وقد يجد البعض في مرضهم أو آلامهم مُعيناً لا ينضب للحديث أو الشكوى، فإذا كنت من هؤلاء، دعك إذاً من هذا الكتاب، أما إذا كنت راغباً في الإحساس بالحيوية حقاً، فابذل لكل تمرين ما يستحقه من المحاولة، لأن هذه التمارين تعمل من أجلك بشرط أن تعمل أنت من أجلها، وهي ليست كالدواء يبدأ مفعوله فور تناوله، والآن فلنبدأ العمل.
الرأس أولاً
هل فكرت يوماً في أداء جسدك لوظيفته كما تفعل في صيانة عربتك؟ إنك قادر على فعل الكثير كي تجعل تلك الآلة منتظمة في عملها، وتحيا مدة طويلة من دون تحمل عبء تكاليف الإصلاح الباهظة، هذا إذا عرفت كيف تتعامل معها بإتقان.
وبالتدقيق في دراسة العوامل المؤثرة على أجزاء هذه العربة، وتزييت ما صدئ من مفاصلها وتثبيت ما ارتخى من أطرافها، فلن تجد صعوبة في صيانة العربة التي هي جسمك، بحيث تبدأ في العمل وكأنها جديدة تماماً.
لقد كانت هذه العربة متينة حين استلمتها، تسير بانتظام وتلبي حاجاتك ولكنك أهملت صيانتها وأسأت استخدامها، غير عابئ بالصدمات والكدمات، فأصبحت قاب قوسين من الانهيار العام... حسناً بما أنه لن يمكنك الاستغناء عنها، فلنلق نظرة فاحصة ... قف أمام مرآة طويلة وانظر إلى نفسك، وسيكون انطباعك الأولي نتيجة مباشرة للطريقة التي استخدمت بها هذه العربة.
انظر إلى تشكيل جسمك، وانتصاب رأسك، إلى شكل كتفيك وساقيك وقدميك، وبما أن بدنك متعدد الجوانب فلاحظ ظهرك وجنبيك مستعيناً بمرآة يدوية، لاحظ كيف يبدو وجهك وعنقك، هل هناك بوادر لغدِ نام (ترهل الأنسجة خلف الذقن أو فم متوتر، أو عينين مجهدتين في وجه مقطب، هل هناك ترهل شامل.
قد تبدو العربة قديمة أكبر من سنها، ومستهلكة أكثر من الخدمات التي بذلتها، أليس كذلك؟ لا عليك، فسنعيدها إلى حالتها الطبيعية، وذلك بالحصول على طاقة أكبر ومتعة أكثر، وبجهد أقل واستهلاك أفضل الأجزاء جسدك، فبالعزم والإرادة يمكنك أن تبدو أكثر شباباً وسعادة وإقبالاً على الحياة.
إن الجسد آلة معقدة التركيب، يحتوي على ثمانمائة وأربعين عضلة، وما دامت تلك العضلات محافظة على مرونتها كعضلات الطفل، فالنتيجة مبشرة ومُرُضية، أما إذا أجهد بعضها وأهيل الآخر، فلن تسبب توتراً وآلاماً فحسب، بل اضطرابات ذهنية وعضوية لا حصر لها.
كيف تستخدم عضلاتك؟
من المحتمل أن تكتشف في عملية الصيانة هذه وجود بعض العضلات متضررة أكثر مما توقعت، فتذكر أن كل حركة تقوم بها في سبيل إعادتها للوضع الطبيعي يجب أن تتسم بالسهولة والراحة، وإذا كان بذل الجهد العضلي يرهقك فراجع أسلوبك المتبع، لأن هذا يعني أنك اخترت طريقة غير مناسبة.
إن للأسلوب الذي تستخدم به عضلاتك في مختلف النشاطات اليومية، أثر عظيم في تنميتها وتحسينها أو الإضرار بها، والأسلوب الأمثل هو الذي يحافظ على التوازن بين التوتر والاسترخاء. يجب أن تتمعن في قراءة كل تمرين في هذا الكتاب قبل أن تبدأ في ممارسته، لأن الاستخدام الخاطئ للعضلة ينقلب ضرراً حتى لو بذلت فيه جهدك.
ومن أجل هذا اتبع الخطوات التالية وبالتدريج:
١- تفهم التمرين وما يهدف إليه.
۲- ابدأ بالشهيق قبل كل حركة، حيث يساعد التنفس على تقوية النشاط العضلي، وليكن شعارك من الآن فصاعداً (التنفس أولاً، ثم الحركة)، حتى يصبح هذا التنفس الواعي تلقائياً بعد حين، لأنك ستقتن و بالتجربة أن الحركة المدعم با تنفس تصير أسهل مما لو كانت من دونه.
3- الشعور بالحافز أثناء الحركة.
4 - الاستمرارية.
5 - قمة الحركة.
6- الاسترخاء الذي يتلو الحركة، مصحوباً بالزفير.
۷- فترة من الراحة قبل القيام بحركة جديدة.
