اكتشاف الحمض النووي DNA
سنة اكتشاف الحمض النووي: 1953م
ما هو اكتشاف الحمض النووي؟
- تركيب وشكل الجزيئة التي تحمل المعلومات الوراثية لكل كائن حي
من هو مكتشف الحمض النووي؟
- فرانسيس كريك Francis Crick وجيمس واطسون James Watson
أهمية اكتشاف الحمض النووي تاريخياً؟
صنع البايو كيميائي البريطاني فرانسيس کريك وزميله الأمريكي جيمس واطسون أول نموذج دقيق للتركيب الجزيئي للحامض النووي الرائي منقوص الأوكسجين، أو الDNA، الذي يعتبر الشفرة الرئيسية لبناء وعمل جميع الكائنات الحية. هذا الاكتشاف من قبل الكثيرين بأنه «الاكتشاف الأكثر أهمية للقرن». .
أتاح اكتشاف تركيب جزيئة الDNA لعلماء الطب فهم وتطوير علاجات للعديد من الأمراض المميتة، مما أدى إلى إنقاذ حياة ملايين من البشر. الآن، دخل علم الDNA أروقة المحاكم على نطاق واسع، كما قاد هذا الاكتشاف لفك الجينوم البشري ولوعود باکتشاف علاجات لآفات خطرة وعاهات خلقية مختلفة أخرى.
لقد أعادت إكتشافات كريك المتعلقة بتركيب ووظيفة الDNA صياغة دراسة علم الوراثة، فأولدت حقل الأحياء الجزيئية، وأعطت اتجاهاً جديداً لحشد من المساعي والجهود في ميادين الطب المختلفة.
كيف جاء اكتشاف الحمض النووي؟
بدت الغرفة وكانها احتضنت تواً احتفالاً للصغار فهاجت وماجت بهم وبقطع ألعابهم المتناثرة، أو كأنها غرفة ألعاب في مدرسة إبتدائية للأولاد مفعمين بالنشاط. فها هو السقف وقد تدلت منه منحوتاتª متحركة من الأسلاك المتشابكة، خرزات ملونة، شرائط من صفائح معدنية، قصاصات من ورق المقوى، مسامير وكرات خشبية- فيتراءى للناظر وكأنه في مغارة أسطورية بأعمدا الكلسية الهابطة. أما أرضية الغرفة والمناضد فكانت تعج بمعدات البناء، المقصات، قطع القصدير، صفحات تحوي معادلات معقدة، أكداس من التقارير والبحوث العلمية، وألواح فوتوغرافية بصور بلورية سينية مشوشة.
الزمان.. عام 1953م، والمكان.. المكتب الموجود بالطابق الثاني في بناية عمرها ثلاثمائة عام ضمن حرم جامعة كامبردج، تقاسمه كل من فرانسيس کریك Francis Crick وجيمس واطسون James Watson.
لم تكن المنحوتات المتحركة مجرد ألعاب لا طائل منها لطالبين يتمتعان بوقت وافر اللعب والمرح، بل كانت تمثل مجهود مضن ودؤوب منهما في سبيل الظفر بالسباق العالمي لحل لب الحياة وصميمه، وذلك من خلال فك طلاسم شکل جزيئة الDNA.
بحلول عام 1950، كان البايو كيميائيون قد إستنتجوا أن نواة الخلية كانت الحاملة للمعلومات الوراثية. كان أساس اللغز يكمن في كيفية استنساخ جزيئة الDNA الضخمة لذاتها بحيث تستطيع أن تمرر هذه المعلومات إلى خلية جديدة، كائن جديد، وبالتالي جيل جدید.
من أجل الإجابة على هذا السؤال، كان على أحد ما أن يعي أولاً الشكل الذي بدت عليه جزيئة الDNA العملاقة هذه.
في كامبردج، انضم كريك إلى البيولوجي الأمريكي جيمس واطسون على اتفاق التضافر بجهودهما لبناء نموذج لجزيئة الDNA، في حين اتبع كل منهما دراسته المنفصلة وأطروحة بحثه الخاصة به.
بحلول عام 1951م، بدأت مقاطع ومقادير صغيرة من المعلومات تبزغ شيئاً فشيئاً حول ال DNA في مناطق متعددة من العالم. فقد اكتشف إيروين تشارغاف" ªErwin Chargaff
أن هنالك نسبة محددة من التسلسلات النيوكليوتيدية في قواعد ال DNA، مما يرجح تواجد علاقة مزدوجة بينها. أما أوزوالد افيريª Oswald Avery، فأجرى تجارب على DNA البكتيريا مظهراً بأنه الحامل للمعلومات الوراثية في الخلية.
