أدغال أفريقيا:
ليس هناك من منطقة على وجه الأرض تضارع أفريقيا الاستوائية في جمالها الأخاذ. فهناك الحبال المغطاة قممها بالثلوج، والأنهار العارمة، والسهول المتسعة الخضراء. والغابات الممطرة المشبعة ببخار الماء، ويحتوي الكونغو كل أولئك. ونصف مساحته التي تبلغ حوالي 2٫4۰۰٫۰۰۰ كيلومتر "904 ألف ميل مربع"، من أراضي الأدغال، ومع هذا فلا يقطن هذه المساحة الشاسعة سوى 13٫۰۰۰٫۰۰۰ فقط من الأهالي المستوطنين، وحوالي ۱۰۰ ألف أوربي، قارن هذا العدد بما تحتويه جاوة الصغيرة وهو 50000000 نسمة.
الكونغو:
والكونغو بلد المتناقضات، إذ تعيش في الأدغال قبائل وطنية يتراوح طول قامة أفرادها بين مائة وعشرين سنتيمترا عند الأقزام وأكثر من مترين عند أهالى: واتوس، العمالقة. ومع هذا تجد في صميم قلب هذه البلاد مدن حديثة بها ناطحات سحاب وشوارع متسعة للسيارات والطائرات. وفي الأدغال المتاخمة توجد مئات الألوف من أنواع الحيوانات المتوحشة التي يصطادها مقاتلون مدربون، أجسامهم مصبوغة ومشرطة حسب العادات القبلية.
ويمتد الكونغو عبر خط الاستواء. وطوال العام تكون ساعات النهار مساوية تقريباً لساعات الليل، وتبزغ الشمس حوالي الساعة السادسة صباحاً، وتغرب حوالي الساعة السادسة مساء. وهناك فترة قدرها نصف ساعة الفجر، ومدة مماثلة للشفق، وهذا يعني وجود ثلاث عشرة ساعة من ضوء النهار كل يوم.
جو الكونغو :
جو الكونغو حار رطب لمدة ستة أشهر، وحار فقط خلال الأشهر الستة الأخرى ويمكن للتراب خلال الفصول الحافة أن يخنق رجلا أو محرك ديزل.
نهر الكونغو :
ويقطع هذه الأراضي نهر الكونغو الذي يلتوي ويلتف لحوالي 4۸۰۰ كيلومتر/ ۳۰۰۰ ميل، في رحلته إلى المحيط الأطلنطي. وهو يقطع خط الاستواء مرتين.
وهذا النهر العظيم خامس أنهار العالم طولا. فنهر النيل والمسيسبي – ميسوري والأمازون واليانجتسي هي فقط الأطول منه. وعلى الرغم من خطوط الطيران شبكة الطرق، فإن نهر الكونغو وروافده هي وسائل المواصلات الأساسية لبلاد الأدغال هذه.
وعند مصب النهر على الساحل الأطلنطي توجد محطة للتجارة تسمى (بانانا) وهنا يتعين على المسافر الذي يرغب في المغامرة إلى داخل قلب القارة أن يستقل إحدى البواخر النهرية التي تسير بالوقود من الخشب.
وتتطلب الرحلة الوقوف عدة مرات على طول الطريق للتزود بالوقود، ذلك لأن تيار النهر قوي. وفي كل عام تحرق آلاف وآلاف من حزم أخشاب الماهوجني الفاخرة لتموين غلايات هذه المراكب النهرية.
وفي الطبقات السفلية للباخرة يحتشد الأهالي الإفريقيون بعضهم مع بعض.. جميعهم يحملون أمنعهم معهم، وكذلك الأطفال والحيوانات والببغاوات المبللة والنسانيس، وهم يطبخون ويأكلون وينامون في هذه المساحة المزدحمة لعدة وبمجرد أن تغادر الباخرة المحيط الأطلنطي وندخل في الجزء الأسفل من النهر، تثبت درجة الحرارة العالية ويكون الهواء خافتاً عديم النسمات.
