يتعلق بهذا
الجهاز الهضمي والتوتر
هناك أسباب متعددة تؤدي إلى أمراض سوء الهضم والإمساك والبواسير، مثل اضطرابات المعدة والكبد وضعف التغذية وغيرها، ولكن من المؤكد أن للتوتر دوراً يلعبه ولا يمكن التغاضي عنه، أكان هذا التوتر نفسياً أو ذهنياً أو عضلياً، فالنتيجة واحدة .
ولقد تحدثنا عن عادة التنفس النموذجية كإحدى الوسائل المؤثرة في القضاء على التوتر، كما تعلمنا أن الأداء العضلي السليم في مناطق أسفل الظهر والبطن والردفين ذو دور فعال كذلك، وهنا أرغب في سرد بعض النصائح التي أثبتت فعاليتها في شفاء حالات كثيرة من داء الإمساك.
وبما أن الأخير ناجم عن توتر المستقيم (آخر أجزاء الأمعاء قبل فتحة الشرج) فمن المفيد أن تزيل هذا التوتر بالوقوف مباعداً بين قدميك مقدار 15 سم، ثم بثني الركبتين هبوطاً وصعوداً عدة مرات، وسيزول ذلك الإمساك سريعاً.
وهناك علاج آخر، حيث تقف وأصابع قدميك متجهة إلى الداخل حتى تتلامس مع بعضها، مع الحرص على استقامة مفصلي الركبة حينذاك، فيساعد هذا على تخفيف التوتر عن المستقيم.
وفي حالة الإصابة بالبواسير يُنصح بمزاولة التمرين السابق بضع مرات يومياً، وهي عبارة عن ورمات دموية صغيرة حول فتحة الشرج وألمها لا يطاق، وقد تنفجر أحياناً فتتجلى على شكل نزيف شرجي.
وغالباً ما يكون التوتر أو عادة الجلوس الخاطئ أو الإمساك أو ضعف الأوعية الدموية حافزاً على الإصابة بها، فالجلوس على ردفين مترهلين يزيد الضغط على أسفل العمود الفقري والمستقيم، ومن أجل هذا كان مفضلاً أن يُشدّ الردفان إلى الداخل والارتكاز على الفخذين أثناء الجلوس مع المحافظة على أسفل الظهر في وضع مستقيم. ومن الملاحظ أن التعب العام والقلق والافتقار إلى الاسترخاء هي قاسم مشترك بين معظم حالات اضطرابات القولون الوظيفية، ولذا وُجّهت إليها تهمة المسؤولية عن هذا المرض.
علاقة التوتر بالكبد والكلية
يتأثر الكبد سلباً بالتوتر، لأنه يعيق من جريان إفرازات المرارة فيدفعها إلى الاحتقان، وقد ينتهي الأمر في الحالات المزمنة إلى تكوّن حصوة في الحويصلة الصفراوية، وهذا ينطبق أيضاً على الكلية خاصة مع توتر منطقة الظهر، لأن الأخير يقف حجر عثرة في طريق الدورة الدموية المتصلة بالكليتين وما حولها.
علاقة التوتر بقرحة المعدة
مثلما كان التوتر مسؤولا عن نقص إفرازات المعدة الهاضمة، فهو كذلك قد يكون عاملاً على زيادتها مما يساعد على الإصابة بالقرحة، ولا يكفي أن نعلم أن التوتر سبب للقرحة فقط ولكن علينا أن نعرف ماهية السلوك الجالب له وأساليب علاجه حتى نحمي أنفسنا من شر قد يصعب شفاؤه.
حين حضر عازف كان مستنجداً من آلام تناوبه بسبب قرحة في الإثني عشر، بعد أن ساءت حالته على الرغم من اتباعه لكافة التعليمات الطبية، وبسؤاله عن تاريخ حياته، فهم منه كيف قاسي كثيراً في طفولته، والنتيجة البديهية لهذه التربية الخاطئة هي حبس المشاعر الطبيعية والتصرفات التلقائية وتقنينها، مما انتهى به في آخر الأمر إلى التوتر المكتوم.
إضافة إلى أنه كان يُجبر على العزف يومياً بعد حضوره من المدرسة، وقد كان متضايقاً متوتراً أثناء العزف في منطقة بطنه على وجه التحديد، كما كان تنفسه قصيراً متقطعاً، وبعد أن شرح له ذلك السلوك السلبي وسبل علاجه بالاسترخاء التام والتنفس الصحيح ومراقبة الأحاسيس وكيفية استخدام الأعضاء بحرص، بدأ التوتر الحاصل حول معدته واضطرابه أثناء العزف في التلاشي تدريجياً.| ملاحظة: إني أركز دائماً على عبارة إيقاظ الأحاسيس لأن معظم الناس لا يتنبهون لتوترهم المترتب عن خطأ سلوكهم إلا بعد أن يلفت نظرهم إليه. وهكذا بعد أن علم عازف الكمان أن طريقة تنفسه والتوتر حول معدته يقفان وراء إزمان قرحته، شرع في تغيير إيقاع تنفسه متعمداً في البداية حتى يصير تلقائياً، وجعل يتوقف عن العزف في اللحظة التي مهاجم التوتر عضلات بطنه فيستلقي دقائق معدودة طلباً للاسترخاء ثم يعاود العزف ثانية.
إذا كانت المشكلة باختصار هي المداومة على عادات سيئة لسنوات طويلة، وبالصبر والعزيمة أمكن التغلب عليها بعد أن علم المصاب مدى خطئه اللاواعي، فاستطاع التخلص من القرحة إلى غير رجعة.
الوقايةمن التوتر لصحة الجهاز الهضمي:
نستنتج مما سبق أن للتوتر يداً طويلة تمتد إلى أي عضو في الجسم، وهو شريك فعال في كل مرض، وإذا أتقنت فن الاسترخاء وتداركت عاداتك السيئة فستمنع عنك ولا شك معظم الأمراض المحتملة.
والتوتر نفسه عارض يقبل الوقاية والعلاج. والوقاية لا تكون إلا بوضع ميزانية لطاقاتك أي أن تدرس طاقاتك وتحددها مثلما تضع ميزانية لدخلك، فابحث إلى أي حد يبلغ مداك، وكم تستطيع، ومقدار الوقت اللازم، وما هي سرعتك الطبيعية، ثم تابع حياتك متقيداً بهذه الميزانية، وقد تكسب مالاً وفيراً في حياتك، ولكن أيستطيع أحد أن يضيف إلى عمرك يوماً واحداً؟
احرص على التوقف قبل التعب وليس بعده، على إزالة التوتر والراحة كنوع من الحذر، فبهذا تستمر حياتك من دون ضغط تحت أقصى الظروف، وبهذا تكتشف إكسير الحياة أو ما يسمى بينبوع الشباب الذي كان وما زال حلماً للإنسان.