 ميجا هرتز وبمجرد أن عرف أن سبوتنك (1) كان يسبح في الفضاء دأب مرصد سمثو نيان في واشنطون على الاتصال بمراقبي القمر في أنحاء الأرض كافة مستخدماً التليفون تارة والتلغراف تارة أخرى، واستطاع بذلك أن يتصل بأكثر من ۱۰۰ هيئة تعمل على رصد القمر خلال الليل قبل أن يبزغ فجر اليوم التالي.

وفي الوقت نفسه صدرت التعليمات إلى الاثنتي عشرة محطة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أنشأتها لمراقبة الفانجارد لتغير ضبط ذبذبة الأمواج الملتقطة من ۱۰۸ ميجاهرتز إلى ۲۰ و4۰ ميجاهرتز، وكان سبوتنك (1) يسبح في مسار يعمل مع خط استواء الأرض زاوية قدرها 65 درجة ولم يكن هذا المسار صادق الاستدارة، بل كان قطعاً ناقصاً. والمعروف أنه إذا أطلق قمر صناعي في اتجاه يوازي سطح الأرض تماما، وأعطى السرعة الكافية تمامًا، فإنه لا شك يسبح في مسار دائري، وينجم عن الخطأ في اتجاه الإطلاق أو مدار السرعة تغير في شكل المسار من الشكل الدائرى إلى القطع الناقص.

ويختلف القطع الناقص عن الدائرة بأن الأول له ما يسمى بالبؤرتين بدلاً من مركز الدائرة. والمعروف كذلك أن مسارات الأرض وسائر الكواكب السيارات في قطاعات ناقصة تحتل الشمس موضع إحدى بؤراتها.

ولقد اتضح أن سبوتنك (1) كان لا يعلو فوق سطح الأرض إلا بمسافة قدرها 240 كيلومتراً كلما مر بأدنى نقط المسار، أما في أعلى نقط المسار فإن ارتفاعه كان يبلغ ۸۸۰ كيلومترا. وأذاعت جريدة برافدا الروسية أن سبوتنك (1) تم إطلاقه باستخدام صاروخ من ثلاث مراحل.

وقد بلغ قطر القمر الصناعي 58 سنتيمتراً، أما وزنه فقد بلغ ۸۳٫6 كيلوجراماً. وأدهشت هذه الأرقام العلماء وأثارت مشاعرهم، إذ دلت على أن الصاروخ الذي استخدم في إطلاق القمر إنما كان من الأنواع الكبيرة الضخمة حقا.

وسرعان ما ظهر أن المرحلة الثالثة ومقدمة الصاروخ الذي استعمل في إطلاق القمر كانا يسبحان معه حول الأرض بسرعة بلغت ۲۸٫۸ ألف كيلومتر في الساعة الواحدة، فكانت المجموعة تتم دورة كاملة حول الأرض في مدة مداها 96 دقيقة. ونظراً لدوران الأرض حول محورها كان القمر الصناعى يمر على بقاع مختلفة من سطح الأرض كلما أتم دورة حولها. ويبين الشكل المرسوم خطوط سير القمر المتتابعة.

وهناك كمية كافية من الهواء يمكن أن تقاوم حركة القمر على ارتفاع 240 كيلو متراً، مما سبب انحراف مساره، ولذلك بدأ هذا الأخير يهبط في حركة لولبية مقترباً رويداً رويدا من سطح الأرض.

وبطبيعة الحال تعرضت المرحلة الثالثة كما تعرض مخروط مقدمة الصاروخ لنفس الظاهرة. عندما اقتربت المجموعة من الأرض، ودخلت في طبقات سميكة من الغلاف الهوائي احترقت بتأثير الحرارة المتولدة بالاحتكاك، تماماً كما تحترق الشهب.. والمعتقد على أية حال أن حطام أو بقايا المرحلة الثالثة سقطت إلى السطح خلال فترة وجيزة مضت بعد أول ديسمبر عام 1957.

وأطلق سبوتنك الثاني في 3 نوفمبر عام 1957، وكان يزن نصف الطن، ولم يكن قمراً كرويا وإنما كان في الحقيقة عبارة عن المرحلة الثالثة من مراحل الصاروخ الذي استخدم.

وحملت هذه المرحلة داخلها جهاز اللاسلكي وسائر المعدات التي استعملت في قياس درجات الحرارة، وكثافة الهواء، وإشعاعات الشمس فوق البنفسجية، وكذلك الأشعة الكونية. وأعجب من هذا كله أن تلك المرحلة حملت معها أيضاً راكباً حيّا، هو كلب من كلاب الإسكيمو الصغيرة، من نوع يقال له (لايكا) وصعد الكلب داخل حجرة محكمة الإغلاق مكيفة الهواء بها ما يلزم من الطعام. وكانت أجهزتها تسجل عملية تنفس الكلب ووجيب «ضر بات» قلبه وكذلك ضغط دمه، ثم ترسل هذه التسجيلات إلى جهاز إذاعة القمر ليرسلها بدوره إلى محطات الأرض.