الجزء الأسفل من الكونغو:
ويبدو الجزء الأسفل من الكونغو خالياً من مظاهر الحياة، اللهم إلا من ملاقاة قارب في شراع قاتم من قوارب الأهلين من حين إلى حين. ولكن بينا نغالب الباخرة طريقها عكس التيار، نرى أحيانا أماكن خالية صغيرة على ضفة النهر. وهنا يكافح التجار والمستعمرون بحثاً عن مستقر، ولكن سرعان ما تبتلعها المناطق المغطاة بالنباتات.
وصفحة الماء في نهر الكونغو ناعمة مثل الزجاج، ولكن يجب على الباخرة أن تسير في خط متعرج إلى الخلف والأمام عبر النهر لكي تسلك أكثر الطرق عمقاً. وهي تسترشد خلال ذلك بعلامات ملاحية ملونة، هي المظهر الوحيد الحضارة في هذه المناطق.
الطريق المائي:
وعلى طول الطريق المائي نجد أنواعاً من الطيور لافتة للنظر. في كل مكان توجد طيور قاق الماء أبو قردان وطائر العجاج والبلاشون اسود الراس. وإنك ترى هنا وهناك أحد رجال المارابو يأخذ حمام الضحى.
وتندفع الطيور صائدة السمك المصري إلى أسفل إلى حافة الماء وتعود ومناقيرها ممسكة بأسماك صغيرة.
وهناك أيضاً طيور مفترسة (للقنص) وأحدها هو النسر أسود الناصية ذر الغالب الضخمة والأرجل مغطاة بالريش. ونوع آخر هو الصقر ذو اللون البني الداكن الذي يعيش على الخفافيش، وليس هناك أكثر زهواً من اللون القرمزي لعصفور النار أحمر المنقار....
ولا يخفف قدوم الليل من الحرارة الممتزجة بالرطوبة. وتظهر مجموعة من النجوم فوق صفحة تيار الماء السريع.
ويبدد سكون الليل طنين أنواع من الحشرات وأصداء صياح الضفادع الأفريقية الضخمة.
وفي اليوم التالي تحث الباخرة السير إلى ماتادي، التي تقع بالضبط أسفل أول مساقط المياه العظيمة لنهر الكونغو. وفي ماتادي أنشي خط حديدي لتجنب الشلالات، وبذا ينقل البضائع والركاب إلى نقطة أبعد أعلى النهر. وإلى وقت أن تم بناء هذا الخط الحديدي في عام ۱۸۹۸، لم يكن هناك طريق مطلقًا للنفاذ إلى الكونغو من الغرب.
وزمجرة مساقط الماء التي تعرف باسم شلالات ليفنجستون، لها صوت يشبه عاصفة رعدية قوية مستمرة. وقد قدرت القوة الكامنة لهذا الجزء من النهر بحوالي 114 مليون قدرة حصان.
وقاطرة وعربات سكة حديد ما تادي تشبه بعض الشيء ما نراه في مدينة الملاهي. فليس لهذا الخط الحديدي مكنات ديزل قوية أو عربات انسيابية.
ويحكي المعمرون في الكونغو أن بناء الخط الضيق الذي يبلغ 360 كيلومتراً ، تكلف حياة أحد المواطنين لكل (فلنكة)، وحياة أحد الأوربيين لكل ثلاث (فلنكات). ولا يزال الناس يناقشون تكاليف هذا المشروع في صورة المجهود الآدمي وحياة الأشخاص.
فقد تم تجنيد العمال من جميع أنحاء أفريقيا. وكان الطعام شحيحا. وقد تطلب مد8 كيلومترات وأميال) من الخط عبر الصخر الخالص مدة عامين، ولا عجب إذن أن الأهالي المبهورين أطلقوا على البلجيكيين اسم د بولا ماتارى، أو محطمي الصخر.
وقبل الانتهاء من مد خط السكة الحديد، حملت خمس مراكب بخارية (مفككة) فوق هذا الطريق الفظيع لكي يهاد تجميعها أعلى الشلالات. وتلهث المكنة الصغيرة وتصفر. وتنحي بزوايا قائمة تقريبًا. وتقترب من الشاطئ بدرجات متفاوتة مفزعة، وتزحف في أماكن أخرى، وتقوم وتتوقف باهتزاز.
