أول رجال بيض رأوا الصحاري الأمريكية:
لقد كان المكتشفون الإسبانيون، من أمثال القس الفرنسسكاني "ماركس دي نيزا"، أول رجال بيض رأوا الصحاري الأمريكية.
فلقد اتجهوا شمالا من المكسيك، في طريق أسموه "رحلة الموت"، سعياً وراء ثروة جديدة وأراض غنية جديدة، ليضيفوا إلى مجد إسبانيا في مستعمرة الدنيا الجديدة.
وسرعان ما ادعوا ملكية ما أسموه محافظة المكسيك الحديدة وكانت تمتد من نهر المسيسبي إلى شاطئ المحيط الهادي ومن حدود المكسيك إلى قدر ما استطاع الرجال البيض أن يصلوا إليه.
ولقد وجد هؤلاء الإسبانيون الأوائل قليلا جداً من نوع الثروة التي كانوا عنها يبحثون: الذهب والفضة والجواهر، فولي معظم الباحثين عن الكنوز ، وبقيت مجموعتان من الإسبانيين ليستقروا في هذه المنطقة التي يغلب عليها الحدب، وهما من مربي الماشية والقسس.
فبني مربو المواشي مزارع جميلة وربوا حيواناتهم على ألوف الفدادين (آكرات) من الأرض. أما القسس فبنوا إرسالياتهم وعلموا هنود القرى الودودين زراعة حبوب وخضر جديدة، وعرفوا لأول مرة الخيل والأبقار، وحاولوا أن يحولوهم إلى مسيحيين.
ولقد كان كثير من الهنود مبالين إلى اتباع الأساليب الجديدة في الحياة التي استحضرها الرجال البيض، فصاروا مسيحيين بالرغم من أنهم ظنوا أنهم لم يتخلوا عن طقوس دينهم الخاص واحتفالاته. وهاجر ألوف منهم من قراهم ليسكنوا في مجتمعات كبيرة حول الإرساليات، مثل كنيسة سان هوزيه دى تومككورى، التي لا تزال قائمة بالقرب من توسن، المدينة الحديثة الكبيرة.
ولكن القبائل الأكثر ميلاً للحروب بدأت تغزو الإرساليات؛ لتسرق القطعان والغذاء ولتخرب الكنائس، انتقاماً من الإسبانيين الذين استولوا على أراضيهم، ومن الجنود الذين حالفوا الإسبانيين.
ولم يسو النزاع بين الرجال البيض والهنود، حتى عندما حصلت المكسيك، وفيها المحافظة القديمة والمكسيك الجديدة، على استقلالها عن إسبانيا . فظلت غارات الهنود ومذابحهم مألوفة نوعاً عندما وصلت مجموعة أخرى من القادمين الجدد، وهم مكتشفون أمريكيون وباحثون عن مناجم الذهب ومغامرون رحلوا غرباً مما وراء المسيسيبي.
المستكشفون الأمريكان الجدد للصحاري الأمريكية:
وصل بعض هؤلاء الأمريكيين إلى هذه المنطقة قبل أن تصير جزءاً من الولايات المتحدة الأمريكية عند نهاية الحرب المكسيكية في سنة ۱۸۹۸ ، وبعد تلك الحرب تزايدت أعداد الواصلين حديثاً . ولم يستقر في الصحراء كل الأمريكيين المتجهين غرباً ليصيروا رجال مناجم أو مربي ماشية . بل إن عدداً كبيراً جدا منهم مروا بتلك الصحراء في طريقهم المناجم الذهب وللأرض الزراعية الجديدة التي استغلت في كاليفورنيا.
حتى أولئك الذين لم يتوقفوا احتاجوا إلى شراء تموين جديد وهم في طريقهم، فسرعان ما نشأت مراكز التجارة لخدمتهم.
ومراكز التجارة هذه، التي أقيمت على طول الطرق التي تسير فيها قطارات عربات الرواد ، تحولت إلى مدن صحراوية جديدة .
وأدى مثل هذا إلى فتح متاجر جديدة للفضة والذهب والنحاس. وصار بعض المحلات الأمريكية المبكرة أشباح مدن منذ مدة طويلة ، بينما استمر غيرها موجوداً إلى اليوم .