ولم ترق لكثير من الناس ولم تعجبهم فكرة إرسال كلب حي يسبح حول الأرض في زمهرير الفضاء الخارجي حتى يلاقي أجله المحتوم، إلا أن أغلب البشر كانوا على بينة من الحاجة الماسة إلى جمع تلك المعلومات التي لا غنى عنها في دراسات أسفار الفضاء، والتي لا سبيل إلى الحصول عليها إلا بإجراء مثل هذه الاختبارات، وقد مات الكلب فعلا بعد بضعة أسابيع، مقدماً أجل الخدمات للإنسانية وبحوث طب الفراغ.

وكان مسار سبوتنك الثاني قطعاً ناقصاً، ارتفعت أدنى نقطة عن سطح الأرض مقدار ۱۹۰ كيلومتراً فقط؛ أما أعلى نقط المسار فكانت على ارتفاع ۱۹۸۰ كيلومتر من السطح. وكان هذا القمر يستغرق ۱۰۳٫۷ من الدقائق ليتم دورة كاملة حول الأرض. ومهما يكن من شيء فإن أغلب الأسئلة التي أثارها الناس حول الأقمار الروسية دلت على أنه لم يكن لدى الكثيرين منهم فكرة واضحة عن الأقمار الصناعية.

فقد كان السؤال التقليدي: «ما الذي يحمل سبوتنك على البقاء في السماء»؟

وتتلخص الإجابة عن هذا السؤال، في أبسط صورها، في أن سبوتنك يظل يسبح في السماء لأنه لا يوجد هناك مايحول دون ذلك. وهناك فكرة خاطئة فحواها أن سبوتنك إنما يسبح لأنه يظل خارج نطاق جذب الأرض إلا أنها فكرة أبعد ما تكون عن الحقيقة، فمجال جذب الأرض هو الذي يعمل على بقاء القمر الصناعي في مساره، تماماً كما يعمل على بقاء القمر الطبيعي في فلكه سواء بسواء ولكي تفهم ذلك يلزم أن نستعرض قوانين نيوتن الثلاثة للحركة؛ ولعلك على أية حال مازلت تذكر القانون الثالث الذي فسر لنا سر انطلاق الصواريخ، والذي ينص على أن لكل فعل رد فعل مساويًا له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه.

ويقول قانون نيوتن الأول للحركة: إن كل جسم ساكن أو متحرك يظل ساكناً أو متحركاً بسرعة منتظمة وفي خط مستقيم مالم تؤثر عليه قوة خارجية.

وفي معنى آخر أن الجسم إذا ما تحرك يظل يتحرك إلى الأبد مالم تعترض سبيل حركته قوة خارجية. أما قانون نيوتن الثاني فيقول: إن أي تغير في سرعة أو اتجاه جسم متحرك إنما يتناسب مع القوة التي تؤثر في الجسم، وكذلك مع طول الفترة التي تعمل فيها هذه القوة.

ونحن في ظل هذين القانونين نستطيع أن نفسر كيف أن قوى جذب الأرض، أو قبضتها إلى أسفل، تحفظ كلا من سبوتنك والقمر الطبيعي في مداره؛ فلو أن قوى الجذب هذه انعدمت لانطلق سبوتنك مارقاً إلى أعماق الفضاء في خط مستقيم، وكذلك لو أن سبوتنك كان ساكنا لا يتحرك لعملت قوى جذب الأرض على إسقاطه في الحال.

أما الذي يبقى على القمر سابحاً في مداره فهو الجمع بين الاثنين: ففي الوقت نفسه الذي ينطلق فيه سهوتنك مسرعا إلى أعماق الفضاء نجد أن الأرض تعمل على تساقطه مسرعاً إليها أيضاً؛ وتتعادل القوة الناجمة عن انطلاق القمر أو سبحه بمعدل ۲۸٫۸ ألف كيلومتر في الساعة مع قوى جذب الأرض؛ وهكذا يظل القمر يسبح في الفضاء تحت توازن القوتين، كما هو موضح في الشكل المرسوم.

وهكذا نرى أيضاً أنه من الصواب تماماً أن نقول: إن القمر الصناعي يتساقط بصورة مستمرة إلى الأرض. وينطبق هذا القول أيضاً على القمر الطبيعي، فهو. برغم تساقطه إلى الأرض منذ عدة بلايين سنة مضت لم يصل إليها بعد!

ولو أن أقمار سبوتنك كانت تسبح على أبعاد كبيرة من سطح الأرض لأتيحت لها فرصة البقاء إلى الأبد، إلا أن طاقات حركاتها تناقصت كلما دنت واقتربت من سطح الأرض في نقط مساراتها الدنيا، وذلك بعمليات الاحتكاك مع طبقات الجو السميكة نسبيا. وكلها تناقصت طاقات الحركة عملت قوى الجاذبية الأرضية على إسقاطها، حتى انتهى بها الأمر إلى الدخول في طبقات الجو السميكة واحتراقها فيها.