صحاري الغد
أحد الأسئلة الهامة التي تسأل اليوم في كل العالم هو: هل سيغير العلم الصحاري إلى أراض خصبة؟ هل يمكن أن تقوم الحقول والمدن في البقاع التي تخلو من كل شيء إلا الرمال والحجارة التي اكتوت بأشعة الشمس؟
لا يستطيع أحد أن يقطع بإجابة عن هذا السؤال، ولكن يبدو أن الإجابة المحتملة هي النفي.
وفي الواقع، يقول العلماء إن المناطق الصحراوية في العالم تزداد جفافاً حيناً بعد حين. وهم يذكروننا بأن صحراء كلهاري كانت تجرى فيها الأنهار الفائضة ومجاري المياه منذ مئات عدة من السنين فقط. ويذكرونا أيضاً بأنه منذ ألفي سنة فقط - وهي مدة غير طويلة جدا في تاريخ العالم كانت الأسود والفيلة "تصاد في أراضي الغابات التي صارت الصحراء الكبرى الشمالية. ولا توجد هذه الحيوانات اليوم طبعاً في الصحراء الكبرى. ولا توجد نباتات في تلك المنطقة لأنها شديدة الحفاف.
فكيف يفسر العلماء أن مناطق معينة آخذة في الجفاف؟
هنا أيضاً لا توجد إجابة أكيدة لهذا السؤال. فمنهم من يعتقد أن ذلك راجع إلى تغير عظيم بطىء قديم في مناخ الأرض، وهو لا يزال مستمرًا، ويسبب نقصاً في هطول الأمطار، ومن ثم زيادة في مساحات الصحاري.
ويعتقد العلماء أيضا أن الإنسان نفسه كان له دور في خلق المساحات الصحراوية أو زيادتها؛ فهم يقولون إن الإنسان قطع الغابات وأجهد بالزراعة الحقول التي كانت خصبة يوماً ما، فلم تعد تستطيع الاحتفاظ بماء المطر الذي يسقط عليها، ولم تعد تستطيع الاستفادة به.
فأخذت تلك التربة تتحول إلى صحراء . ونحن نعلم ، مثلا ، أن إجهاد التربة بالزراعة وما اتبعه من تاكل التربة حول منطقة فسيحة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى منطقة من التراب في سنوات قليلة قصيرة فقط.
وما زالت ملايين الأشجار وألوف الفدادين ( الأكرات ) من العشب القوى تزرع في تلك المنطقة الآن في محاولة ليعود إليها خصبها الذيولى.
ولقد أضيف أخيراً سؤال جديد إلى السؤال العظيم المتعلق بمستقبل الصحارى . وهو: هل نستطيع أن نستمر إلى ما لا نهاية في زيادة عدد مضخات الري التي ترفع الماء لمسافة بعيدة من تحت أرض الصحراء؟ وإجابة ذلك السؤال تكاد تكون بالنفي يقيناً.
فإن منسوب الماء الأرضي ينخفض بشكل مزعج. ويروى المهندسون الفرنسيون ، مثلا ،أنهم عندما يرفعون كمية كبيرة لدرجة غير مألوفة من الماء من آبار معينة في الصحراء الكبرى فإن منسوب الماء ينخفض انخفاضاً ملحوظاً في الآبارالتي تبعد المسافة معقولة.
وبعبارة أخرى، إننا نتعلم أن كميات الماء الأرضى الموجودة تحت الصحراوات لايمكن أن ترفع سنة بعد أخرى بمعدل يزيد عن معدل تجمعالماء هناك.
ومن المحتمل أن تبتكر طرق جديدة لجلب الماء إلى الصحراء في المستقبل.
ولقد اقترح المهندسون شق قناة ضخمة تخترق جبال أطلس التي تفصل البحر المتوسط عن الصحراء الكبرى؛ لكي يتكون بحر داخلى في بقعة منخفضة في تلك الصحراء . وسيكون ذلك البحر مالحا طبعاً ، ولا فائدة فيه للري.
ولكن من اقترحوا هذا المشروع يظنون أن السحب ستتكون فوق ذلك البحر عند ما تبخر الشمس الماء ، وأن تلك السحب ستجلب الماء إلى الصحراء على حافة البحر.
ويعمل العلماء أيضاً بكد لابتكار طرق هائلة للتخلص من الملح والمواد المعدنية من ماء البحار . فإن الطرق الحالية لهذا باهظة التكاليف لدرجة تجعلها غير عملية لاستخدامها في مشروعات الرى الضخمة.
ولكن ربما يجيء اليوم الذي تستخدم فيه الطاقة الذرية أو بعض الطرق الكيماوية التصير محيطات العالم مصادر الكميات هائلة من الماء العذب لصحاري العالم.
وقد يحرص الإنسان على منع المناطق الخضراء الخالية من أن تتحولإلى مناطق جرداء . وقد ينشي بحارة داخلية جديدة داخل بعض الصحاري، ويروى غيرها بمياه المحيطات بعد تحويلها إلى ماء عذب.
ولكن من المحتمل أن تبني ، حتى في ذلك الوقت ، صحارى باستمرار في بعض جهات العالم.
فهل تود أن تختفي الصحارى جميعاً؟ الإجابة المحتملة عن هذا السؤال هي النفي المؤكد جداً. ومن المحتمل أن الناس سيقولون إنه لا بد من أن تحفظ بعض الصحاري باستمرار. فعندئذ سيستطيع رجال الغد ، كما استطاع رجال الأمس، أن يذهلوا لعجائبها، وأن يحاولوا كشف أسرارها.