جماعات المورمن:
ووصل نوع آخر من القادمين الجدد إلى تلك المناطق الصحراوية في الفترة ذاتها التي اجتذبت كثيراً من الباحثين عن مناجم الذهب، وهؤلاء القادمون الجدد لم يكونوا باحثين عن الثراء . إنهم المورمن الذين كانوا يطلبون الحرية الدينية التي لم يستطيعوا الحصول عليها في موطنهم الأصلي في ولاية نيويورك .
وإذ اتجه المورمن غرباً، كانوا يقتلون حينما حلوا. وأخيراً قرروا أنهم سيجدون الحرية الحقة في أرض قاحلة لدرجة أن تكون خالية من أي فرد مقيم أو راغب في الإقامة فيها . وعندما أطلوا لأسفل من فوق قمة جبل في الصحراء التي تحيط ببحيرة الملح الكبرى (سولت ليك)، قالوا : "هذا هو المكان" . وهناك في سنة ۱۸۹۷ ، أنشأوا سولت ليك سي ، وبدأوا على الفور في حرث أرض الصحراء الرمادية وريها.
واليوم نجد أن ألوف الفدادين ( آكرات ) من صحراء بحيرة الملح الكبرى ( جريت سولت اليك دزرت ) وهي جزء من صحراء الحوض العظيم ( جريت بيسن)، قد تحولت إلى أرض زراعية طيبة على أيدي أفراد كنيسة المورمن.
وما زالت الأراضي حديثة الري تجتذب مزارعين أكثر فأكثر في الشطر الجنوبي الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ، وهناك موجة جديدة من الباحثين عن مناجم الذهب أيضاً.
وهؤلاء الباحثون عن مناجم الذهب المتأخرون لا ينحنون على جدول ماء، يملأوا كفوفهم بالحمى، أملا في العثور على ذهب براق . ولكن بعضهم برحل مع صديق، الباحثين عن مناجم الذهب القدامى، ونعني به الحمار،. فيقتحمون الصحراء في سيارات جيب، أو يطيرون فوق الصحراء في طائرات. ويستخدمون آلات حساسة لتكشف عن وجود اليورانيوم أو معدن آخر قيم ، أو مصدر مختى للنفط ، بعيد تحت أرض الصحراء .
ولكن يصل إلى الصحاري الأمريكية اليوم قادمون جدد كثيرون، لأسباب تختلف عن الأسباب التي جذبت الناس إلى هناك في الماضي.
العلماء وتجاربهم في الصحاري الأمريكية:
وتتكون إحدى المجموعات من علماء يجدون في ذلك المكان أفضل الظروف الممكنة لإجراء تجارب معينة: يجدون الهواء الصافي، والطقس الدافئ والشمس الساطعة على مدار السنة، والخلاء. وفي هذه الظروف يمكنهم إجراء اختباراتهم في الخلاء في أي وقت، مع علمهم بأنهم يمكنهم أن يعولوا على إمكان الرؤية غير المحدودة وأنهم متأكدون من عدم وجود أحد على مقربة كافية بحيث تؤذيه انفجاراتهم أو قذائفهم بعيدة المدى.
وذلك هو السبب في أن أولى القنابل الذرية في العالم، مثلا، قد جربت في صحراء تشيهواهوا في سنة 1945. وذلك هو السبب في أن القذائف التجريبية قد أطلقت في الصحراء ذاتها منذ إنشاء أول محطة تجارب في سنة ۱۹۳۰.
ولا يسمح بالدخول إلى المحطة الحكومية لاختبار القذائف بتاتاً إلا لقلة من الناس. ولكن أي شخص يستطيع أن بري نوع البلاد التي يفضلها العلماء، بأن يزور صحراء الرمال البيضاء (وايت ساندس) وهي مساحة شاسعة من الكثبان المتكونة من الجبس الأبيض الساطع، وهو مسحوق يستعمل أحياناً في صناعة مواد البناء والتنظيف وإصلاح الأراضي، ولكن لا فائدة له في تدعيم أي نوع من الحياة. وهناك لا ينمو شيء تقريباً، إلا بضع أشجار يوكا، التي تستطيع أن تدفع بجذورها حوالى عشرة أمتار إلى أن تعثر تحت الجفاف المميت على الماء الضروري للحياة.
وهناك لا يعيش شيء تؤذيه الانفجارات، سوى بضعة فئران وخنافس، حشرات كلها على درجة من البياض تعادل أو تقارب بياض الرمال ذاتها.