ومن جانبه بني لينوس باولينغª Linus Pauling لفكرة عامة تفيد بشكل ألفا حلزوني لبعض السلاسل من البروتينات.
حاول كريك وواطسون أن يجمعا هذه الدلائل المنفصلة ضمن تركيبة بنائية واحدة. مستعملين قطعة صغيرة من السلك، خرزات ملونة، صفائح معدنية، وقصاصات من ورق المقوى، علق كريك وواطسون نماذج حلزونية محتملة على مكتبهما المشترك. كان ظنهما صائباً بتشكل سلسلة رابطة من السكر والفوسفات للعمود الفقري الحلزون الDNA، كما ربطا المزدوجات القاعدية من الببتيدات بطريقة صحيحة. مع ذلك، لم يتوافق النموذج مع ما كان متاحاً من البيانات الدقيقة.
شهدت جامعة كامبردج محاولات أخرى، منفصلة عن محاولات كريك وواطسون، قامت بها روزالیند فرانكلين Rosalind Franklin مستعملة تقنية التصوير البتوري السيني لخلق صور ثنائية الأبعاد لجزيئة الDNA.
في منتصف كانون الثاني (يناير) من عام 1953م، أعادت روزاليند تصميم كاميرات الأشعة السينية التي استعملتها، فأظهرت الأفلام السينية الناتجة عن هذه الكاميرات الصورة المعروفة الآن على هيئة حرف X، التي اقترحت شکل حلزونية لجزيئة الDNA.
بعدما جاءته البلاغات السرية عن المعلومات الجديدة بحوزة فرانكلين، تعمد کریك سرقة إحدى الصور السينية التي تظهر الشكل X من روزاليند.
أخيراً وضعت هذه المعلومة المسروقة كلاً من كريك وواطسون على طليعة السباق لحل مسالة تركيب ال DNA.
فبحلول منتصف شهر شباط (فبراير) من ذلك العام، كانا قد صنعا أول نموذج بنائي كامل الجزيئة الDNA، مستخدمين الشكل الحلزوني المزدوج المعروف اليوم، على هيئة سلسلتين لولبيتين ملفوفتين على بعض ª .
الهوامش المرجعيّة:
ª النحت المتحرك mobile نوع من أعمال النحت نشأ في أوائل القرن العشرين، يتميز عن الأنواع الأخرى بأنه يحقق تعبيره أو مغزاه عن طريق الحركة، بينما تحقق أعمال النحت التقليدية تعبيرها بترتيبها للأشكال الصامتة الثابتة. يعتبر النحات الأمريكي ألكسندر كالدير Alexander Calder أول من أبدع أعمالا فنية متحركة حقيقية. وترتبط هذه الكلمة عموما بنوع الفن المتحرك غير المدار آليا، والذي بدأ كالدير في صنعه عام 1934م، مستخدما الأسلاك وأشكال الصفيح المدهونة.
ª إيروين تشارغاف (1905- 2002م): بایو کیمائي نمساوي- أمريكي، ساهم في بلورة فكرة التركيب الحلزوني المزدوج لل DNA بعمر الثلاثين، كان قد نشر ثلاثين تقريراً علمياً، كما كتب 15 كتابا و450 تقرير منشورا بكافة المواضيع. اشتهر عنه قوله: «إن تقنية الهندسة الوراثية تشكل تهديدا للعالم أكبر من التقنية النووية. أتمنى أن أكون متواطئا في هذا الذنب».
ª أوزوالد أفيري (1877-1955م): عالم أمريكي کندي المولد، يعد من أوائل المايكرو بيولوجيين ورائدا من رواد علم الكيمياء المناعية. وصف بأنه أكثر شخص استحق جائزة نوبل ولم ينلها.
ª لينوس باولينغ (1901-1994م): عالم وكاتب وناشط سلمي أمريكي، يعتبر واحدة من أكثر العلماء تأثيرا في تاريخ الكيمياء، وثاني اثنين ينال جائزة نوبل في حقلين مختلفين (بعد ماري كوري). نال أول جائزة نوبل له في الكيمياء عام 1954م على شرف "بحثه في طبيعة الأواصر الكيميائية وتطبيقاتها وكذلك في توضيح تركيب المواد المعقدة"، أما الثانية فكانت في السلام عام 1963م «لوقوفه ضد تجارب صنع و استخدام الأسلحة النووية ودوره في حل النزاعات الدولية» إبان الحرب العالمية الثانية.
ª حاز کریك و واطسون على جائزة نوبل في الطب أو الفسلجة عام 1962م، بينما حرمت فرانكيلن من هذا الحق نظراً لوفاتها بعمر مبكر عام 1958م متأثرة بمضاعفات سرطان المبيض.