الموت للذباب:
اقتل هذه الذبابة! فهي تدخل بيوتنا بدون دعوة ولذلك نسميها الذبابة المنزلية، وهي أيضا زائر غير مرغوب فيه في المطاعم والأسواق، والذبابة لا تعض ولكن كم تضايق. فأقدامها اللزجة وأرجلها المشعرة تتجمع عليها الكثير من القاذورات. وبعدئذ تمشي على طبق الزبدة التي تأكلها أو تسقط في كوب اللين. وليست الذبابة مجرد شيء يضايق فقط ولكنها تنشر المرض، ويقع اللوم عليها لنقلها حالات كثيرة من التيفود والدوسنتاريا والسل.
حياة الذبابة :
وتضع الأنثى بيضها الذي يعد بالمئات على اللحوم الفاسدة أو المخلفات المتحللة. ويخرج منه دود صغير. وخلال فترة قصيرة تبلغ من عشرة أيام إلى أسبوعين يصير ذبابا كامل النمو، وهو يتكاثر بدرجة مذهلة، ولقد قدر أنه إذا ما تمكن زوج واحد من الذباب أن يتوالد وتعيش ذريته لتوالد بدون عائق فقد ينتج منه في عام واحد ما يكفي لتغطية الكرة الأرضية كلها بارتفاع 47 قدماً.
فليس من المستغرب أن يكرر العلماء تحذيرهم «اقتُل تلك الذيابة».
أضرار الذباب بأنواعه :
وللذبابة المنزلية أقارب أشد منها ضررًا، و«ذبابة الاسطبل» تشبهها كثيرًا وأحيانا تدخل بيوتناً، ولكنها تعُض. وكم تعذب من وخزها الخيل والأبقار المسكينة، وهي تتوالد في التبن أو الخضراوات المُتحللة، وتعد من المشكلات الدائمة أمام مرني أبقار اللبن.
ولها كذلك أقارب أكثر تعطشا لمص الدماء فهناك «الذباب الأسود» الذي يجعل الحياة غير محتملة للإنسان والحيوان في المناطق الشمالية. والذباب الكبير «ذو الرؤوس الحضر» يضايق كثيرًا سكان الشواطئ في فصل الصيف.
وهناك أنواع أكبر من الذباب الواخز. وفي المناطق الاستوائية يوجد نوع من الذباب يترك وراءه طريقا من الدماء حين يلدغ وأكبر هذه الأنواع جميعا نوع يوجد في وادي نهر الأمازون تبلغ المسافة بين أجنحته المفرودة ثلاث بوصات.
ومن حسن الحظ أنه غير واخز ولكن يرقاته تنخر الأشجار الحية وتشرب من عصارتها، «وذباب الفاكهة الصغير» لا يعض أيضاً، ولكنه يتجمع بكثرة على أطباق الفاكهة الناضجة.
الذبابة السارقة :
وتعتبر «الذبابة السارقة» آفة أمام مربي النحل وجسمها طويل ولها خرطوم قوى، وكثيرا ما تنقض على نحلة مسكينة وهي في طريق عودتها إلى خليتها محملة بالرحيق وحبوب اللقاح. وتفترس هذه الذبابة كذلك بعض الحشرات الضارة.
ذباب اللحوم :
وأكثر ما يخشى من هذه الأنواع «ذباب اللحوم» و «دنف البقر» وتطير الأنى منه مارقة مثل الرصاصة وتدفع آلة وضع البيض الحادة خلال جلد الحيوان أو الإنسان وتضع فيه بيضة وبعد قليل تخرج منها دودة ذات شعر تزحف وتتلوى.
ويتخلص الأهالي في البلاد الاستوائية من هذه الدودة بحفرها بطرف السكين ولكن الحيوانات المسكينة لا تجد لها معينا، وعندئذ تظهر الأورام ويصاب الجلد إصابة بالغة. ولقد وجد أن فراء «حيوانات الرايندير» في أقاصي الشمال تزخر بيرقات هذا الذباب.
ذباب التسي تسي
ويفوق هذه الأعداء ضررا ذباب و"تسي تسي"، في أفريقيا، لأنه ينقل مرض النوم المخيف الذي قضى على ملايين الأهالي هناك. ولقد هجرت مساحات شاسعة على شواطئ بحيرة فيكتوريا الجميلة في أفريقيا نتيجة لوجود هذه الذبابة هناك. وفي المستعمرات الفرنسية مات ستة ملايين من الأهالي من مرض النوم خلال بضعة أعوام، وفقدت أوغندة وهي من أغنى مناطق أفريقيا نحو ثلثي عدد سكانها.
وكلمة «الموت للذباب»، ينبغي أن تكون شعارنا في الحرب التي نشنها على الحشرات الضارة الأخرى، ويشترك فيها العالم بأسره، ونحن نحاول في موانينا
ألا نسمح بدخول الحشرات الوافدة علينا من الأقطار الأخرى.
