اكتشاف المورثات المتقافزة أو الجينات القافزة - Jumpin Genes
سنة الاكتشاف: 1950م
ما هذا الاكتشاف؟
- المورثات ليست مثبتة بشكل دائم على الكروموسومات، لكن يمكن أن تقفز من مكان إلى آخر
من المكتشف؟
- باربارا مكلينتوك Barbara McClintock
أهمية هذا الإكتشاف؟
وافق كل باحث في العالم بأن الموّرثات مصفوفة على امتداد الكروموسومات بمواقع ثابتة كقطع لؤلؤ في عقد. عاملة لوحدها بحقل ذرة صغير في مهب الريح عند ميناء كولد سبرينغز بجزيرة لونغ في أمريكا، أثبتت باربارا مكلينتوك أن كل عالم وراثة آخر في العالم كان على خطأ.
من خلال دراستها للذُرة البرية بعناية، وجدت باربارا مکلینتوك بأن المورثات لا يمكنها التقافز فقط، بل تتقافز (فعلاً) بشكل منتظم ومستمر من مكان لآخر علی الكروموسوم، كما وجدت أن مورثات مسيطرة قليلة توجه هذه المورثات المراسلة المتقافزة التغيير أماكنها وبالتالي تشغيل أو إيقاف تشغيل المورثات المجاورة في مكانها الجديد.
أصبح عمل باربارا مكلينتوك حجر أساس لعدد من الإنجازات الكبيرة في مجال الطب ومكافحة الأمراض. وصفت لجنة جائزة نوبل عام 1983م العمل الرائد لباربارا مكلينتوك بأنه «واحد من أعظم إكتشافين إثنين في علم الوراثة بزماننا هذا»ª.
كيف جاء هذا الاكتشاف؟
بشهادة ال Ph . D في علم الوراثة، عاشت باربارا مکلینتوك Barbara McClintock في شقة مربة من غرفتين تعلو المرآب الأخضر الزاهي لمديرية بحث ميناء كولد سبرينغ التابعة لمعهد كارنيجي.
كانت باربارا امرأة صغيرة ضئيلة البنيان، بالكاد تبلغ خمسة أقدام طولاً وبوزن أقل من 90 رط. كان قد أصاب وجهها ويديها التجاعيد والخشونة من طول التعرض للريح والشمس.
كان ميناء كولد سبرينغ هذا عبارة عن منطقة نائية منعزلة شمال شرقي جزيرة لونغ، تتميز بكثرة هبوب الريح فيها وبكثبان الرملية المتدحرجة وأعشاها الشاطئية المتمايلة. منحنية بجسدها في حقل ذُرةبمساحة نصف فدان مندس بين تجمع مباني المديرية والمياه المتلاطمة لمضيق جزيرة لونغ، زرعت باربارا حبوب الذرة بيدها حبة تلو الأخرى ضمن صفوف مرتبة بعناية.
كان عام 1950م هو سادس عام لباربارا وهي تزرع وتنمي وتدرس مورثات نباتات الذرة وهي تتنقل بين الجيل والآخر. عادة ما كانت تشعر بنفسها مزارعة أكثر من كونها باحثة وراثية.
الكيفية التي قضت بها باربارا أيامها كانت تعتمد على فصول السنة. ففي الصيف، كانت تقضي معظم وقتها في حقل الذرة وهي ترعي وتروى النباتات التي ستنتجها محصولها من البيانات لتلك السنة، فتزيل الأعشاب الضارة والحشرات والأمراض التي يمكن أن تفتك بتجاربها.
أما في الخريف، فكانت تحصد كل سنبلة بيدها، فتصفها، وتبدأ بتحليلها المختبري الموقع وتركيب كل مورثة على كروموسومات كل سنبلة منها على حدة. كان مختبرها مؤلف من میکروسکوب قوي واحد، بعض الأطباق المختبرية الكيميائية، وأكداس من السجلات اليومية لتدوين ملاحظاتها. كان هذا العمل يستهلك ساعات الشتاء الطويلة لباربارا.
في الربيع، كانت باربارا تقسم وقتها بين التحليل الرقمي لبيانات العام الفائت والتخطيط الميداني والتحضير للجيل التالي من نباتات الذرة.
اقتفت باربارا بدقة الطفرات اللونية والأنماط والتغيرات الحاصلة عاماً بعد آخر واكتشفت بأن المورثات ليست ثابتة على امتداد الكروموسومات- كما إعتقد الجميع، ولكن بإمكانها الحركة، أو بالأحرى تتحرك فعلاً. بدت بعض المورثات وكأنها توجه المورثات الأخرى فتملي عليها مكان ذهابها وزمان عملها. كانت هذه الموجهات الوراثية تتحكم بحركة وعمل المورثات الأخرى التي انصاعت لها بالتقافز بين مكان وآخر ومن ثم إشغال - أو إيقاف اشتغال - ما يجاور مكانها الجديد من مورثات.
بدا الأمر وكأنه بدعة علمية. فقد ناقض کل کتاب ومرجع في علم الوراثة، كل بحث منشور عن الوراثة، وكذلك أفضل العقول وأكثر معدات البحث تطوراً على وجه الأرض. بنهاية موسم حصاد عام 1950م، كانت باربارا في حيرة من أمرها حيال نشر نتائجها. وأخيراً، قررت أن تنتظر بيانات عام آخر.
قامت مكلينتوك بحثها عام 1951م بالندوة الوطنية للبحث الوراثي. كانت الغرفة تتسع لمائتي شخص، لم يحضر منهم سوى ثلاثين، بينما تلكأ آخرون بالمجيء أثناء إلقائها للمحاضرة.
لم تسأل أي سؤال، فالقلة التي بقيت في الغرفة لحين إنتهائها رحلت ببساطة و دون أن تنبس ببنت شفة.
كما جرت العادة أن يحدث مع كل فكرة جذرية جديدة، نُبذت باربارا من قبل الحضور بهزة كتف تدل على كثير من الضجر واللامبالاة. فقد تجاهلوها لأنهم لم يقدروا على فهم تطبيقات ما تقول.
عادت باربارا وهي تجر وراءها أذيال البؤس والإحباط لتجني حقلها للذُرة وتبدأ بتحليل محصول السنة السابعةª.
على أية حال، احتاج المجتمع العلمي 25 سنة أخرى ليفهم أهمية إكتشاف باربارا مکلینتوك.