الرأس والعنق
من صفات التوتر أنه مخادع ماكر، يتوارى في مخابئ لا نراها، فتذكر أنه طاقة تم تخزينها بدلاً من أن تنطلق عبر مخرج مناسب.
وسنبدأ بحثنا بالفكين، حيث اعتاد البعض الضغط على أسنانه بشكل مستمر، غير مدرك أن هذه العادة تزيد من توتر وجهه فيبدو مشدوداً وأكبر سناً، إذاً كيف تفعل ليسترخي فكك وتتخلص من هذا السلوك الذي يندر الانتباه إليه؟ الجواب بأبسط طريقة، بالعودة إلى إحدى العادات الطبيعية التي تعلمت الامتناع عن مزاولتها علناً، (لأنها طبع مشين)، وأعني بهذا التثاؤب. وهو وسيلة طبيعية للتخلص من السموم والمواد الضارة في الجسم، إضافة إلى أنه يضغط الحجاب الحاجز الأسفل وبقوة، شاهقاً كمية من الهواء النقي، ومخلصاً عضلات الجذع منالتيبس... والإجهاد، هل تعرف كيف تتثاءب جيداً؟ من الجائز أنك قدقمعت الكثير من هذه العادات الطبيعية، فغابت عنك الأحاسيس التي تصاحبها.
لاحظ أنني أكثر من ذكر كلمة (إحساس)، لأن الجسم السليم وعاء من الكنز مليء بالإحساسات الممتعة، كاستنشاق الهواء إلى داخل الرئة والحركة التلقائية للذارعين والساقين، الذوق، النظر ، السمع، الشم، اللمس، الجنس، لحظات الخمول التي تسبق الغفوة، كل هذه إحساسات طبيعية موروثة، ولكن هناك ما هو أقل منها وضوحاً بالرغم من أهميته لصحتنا وسلامتنا، ألا وهو فقدان الإحساس العام بالطواعية والحيوية في أجسادنا، وهذا النوع نتيجة لعدم التوازن في استخدام أجسادنا فأصبح متبلداً، ولذا كان علينا قبل استعادة الأداء السليم لهذه العضلات أن نبدأ في تنبيه الشعور بها وتحسينه عبر الأعصاب المتصلة، فتبلّد الإحساس هذا يجعل المصاب به كائناً نصف حي. حقاً إن الإنسان المتوتر لا يفتقد فقط تلك الأحاسيس، بل أيضاً حياة عاطفية فياضة يجب أن يستمتع بها.
التثاؤب
بعد أن بدأت في إزالة التوتر عن فكيك بالتثاؤب، حافظ على فككرالسفلي في حالة استرخاء تام، بحيث يكون فمك مفتوحاً قليلاً. قم بهذارإرادياً في البداية لتتحول عادة تلقائية بعد حين، وهذا أمر مرغوب في كل تمارين الكتاب، فداوم على عاداتك الجديدة حتى تصبح ملازمة لك.
والآن بعد زوال التوتر عن الجانب السفلي من وجهك، أنت جاهز للخطوة التالية، ابدأ بتدليك المنطقة حول مفصل الفك، وهي أمام الأذن تقريباً، وذلك بأطراف أصابعك كيا تثير الإحساسات العصبية فيها، ثم أرخ فكك وافتحه ساقطاً حتى كأنك تستطيع بلع تفاحة كاملة، هل سمعت صريراً في مفصل فكك؟ حسناً... هذا ما نريد. أبق فمك مفتوحاً بعض الشيء... قد لا يعجبك شكلك هكذا، ولكن استمر ... بدأت الآن بالتثاؤب ... عظيم، ويبدو أنه لا يمكنك التوقف، إن هذا الإحساس يخترق عينيك وخديك ورأسك، وتحسّ به في حلقك وأعلى صدرك، كما يرتفع الحجاب الحاجز وينخفض ضاغطاً على أعضاء بطنك الداخلية ، فيحسن من كفاءة دورتها الدموية .
حقاً إن التثاؤب من أفضل العلاجات الطبيعية للإجهاد والتوتر، كما أنه يساعد على تخفيض آلام الصداع، وزرع الحيوية في بشرة وجهك والفك المرتخي هو خطوة تسبق اللفظ، كما أنه يساعد على التحكم في درجات الصوت أثناء الكلام وإزالة التوتر عن حنجرة المتكلم، والتثاؤب في الأماكن العامة أو أثناء التحدث مع الآخرين ليس بالأمر اللائق طبعاً، ولكن التثاؤب العميق خلال اليوم يعمل على تخفيف التوتر، كما أن ممارسته ثلاث إلى أربع مرات قبل النوم هو الخطوة الأولى في محاربة الأرق.
اللسان
يتم استرخاء اللسان بوضع طرفه خلف الأسنان السفلية ولمدة محدودة من غير ضغط أو حركة، وارتخاء اللسان يساعد على إدرار سيل اللعاب إلى المعدة كما يحسّن من كفاءة الدورة الدموية في منطقة اللوزتين، ويدعم وظيفة الحنجرة، فيقدّي من نبرة الصوت.