وكل نبات أو فاكهة ترد من الخارج تفحص وترش بالمبيدات حتى لا تدخل معها هذه الحشرات الجديدة. وإذا ما نفذت هذه الحشرات خلال خطوط دفاعنا نحاربها كما نحارب أي جيش يغزو البلاد.
وعندما وصلت «ذبابة فاكهة البحر الأبيض»، إلى ولاية فلوريدا أحرقت جميع أشجار الموالح المصابة بها ورشت مساحات شاسعة بالمبيدات عدة مرات. وفي ذات مرة انتشر جيش صغير من الرجال على ضفاف نهر «الهدسون»، وفي وديان «نهر شامبلين» ليحاصروا «فراشة الغجر» التي كانت تهاجم الأشجار في ولاية «نيوانجلند» لكيلا تنتشر نحو الغرب.
وهكذا الحال في الأقطار الأخرى المتيقظة فهي دائما على حذر ولقد تعود الناس على «خنفساء البطاطس»، في الولايات المتحدة ولكن الأوربيين لا يرغبون أن تدخل بلاده في إنجلترا يضعون صورة هذه الخنفساء في كل مكان ويحذرون الفلاحين منها ويطلبون منهم أن يبلغوا السلطات إذا ما شاهدوا واحدة منها.
ويبدو أنه من الصعب تنفيذ قوانين الحجر الزراعي بدقة. فقد كانت المحيطات والصحاري في الماضي بمثابة الحواجز، ولكن وسائل السفر الحديثة مكنت من تخطى هذه الحواجز في بضعة أيام أو ساعات وكثيراً ما تختفي الحشرات أو بيضها في البضائع التي تستورد من الأماكن البعيدة.
وكذلك تهرب الحشرات بمهارة على البواخر والسيارات. كما أنها تتعلم كيف تنتقل خفية في الطائرات.
وفي عام واحد وجد أن سبعة آلاف من طائرات السفر ملوثة بالحشرات: وبهذه الطريقة انتشرت ذبابة «تسي تسي» في وادي الأمازون.. ويخشى الأحياء مجرد التفكير فيا قد يحدث إذا ما دخل ميكروب الحمى الصفراء الذي ينقله البعوض إلى مدن الهند المزدحمة بالسكان.
أنواع أخرى من الذباب :
وبمرور الوقت تظهر حشرات جديدة أو تتعود الأنواع القديمة على طباع ضارة، فقد كانت وخنفساء الفاصوليا المكسيكية، تنتمي إلى عائلة من آكلة اللحوم، ولكنها تحولت إلى أكل الخضراوات وأخذت تهاجم الآن نباتات الفاصوليا. وحتى «خنفساء البطاطس و كانت قانعة في وقت ما بغذائها من الحشائش في ولاية «كلورادو» موطنها الأصلي فأصبحت الآن تصمم على أكل البطاطس. وكان المزارعون ينتجون التفاح الجميل في الماضي بدون عناء كبير ولكن يجب عليهم اليوم أن يرشوا بساتينهم بالمبيدات الحشرية عدة مرات. ولقد اكتشف الكثير من المحاليل والمساحيق الكيميائية التي تقتل الحشرات الضارة وأفضلها مادة ال (د.د.ت) التي قضت على الذباب والبعوض بأعداد كبيرة ولكنها تقتل كذلك النحل.
وبجانب هذا يظهر أن بعض الآفات مثل «النطاط» و «خنافس الفاصوليا» و «سوس لوزة القطن» لا تتأثر بهذه المادة، حتى «الذباب المنزلي» أصبحت لديه أخيرا مناعة ضد هذه المادة ويعتقد بعض العلماء أننا نقضي بذلك على السلالات الضعيفة فقط ونبقى على القوية منها.
مكافحة الذباب :
وفي الوقت الحاضر تهاجم الأماكن التي تتوالد فيها الحشرات ومن ناحية أخرى يجب تغطية صفائح القمامة في المدن، وتجفيف المستنقعات لمنع توالد البعوض ورش الغابات بالمبيدات بواسطة الطائرات والهيلوكوبتر.
وفي الولايات المتحدة وحدها ينتجون ما يقدر بمائتي مليون دولار من المبيدات سنوياً.
وعلى ذلك تستمر الحرب وتزيد أهميتها وترتفع تكاليفها بمرور الزمن، والقليل منا من يتوقف ويفكر في أهمية ذلك، ولكن يخبرنا العلماء أنه إذا استطاعت هذه الحشرات الضارة - التي تفسد علينا غذاءنا وملابسنا وبيوتنا وتهددنا بنشر الأمراض - أن تتوالد بدون عائق لأمكنها خلال ستة أعوام أن تقضى على كل أثر للإنسان في هذا العالم.
وليس من الغريب أنهم يحرضونا على قتل الذياب.