الضوضاء:
من المحتمل أن يتأثر بعضنا بظروف خاصة دون غيره، لأن هناك فرقاً شاسعاً في درجات الحساسية بين الناس، ولكن بشكل عام يتأثر الجميع بالضوضاء إلى درجة معينة، وحتى الأصوات المعتادة التي لا نعي سماعها أو لا ننتبه لها... تُثير جهازنا العصبي فترهقه، وقد ثبت أن الضوضاء تزيد من عدد ضربات القلب حتى أثناء النوم، ويكتشف من اعتاد على الضوضاء المستمرة ليلاً، مدى الفرق حين ينام في الخلاء بعيداً عن ضجة المدينة،... سيشعر في بادئ الأمر كأنه يفتقد شيئاً ما، ثم تبدأ أعصابه في التحلحل تدريجياً، فتصير حركاته أبطأ وصوته أكثر هدوءاً. | في دراسة أجريت على مجموعة من سكان المدن المعتادين على ضوضاء الآلات وصخب الطرقات، اكتشف أنهم لا يسمعون الأصوات الخافتة، وذلك نتيجة لضغط الأصوات الحادة المستمر في حياتهم اليومية ، حيث تعلموا تجاهل هذه الأصوات لا شعورياً، ليحموا أنفسهم من التوتر المستمر. وفي يوم هادئ مشمس أخذت جماعة منهم إلى المروج، وطلب منهم أن يسدلوا جفونهم مرهفي السمع، كانت تعابير وجوههم متوترة في أول الأمر، ثم تململوا لعدم سماعهم صوتاً، وشيئاً فشيئاً تناهي إلى أسماعهم إيقاع الأمواج البعيدة المتكسرة، وسقسقة الطيور وهمهمة الحشرات، فسقط قناع التوتر الزائف عن وجوههم وأبدانهم، وتوجهوا إلى نداء الطبيعة ليستمتعوا بترانيم موسيقاها. من البديهي أننا لن نقدر على منع تلك الأصوات المحيطة بنا في المدن، وعلى الرغم من إمكانية التكيف معها إلا أن قليل الشيء أفضل من عدمه، فصوت المذياع أو التلفاز مثلاً يمكن التحكم فيه،
ويجب أن ننبه هنا إلى أن التعود على ترك هذه الأجهزة تعمل باستمرار دون قصد الاستماع إليها هو أحد مصادر التوتر المتخفية، ... وذلك حتى لو كنت منكباً على القراءة أو مشغولاً في حديث - لأن هذه الأصوات تثير في الأعصاب نبضات تشوش الأفكار وتضعف التركيز.
كيف نتأثر بالأصوات:
نحن نتعلم أكثر فأكثر عن مدى تأثرنا بالأصوات، فالصخب والصوت ذو النبرة المرتفعة يثيران أعصابنا، كما أن الصوت العدواني الغاضب يحفز فينا القتال والصراع - على عكس النبرة الخافتة ذي الوتيرة الواحدة ... فيجلب إلينا الضجر والملل، وستكون تجربة ممتعة لو تنبهت إلى تأثير صوتك على مزاجك، فبتغيير حدته ستقدر غالباً على التحكم في نفسك، وخاصة حين يكون صوتك واضحاً جليّ النبرات.
وهذا يشابه إحساسك بالثقة والآخرين كذلك حين تقف منتصباً مرفوع الرأس.
- هل تغمغم بصوت ذي نغمة واحدة ينقصه الرنين والذبذبة الواضحة؟ هذه علامة على الشعور بالإحباط والاكتئاب، فأطلق عنان صوتك ولا تخف.
- هل صوتك عدواني؟ لا أعني بهذا أنه متسلط أو مهاجم، بل أن يبدو ما تلفظه كما لو أنه القول الفصل والرأي الأخير الذي لا نقاش بعده، إن العدوانية في المتكلم كما ذكرت تستفز المستمع وتثير حفيظته.
- هل صوتك كئيب مضطرب؟
فالصوت الذي ينه عن خنوع ومسكنة لن يدفع إلى التعاطف معه، ومن الطبيعي ألا تشارك في مشاعر من يأسف على نفسه ويرثي لحالها، وكلما زاد حزنك على نفسك زادت كآبتك، كما يحمل الصوت معانِ خاصة أكثر مما تحمله الكلمة، فلو قلت لأحدهم بصوت قوي غاضب جملة مدح وثناء، لكان رد فعله سيئاً، لأن للصوت أثر يغلب الكلمة، ولهذا تجلت أهمية نبرة الصوت وحدته والتحكم فيه عندما تكون الكلمة أمام حشد من المستمعين، فتعمل على جذب الانتباه والتعاطف مع الخطيب.