ويطلع الصباح ويهتز القطار الجزيل وهو يعبر الأراضي المنخفضة مارا بمستعمرات صغيرة الواحدة تلو الأخرى.
وفي النهاية يتسع النهر ليكون بركة استانلى بول، وهي تشبه بحيرة طولها ۲٤ كيلومتراً ۱۰۰ ميلا. وهنا عند المحطة المسماة "كنشاسا"، يغادر الركاب السكة الحديد الصغيرة. وكنشاسا جزء من ليوبولدفيل، وهي عاصمة الكونغو منذ عام ۱۹۲۳.
وقد نمت هذه المدينة المدهشة في صميم قلب الأدغال. ومنذ خمسة عشر عاما فقط كانت مدينة تعدادها يقل عن40000 نسمة.
والآن تضخم عدد سكانها، وليس هناك مدينة بالأدغال نمت بمثل هذه السرعة، وترشها طائرات الهليكوبتر بانتظام بمادة ال د.د.ت. مما يغني عن استعمال الكلل "الناموسيات".
وتزدحم شوارعها المتسعة التي يبلغ طولها 16 كيلومتراً بأحدث السيارات الأجنبية والأمريكية.
موارد الكونغو:
والكونغو بلد زاخر بالثروة، ذلك لأنه ينتج عدة أشياء تجعل إمبراطورية الأدغال هذه فائقة الأممية. وهو إلى يومنا هذا المنتج الرئيسي لليورانيوم للعالم الغربي. وموارد الثروة الهامة الأخرى هي الألماس والنحاس والكوبالت والذهب وزيت النخيل والقطن. ويصنع الورق من المصادر التي لا تنضب من خشب الأدغال.
العاج "الذهب الأبيض" في أفريقيا:
يسمى العاج عادة "الذهب الأبيض" لأفريقيا، والكونغو تقدم الكثير من العاج لصنع كرات البلياردو، ومفاتيح البيانو، وقابض الدكاكين، وأدوات الزينة في العالم. ومعظم العاج الذي يصدر الآن يعرف باسم العاج الميت.
وهذا يستجلب من مخازن وطنية تراكمت طوال السنين، أو من الأنياب الموجودة في الأماكن المخبأة الغامضة بالأدغال حيث كانت الفيلة المسنة تذهب لتموت.
ويستجلب العاج الأبيض من السهول المفتوحة، أما النوع المسمى بالعاج الأسود فيأتي من الأدغال. ولونه في الحقيقة بني ضارب إلى السواد، ويبدو كما لوكان قد حرق بشدة. ويحتمل أن هذا اللون هو نتيجة النوع الخاص من الطعام الذي يفضله فيل الغابة.
وأقل من خمس العاج الذي يصدر الآن يأتي من حيوانات صيدت حديثًا. وهذا يسمى بالعاج الحي.
مدن "كوكيلها تقيل" و"ستانلي فيل" في الكونغو:
المسافر الذي يتخطى ليوبولدفيل "في الكونغو" إلى قلب أفريقيا بجد مدينتين أخريين فقط تقفان بينه وبين غابة أتوري الكبيرة الغامضة، وهاتان هُما كوكيلها تقيل وستانلي فيل.
وتقع الأولى على المنحى العلوي لنهر الكونغو على خط الاستواء مباشرة.
وتقع ستانلي فيل أبعد من ذلك بنحو ۱۰۲۹ كيلومترا، أعلى النهر، وهي واحدة من أقدم المدن في الأدغال. وقد أنشأها منذ خمسة وسبعين عاما المستكشف الإنجليزي الكبير هنري ستانلي.
وهناك أبرم معاهدات مع زعماء القبائل من المواطنين. ولا تزال أشجار المانجو الأربع التي زرعها المستكشف الرائد في مكان القرية الأصلية تُرى حتى الآن.
والأهمية الرئيسية لهذه المدينة تكمن في كونها النقطة النهائية التي تصل إليها البواخر النهرية بعد ليوبولدثيل. وبعد ستانلى فيل تكمل السكة الحديد والطرق نظاما دقيقا للنقل.