اكتشاف نظريات أصل الحياة (Origins of Life)
سنة الاكتشاف: 1952م
ما هو هذا الاكتشاف؟
- أول إعادة مختبرية للعملية الأصلية التي توالدت بها الحياة على الأرض
من هو مكتشف نظرية بدأ الحياة؟
- ستانلي ميلر Stanley Miller
لماذا يعد اكتشاف نظرية أصل الحياة من أهم الإكتشافات؟
لطالما كان أحد أعظم الألغاز في الوجود: كيف تكونت الحياة للمرة الأولى على هذا الكون؟ وكثرت النظريات. لقد تم العثور على بكتيريا لا توجد على الأرض بشكل طبيعي في نيازك وجدت بالقارة القطبية الجنوبية. فالحياة هنا ربما أتت من كوكب آخر؟
على مدى أكثر من مائة سنة، كانت النظرية العلمية الأكثر شعبية هي القائلة بأن الحياة (جزيئات الDNA) قد تطورت أولاً من الأحماض الأمينية التي توالدت بطريقة ما في الخليط الكيميائي الحسائي للبحار الأولية.
لقد كانت مجرد نظرية - وإن حظيت بقاعدة شعبية واسعة- حتى جاء ستانلي ميلر ليعيد تولید ظروف المحيطات المبكرة في مختبره، ويظهر بأن الأحماض الأمينية أمكنها فعلاً التكون من هذا الحساء الكيميائي.
لقد كان هذا أول برهان مختبري وأول اكتشاف علمي يدعم النظرية القائلة بأن الحياة على الأرض قد تطورت من المركبات الغير العضوية في المحيطات، فأصبحت حجر أساس في هيكل العلوم الحياتية منذ ذلك الحين.
كيف جاء هذا الاكتشاف؟
بحلول عام 1950م، كان العلماء قد استعملوا طرق مختلفة ليحددوا أن الأرض بعمر 4.6 بليون سنة. على أية حال، لم تتعد أقدم تسجيلات المتحجرات حتى للخلايا البكتيرية الصغيرة عمر 3.5 بليون سنة. هذا يعني أن الأرض ظلت تدور في الفضاء لأكثر من بليون سنة على هيئة کو کب لا حياة فيه، قبل أن تظهر عليها الحياة فجأة لتعم جميع أصقاع المعمورة.
كيف، إذن، بدأت الحياة؟ اتفقت الأغلبية من العلماء على أن الحياة قد انبثقت من مواد كيميائية غير عضوية. رغم أن هذه النظرية قد بدت معقولة في نظرهم، إلا أن أحداً لم يكن متأكداً من حدوثها على أرض الواقع.
خلال أواخر الأربعينيات من القرن المنصرم، إنضم الكيمائي هارولد يوريª Harold Urey من جامعة شيكاغو إلى فريق من علماء الفلك والكون ليحددوا ما بدت عليه البيئة المبكرة لكوكب الأرض. توصل هؤلاء إلى أن الجو الأولي للأرض كان يشابه باقي الكون90% هيدروجين، 9%هيليوم، مع نسبة 1% الأخيرة للأوكسجين والكربون والنيتروجين والنيون والكبريت والسيلكون والحديد والأرغون. من هذه المواد جميعاً، لا يتفاعل الهيليوم والأرغون والنيون مع العناصر الأخرى لتكون مركبات كيميائية.
حدد يوري عبر التجارب التي أجراها أن العناصر المتبقية (في تركيبهم المحتمل للغلاف الجوي المبكر للأرض) قد إتحدت لتكون الماء والميثان والأمونيا وكبريتيد الهيدروجين.
فلنوجه دفة الحديث إلى ستانلي ميلر Stanley Miller. ففي عام 1952م، قرر هذا الكيميائي البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً أن يضع هذه النظرية السائدة تحت الإختبار ليرى فيما لو أمكن للحياة أن تنتج من خليط يوري للمركبات الكيميائية. قام میلر بتعقيم شبكات طويلة من الأنابيب الزجاجية والدوارق والأكواب المختبرية، فبني ما يشبه مجموعة ممتدة من الأعمدة في مختبره وألزم بها الدوارق والأكواب المختبرية وأنابيب التوصيل الزجاجية هذه.
ملأ أحد الأكواب الكبيرة بالماء المعقم، والدوارق الأخرى بثلاث غازات عينها يوري ضمن الغلاف الجوي المبكر للأرض - الميثان والأمونيا وكبريتيد الهيدروجين.
قام ميلر بغلي كوب الماء ببطء بحيث يسمح لبخار الماء بالتصاعد إلى «جوه» المغلق الدهليز من الأنابيب الزجاجية والأكواب المختبرية. هناك، إختلطت مع الغازات الثلاثة الأخرى بشكل دوامات من السُحب في كوب مختبري معنون بعبارة «الغلاف الجوي».
أدرك ميلر أنه يحتاج مصدراً للطاقة لإطلاق معادلته الكيميائية هذه.
حدد العلماء الآخرون أن الجو المبكر للأرض إحتوى بروقاً مرعدة وعواصف متموجة بشكل مستمر تقريباً.
قرر ميلر أن يصنع برقاً إصطناعياً في غلافه الجوي، فربط بطارية إلى إلكترودین
وشن صعقات برقية خلال حجرة «الغلاف الجوي». كان هنالك أنبوب زجاجي يخرج من هذه الحجرة ماراً بملف للتبريد. هناك، تكثف بخار الماء من جديد وتقاطر في كوب للتجميع مربوط إلى الكوب الأصلي للماء.
بعد أسبوع من التشغيل المستمر لجوه المغلق الدورة، حلل میلر بقايا المركبات التي استقرت في كوكب التجميع لنظامه. فوجد بأن 15% من الكربون في نظامه قد تحول الآن إلى مركبات عضوية، و2% قد شكل أحماضاً أمينية حقيقية (المكونات الرئيسية التركيب البروتينات). تعجب جميع العلماء فعلاً من السهولة التي حضر بها ميلر الأحماض الأمينية - المكونات الأساسية للحياة العضوية وفي غضون أسبوع واحد فقط!
في عام 1953م، إكتشف تركيب جزيئة الDNA أخيراً. فكانت تركيبتها تتطابق جيدة مع الطريقة الأكثر احتمالاً لإتحاد جزيئات الأحماض الأمينية لإنتاج سلاسل أطول من الحياة. كانت ذلك دليلاً آخر داعماً للفكرة التي اكتشفها ستانلي ميلر حول طريقة بدء الحياة على الأرض.
الهوامش المرجعية:
ª هارولد يوري (1893-1981م): فيزيائي وكيميائي أمريكي أشتهر باکتشافه للديتيريوم (الهيدروجين الثقيل) عام 1932م، فنال عليه جائزة نوبل في الكيمياء عام 1934م.