٢- الضوء
ومن مصادر التوتر أيضاً الضوء الكهربائي، حيث يثير الأعصاب فينا ويهاجم العيون الحساسة حين تتعرض للإضاءة الشديدة المستمرة. | لاحظ مثلاً كيف أن ضوء الشموع يغمر النفس بالهدوء والسكينة، وتوجهنا الغريزي إلى تخفيض كمية الإضاءة عند طلب الراحة، ولكن كلما تطورنا حضارياً كلما زاد ابتعادنا عن غرائزنا، ونادراً ما نفكر بعد جهد مضن في تخفيض كمية الإنارة حولنا إلى ضوء خافت لتخمد أعصابنا ويتلاشى توترنا.
٣- اللون:
تلعب الألوان دوراً غير متوقع في جعل بيئتنا المنزلية أو العملية أكثر راحة وبهجة، فبعض الألوان مثيرة والأخرى مهدئة، ومنها ما يسبب نشوز الأفكار وأخرى تساعد على انسجامها، ومن النادر أن نعير الألوان اهتماماً، مع أنها تجهدنا كما تفعل الأصوات الحادة، فمثلاً وُجد أن المرضى يتعافون بسرعة في الغرف ذات الجدران فاتحة اللون، وببطء في الداكنة المثيرة، كذلك فإن نشاط الموظف أو العامل ذو علاقة واضحة بالألوان المحيطة به، وليس المقصود تزيين الجدران بالمناظر والرسوم أو شراء الأثاث كيفيا اتفق، فهناك حقيقة يجب أن توضع في الاعتبار دائماً، وهي أن الألوان قادرة على إسعادك وتهدئتك كما أنها قادرة على إجهادك وإقلاق راحتك.
4 - الجلوس:
لو تتبعنا عيّنة من الناس منذ الصباح الباكر، لوجدنا أنه قد بدأ يومه بالجلوس على مائدة الإفطار، ثم قضى بعض الوقت جالساً في العربة التي تقله إلى مكان عمله حيث يجلس فيه معظم الوقت، وعادة ما يعود إلى بيته أو يزور أحداً ليقضي أمسيته جالساً كذلك. وبهذا يصير المجموع ست عشرة ساعة من الجلوس يومياً. |
وحين يغدو تشكيل الجسم الكلي سيئاً بسبب عادة جلوس خاطئة أو مقعد غير مريح، سيؤدي هذا إلى اضطراب في حيوية عضلات الساقين ثم تدريجياً إلى ترهل في الردفين فضعف في عضلات الظهر وتهدل في الكتفين ثم العنق والذي يضعف بالتالي عن حمل الرأس بطريقة سليمة .
ومع مرور السنين لن نفاجأ حين تبدأ الأعضاء الداخلية في الشكوى، لأن النتيجة الحتمية لسوء الاستخدام اللاحق بعضلات الجسم، هي تناقص المرونة وتوتر العضلات وتباطؤ الدورة الدموية، ومن أولى علامات عادة الجلوس الخاطئة هو الإحساس بالخمول وفتور الهمة، وعدم الإقبال على الحياة لتبدو المطالب اليومية العادية شاقة مرهقة، أضف إلى هذا تلك المضايقات الناتجة عن محاولة التكيف مع مقعد غير مريح، وفي سبيل تلافيها يكتسب الجسم تشكيلاً سيئاً وعادات خاطئة، وهذا سبب لعادة وضع الساق على الساق، والتي ستبحث فيها لاحقاً، حيث تؤدي إلى تورم بين الركبتين وآلام في القدم، ونقص في النمو الطبيعي للفخذين وضعف في عضلات أسفل الظهر والردفين، أي أنك ستبدأ في اكتشاف آثار الجلوس بعيدة المدى على صحتك وسعادتك، وإذا كنا سنقضي حياتنا جالسين، فهل هناك من سبب معقول يمنعنا من صنع المقاعد المراعية لقوانين أجسادنا؟
5- المجتمع
الآخرون أيضاً سبب من أسباب التوتر، وهذا يتراوح بين مزاج زوجك في الصباح، إلى الحالة العصبية لرئيسك في العمل، إلى تصرف البعض في الطريق العام، إلى أصوات الناس في مكان عملك، وكما أن الهادئ قادر على تهدئة من حوله، فكذلك المتوتر يمكنه إشاعة الاضطراب فيمن معه، ويستطيع الموظف الهائج أن يجعل المؤسسة كلها في حالة من الإثارة والتحفز، وهناك حالات لا تحصى من الانهيارات العصبية بسبب تأثير المتوترين على غيرهم، كما أن الأب العصبي والأم المتوترة عامل مباشر على تدمير التوازن العاطفي لأبنائهم.